أحمد الشهاوي.. الشاعر الصوفيّ العاشق

أحمد الشهاوي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عاطف محمد عبد المجيد

يتكون اسمه من أحد عشر حرفًا، تتيه فخرًا في سماوات الإبداع، إذ تعرف تمامًا أنها تشير إلى اسم شاعر، أحد عشر حرفًا أولها حرف الأبجدية الأول “الألف”، وآخرها حرفُها الأخير”الياء”، وما بينهما عالَم إنساني وشِعري ثري جدًّا.       

إنه أحمد الشهاوي الذي ولد لأب أزهري، وهو يُمثل نموذجًا شعريًّا نشأ في بيئة عقائدية سُنية تنهل من ثقافة الإنشاد الصوفي وقد تأثر بالطريقة الصوفية الشاذلية التي تعتمد على طريقة الإفضاء ويغلب عليها الطابع الغنائي.

“عن حال حالي أغمضت حالي

قلت يا بحر أين أنت

عن عين عيني أغمضت عيني

وما رآني سواك أنت

فخذ شفوفي..شفا رحيلي

ورُحْ لروحي ما ثم شيء

إلاك أنت

هام كلي بكل كلي

وبعض بعضي منك أنتَ

رد حالي فقد فنيت

وما الوصول بغير أنت

بلغ حبيبي بأن نفسي

متى سمت لي

وذقت موتا فمنك أنت

في كل يوم أراك أنت

ووجه نفسي منك أنت

لما تجلى بحر بحري

رسا سفيني و ذبت أنت

قلت للماء يا حبيبي

موتي حياة وأنت أنت”.

صافحت عيناه الحياة، على تراب مدينة دمياط، في الثاني عشر من شهر نوفمبر من العام1960 وعاش خمس سنوات فيها، ثم انتقل مع أسرته للعيش في قريته  كفر المياسرة  التي تبعد عن المدينة أربعين كيلو مترًا حيث درس المرحلة الابتدائية بها، ثم المرحلتين الإعدادية والثانوية بالزرقا، والتحق بعد ذلك بكلية التربية بدمياط جامعة المنصورة قسم الرياضيات وظل بها عامًا واحدًا، لكن يبدو أن دراسة الرياضيات وعلومها لم تَرُقْ له،، فحوّل دفّة تعليمه ناحية قسم الصحافة بكلية الآداب بسوهاج، فرع جامعة أسيوط، وتخرج فيها في مايو 1983.

من أعماله: ركعتان للعشق، الأحاديث السفر الأول والثاني، كتاب العشق، أحوال العاشق، كتاب الموت، قل هي، الوصايا في عشق النساء الكتاب الأول والثاني، لسان النار، باب واحد ومنازل، أسوق الغمام، سماء باسمي، لا أراني، أنا من أهوى.. 600 طريق إلى العشق، كن عاشقًا، ما أنا فيه، وأخيرًا صدر له أنا خطأ النحاة.

في كتابه أنا من أهوى يطوف بنا الشهاوي حول كعبة العشق وقِبلة العشاق مانحًا إيانا إكسير المحبة التي تحتضن روحين معًا، جاعلة إياهما ينغمران في بحيرات من نشوة ومتعة لا يشعر بها إلا كل من ذاقها، ذات عشق صوفي أبدي.

تقول الكاتبة الروائية نوال مصطفى عن الشهاوي إنه شاعر يتنفس الحرف، ويذوب في الكلمة، ويغوص في أعماق كتب المتصوفة، إنه شاعر يعشق العشق، ويسبح في بحور المعني، ويصطاد من لآليء الكلمات وجواهر المغزى، ويتوق إلى القبض على المعاني المخبوءة في قلوب البشر.

يبني الشهاوي أبياته الشعرية بيتًا بيتًا كأنه يُشيد بناءً يتطلع إلى ملامسة النجوم في سماواتها البعيدة.كذلك تراه شاعرًا مخلصًا لموهبته قبل أي شىء آخر في الحياة،  كأنه يرى حياته كلها قصيدة شعر طويلة ممتدة بطول أيامه وسنينه.

أحمد الشهاوي الشاعر الغارق في محيطات بلا قرار، مياهها الشعر وأمواجها الأدب وشواطئها الفنون بأنواعها وصنوفها العديدة من موسيقى وسينما وآثار وفن تشكيلي يتجلى في تأملاته الصوفية باحثًا عن الإنسان في أعمق أعماقه،  يقرأ كثيرًا ويكتب قليلاً، ويبدع كأنه يتعبد في قُدس الأقداس.

ولم يقف نجاح الشهاوي عند عتبات القارئ العربي، بل ارتحل إلى بلاد الله الواسعة،  فتُرجمت أعماله إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والهولندية وغيرها، ولهذا كله استحق العديد من الجوائز التي حاز عليها عن جدارة.

كما تناولت أشعاره وإبداعاته النثرية العديد من أطروحات الماجستير والدكتوراة.      إنه الشاعر الذي ابتدع لغته، ونحَت صوره الفنية، واخترع قاموسه الخاص بدراسةٍ عميقةٍ وعملٍ دءُوبٍ وثقافةٍ موسوعيةٍ، وسفرٍ متصلٍ إلى بلاد العالم وثقافاتها المختلفة.

شاعر فتح كل نوافذ المعرفة المتاحة، وأطل منها بعينين مفتوحتين وروح شاعرة، فاستلهم والتقط واشتغل، وأبدع شعرًا متفردًا أصيلاً.                                       أما الناقدة الدكتورة امتنان الصمادي أستاذ الأدب العربي الحديث بالجامعة الأردنية فتقول عن الشهاوي في ديوانه أسوق الغمام إنه ما زال يستمطر الحب طامحًا في النوال، طامحًا في البعيد من المقدس، لكنه يغرق في الحنين ولا يرتوي إذ استطاع أن يسوق غمام الحنين إلى البعيدة الأنثى الأم والأنثى الحبيبة والأنثى التي لا تكتمل إلا به، فقدم صورةً مكتملةً للنقصان الذي ما زال يدور في فلكه يحاكيه برقةٍ شديدةٍ تكاد تكون صوتًا واحدًا وحالةً واحدةً.               

أحمد الشهاوي لا يمارس كتابة الشعر فقط بل هو يُعرّج على فنون أخرى منها الفن التشكيلي..إذ له أكثر من تجربة في هذا الفن.يقول الفنان التشكيلي الدكتور عبد الوهاب عبد المحسن عن تجربة الشهاوي في معرضه الشخصي الأول”مقام الأسرار” أحيانًا يكون التوهج الإبداعي عند المبدع في أقصى درجاته، فيصبح وسيط التعبير الذي اعتاده وتألق فيه، أضيق من حالة التوهج التي تسكنه برغم عظمة تجربته الإبداعية وعمقها وتجليها، في هذه الحالة تلح عليه وسائط أخرى للتعبير تكون أقصر مسافة لتحقيق الدفعة الشعورية التي يحياها في تلك اللحظة مع استمراره في تجربتها الأخرى.

ويرى كذلك أن البعد الصوفي عند أحمد الشهاوي يجعله مشغولًا بجزيئات اللون وتفاعله على سطح الورق.ويقول الفنان التشكيلي الدكتور أحمد عبد الكريم إن الشعرية والتصوف معنيان تستطيع أن تستشفهما في باكورة أعمال الشاعر الفنان أحمد الشهاوي, وقد ظننت أن الشعر مفرداته كلمات, وأن الفن البصري مفرداته خطوط وألوان, ولكن الفن البصري هو وحدة الفنون العضوية, حيث يجمع موسيقى الكلمات والألوان والألحان في لوحات أحمد الشهاوي, وعندما قرأت منذ زمن قريب شعره وجدت أن اللونين الأبيض والأسود هما العامل المشترك المتوفر في أشعاره ولوحاته, كما أن كثيرًا من اللوحات ذات بريق ينم عن ثقافة متأصلة في عالم الألوان والتكوينات الشعرية جماليًّا، وأشار إلى أن لوحات أحمد الشهاوي حفلت بالخيال الهندسي مع أنوثة طاغية حافزة مستلهمة بين ثلاثية العشق: الحب, الزمن, الدائرة, حيث تستقر في ذاته الحركة في الشعر واللون والأوراق والدائرة والمثلث.

وثقافته الشعرية وتوغله في عالم الفنون البصرية والآداب أضافت إليه قوة وطاقة غير محدودتين في عالم الألوان المائية خصوصًا أنه من الفنانين الذين لا ترتبط تجربتهم بالقوانين والدراسات الأكاديمية، التي غالبًا ما تقف عائقًا وأحمالًا زائدة على أكتاف المبدعين.

الشهاوي يرى أن الذين يؤمنون أن زمن المعجزات قد ولى مخطئين وحمقى، لأنه لا يمر عليه نهار دون أن يكتشف معجزة في جزيرة معشوقته، حتى أنه ظن أن هناك دينًا جديدًا على الأرض.أما الشيء الوحيد الذي يحزنه إن مات، ونتمنى له طول العمر ومزيدًا من الإبداع والتألق، أنه لن يستطيع أن يغني شِعره لمعشوقته مرة ثانية.

ومن ديوانه ” سماء باسمي ” نقرأ هذا النص الذي سماه هَكَذَا قَبْرِي:

” أُحِبُّ أَنْ أُدْفَنَ وَحْدِي

لاَ قَبْلِي وَلاَ بَعْدِي أَحَدْ

أَنْ أُلَفَّ في كِتَّانٍ

كَعَارِفٍ مِصْرِيٍّ قَدِيم

وَأَنْ يُوَاجِهَ وَجْهِي السَّمَاء

أَنْ أَحْمِلَ عُطورِيَ

وَفُرْشَاةَ أَسْنَانِي مَعِي

وَالقَصَائِدَ التِي لَمْ أُتِمّْهَا

وَالكُتُبَ التِي لَمْ أَقْرَأْهَا

كَيْلاَ أَخْرُجَ عَارِيًا فِي المَدِينَة

***

أَنْ أُمَدَّ بِالأَوْرَاقِ وَالأَقْلاَم

كَيْلاَ يَخْنُقَ القَبْرُ أَحْلاَمِي

أَنْ تُطِلَّ شَجَرَتَا تُوتٍ عَلَى اسْمِي

وَأَنْ أَخْتَارَ مِنْ كِتَابِ اللهِ

سُورَةَ “اقْرَأْ”

“وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ”

لِتَكُونَا شَاهِدًا

وَأَنْ يُكْتَبَ اسْمِي بِخَطٍّ فَارِسِيٍّ

مَشْكُولاً كَمَا يُحِبُّ اللهُ مُلاَقَاةَ

شَاعِرٍ مِثْلِي

***

وَلَيْسَ مَا يَمْنَعُ

مِنَ الفَوَاكِهِ والنِّسَاء

لأِنَّ الجَنَّةَ يُمْكِنُ أَلاَّ تَكُونَ

تَحْتَ قَدَمَيَّ “.

مقالات من نفس القسم