سمير عبد العزيز
ظل الذكرى
نَهَضَتْ مُبَكِّرًا فِي اَلصَّبَاحِ كَعَادَتِهَا.. بَعْدُ أَنْ فَرَغَتْ مِنْ نَفْضِ اَلْغُبَارِ اَلَّذِي اِسْتَقَرَّ عَلَى اَلنَّوَافِذِ وَالْأَثَاثِ مَدَّتْ يَدُهَا نَاحِيَةِ عُلْبَةِ اَلدَّوَاءِ اَلْمَوْضُوعَةِ عَلَى سَطْحِ اَلشِّيفُونِيرَة.. أَسْتَقِرُّ قُرْصُ مِنْهَا فِي رَاحَةِ يَدِهَا.. تَنَاوَلَتْهُ ثُمَّ فَتَحَتْ دُرْجًا مِنْ إِدْرَاجِ اَلْخِزَانَةِ وَأَخْرَجَتْ أَلْبُومًا لِلصُّوَرِ.. جَلَسَتْ عَلَى اَلْأَرِيكَةِ، تَأَمَّلَتْهُ لِبُرْهَةٍ ثُمَّ فَتَحَتْهُ وَرَاحَتْ تَقَلُّبَ صَفَحَاتِهِ وَتَغُوصُ فِي ذِكْرَيَاتِهِ وَتَتَلَاحَقُ أَنْفَاسَهَا فِي اِضْطِرَابٍ وَشَجَنٍ رَأَتْ صُورَةً لِابْنِهَا اَلْأَكْبَرِ اَلْمُهَاجِرْ إِلَى إِحْدَى اَلْبُلْدَانِ اَلْأُورُوبِّيَّةِ مُنْذُ مَايَزِيدْ عَلَى عَقْدَيْنِ وَلَمْ تَرَهُ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَصُورَةٌ لَأَبَّنْتَهَا اَلْمُقِيمَةُ مَعَ زَوْجِهَا فِي إِحْدَى دُوَلِ اَلْخَلِيجِ وَتَزَاوُرهَا كُلَّ عَامٍ.. رَأَتْ صُورَةً تَجْمَعُهَا هِيَ وَزَمِيلَاتُهَا أَيَّام كُنَّ يَدْرُسْنَ بِالْجَامِعَةِ. تَوَقَّفَتْ عِنْدَ صُورَةٍ تَجْمَعُهَا مَعَ زَوْجِهَا اَلرَّاحِلِ.. أَدَامَتْ اَلنَّظَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ تَنَهَّدَتْ تَنْهِيدَةً عَمِيقَةً وَمَضَتْ تَقَلُّب بِأَصَابِعِهَا صَفَحَاتُ اَلْأَلْبُومِ.. اِغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهَا بِالدُّمُوعِ وَهِيَ تَمُرُّ بِيَدِهَا عَلَى صُورَةِ أَبِيهَا وَأُمُّهَا وَشَقِيقَتُهَا اَلصُّغْرَى اَلَّتِي رَحَّلَتْ فِي حَادِثِ سَيْرٍ دُونَ أَنْ تُكْمِلَ عَامَهَا اَلْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وَمَاتَتْ أُمُّهَا كَمَدًا وَحُزْنًا عَلَيْهَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ شُهُورِ عِنْدَمَا اِنْتَصَفَ اَلنَّهَارُ أَوْ كَادَ دَقُّ جَرَسِ بَابِ اَلشَّقَّةِ اَلْخَارِجِيِّ نَهَضَتْ بِتَثَاقُلِ عَنْ اَلْأَرِيكَةِ وَهِيَ تَتَأَوَّهُ مِنْ أَلَمِ اَلرُّكْبَتَيْنِ.. فَتَحَتْ اَلْبَابَ.. يُطَالِعُهَا وَجْهُ اِبْنَةِ جَارَتِهَا بِثَغْرٍ مُبْتَسِمٍ أَظْهَرَ غَمَازْتِيهَا تَسْأَلُهَا عَمٌّ إِذَا كَانَتْ تُرِيدُ شَيْئًا تَجْلِبُهُ لَهَا.. شَكَرَتْهَا وَطَلَبَتْ مِنْهَا أَنْ تَبْلُغَ سَلَامَهَا إِلَى أُمِّهَا. عَادَتْ إِلَى اَلْأَرْيَكِيَّة وَالَى اَلْأَلْبُومِ تَقَلُّبَ صَفَحَاتِهِ لِتَجْلِبَ لَهَا كُلِّ صُورَةِ ذِكْرَى قَدِيمَةٍ وَحَنِينٍ إِلَى اَلْمَاضِي
***********
رماد
تتقلب في فراشها كالمحمومة في محاولة للنوم. عبثا تحاول فرأسها يكاد ينفجر من كثرة التساؤلات والحيرة وعلامات الاستفهام التي راحت تحاصرها بغير رحمة تضئ الأباجورة الموضوعة على سطح الكوميدينو.. تزفر بضيق ممزوج بقلة الحيلة. تبكي ودموعها تهطل على خديها كالمطر.. تحدث نفسها وهى تخبط بيدها على الفراش: ما الذنب الذى اقترفته لكى تجرحني وتتزوج بأخرى؟ اليوم حلا بعينك غيري بعدما قضمت شبابي وعمري أيها الخائن.
تغادر الفراش وهى ترتجف وتبكى.. تضيء الغرفة…تفتح خزانة الملابس وتفرغها أرضا. تبعثر محتوياتها.. تزفر غاضبة وتجثو على ركبيتها.. تصطدم يدها بألبوم صورها..تفتحه..تمر بيدها على صورتها وهى بفستان الزفاف.. تشعر بالأختناق يمتلكها.. يزداد بكاؤها وشهيقها وهى تنظر لصورها معه.. تمزقها وهى تصرخ بهستيريا =: خائن..خائن.. تحضر مقصا تمزق ملابسه بقسوة وهى تتخيله بداخلها.