محمد العنيزي
(1)
الحجرة الصغيرة تقع عند بوابة المستودع.. تطل على ساحة كبيرة.. في الساحة هياكل حديدية صدئة.. بقايا سيارات وشاحنات وحافلات.. هياكل لآلات ضخمة.. جنازير.. رافعات .. و مقطورات.
حارس المستودع يجلس في الحجرة الصغيرة.. يتطلع من نافذتها إلى مقبرة الحديد.. وفي بعض الأوقات يجلس على كرسي يراقب المارة من أمام مدخل البوابة.
(2)
ثمة شجيرتان مزهرتان تنموان في ركن قصي من الساحة.. تبرز ألوان أزهارهما من وراء الهياكل الحديدية.. إحداهما بأزهار بيضاء.. والأخرى بأزهار حمراء..
الحارس ينقل نظراته من نافذة الحجرة الصغيرة.. يتوقف عند منظر الأزهار في ركن الساحة.. ويقول لنفسه :
ـــ شجيرتان جميلتان تزهران في مقبرة الحديد والصدأ..
(3)
الشجيرتان تزهران أغلب أيام السنة.. الحارس يتناوب واجب خفارة المستودع مع آخرين.. وعند نهاية نوبة حراسته في صباح اليوم التالي.. يقطف من الشجيرتين أزهارا بيضاء وحمراء.. ويعود سعيدا بها إلى البيت..
تضع زوجته الأزهار في إناء به ماء.. تحتفظ الأزهار بنضارتها.. وفي نوبة حراسته الأخرى يعود بأزهار جديدة..
يسأل الطفل الصغير والده الحارس ببراءة :
ـــ من أين تحضر لنا الأزهار يا أبي ؟
ـــ من المستودع الذي أعمل به
(4)
في اليوم الذي رأى فيه الطفل ابن الحارس مستودع الهياكل الحديدية.. سأل والده وهو يتأمل المكان باستغراب :
ـــ أين الحديقة الكبيرة التي تحضر منها الأزهار يا أبي ؟
…………………………
*كاتب وقاص من ليبيا