“غزوة النحل” في “دقن الباشا”

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

«شجرة اللبخ» (دقن الباشا) الرواية الجديدة للطبيبة الكاتبة عزة رشاد إضافة لأنواع الروايات المصرية الحديثة الباحثة عن شكل فنى حى يعبر عن حالة القلق والتغير الذى يمر بها المجتمع.

استطاعت الروائية (هى كاتبة قصة قصيرة أيضا) أن تقدم لوحة نابضة بالحياة تتحدث عن الماضى والحاضر، عن الريف والمدينة، من خلال 14 فصلا فى رواية قصيرة مزدوجة محتشدة بالشخصيات والأحداث كأنها قلب قلق لايكف عن الخفقان المتسارع.

شجرة ذقن الباشا شجرة باذخة رائعة الجمال مهددة بالانقراض بعد أن كانت تملأ الريف وتنقل الظلال للمدن، أوراقها لها استعمالات طبية، أما زهرها فهو أصفر جميل كشعر صبية شقراء مثيرة الرائحة والجمال.

اختفت الشجرة خلف غابات المبانى والأسمنت!

تعيدها حية عزة رشاد بكل ما تحمل من جمال وأساطير وأسرار.

تبعث مع الشجرة عالم نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، الأيام التى تشكلت فيها مصر الحديثة، فى صراعها ضد الانجليز وضد الخرافة والجهل، وقهر النساء. عزة رشاد ترى داخل القرية المصرية من منظور جديد: أنها تحكى من داخل البيت الفنى والنقير، تتحدث عما يحدث داخل غرف الفلاحين والأعيان. «رضوان بيه البلبيسي» شخصية الرواية المحورية، عين أعيان «درب السوالمة» شجرة باذخة هو الأخر: طيب، شرير، أب، وزوج رقيق، إنتهازي، متلاف يموت فى احضان عاهرة، ونعشه يطير كالأولياء، يدفن تحت شجرة دقن الباشا، تتصارع رائحة الشجرة الطيبة مع العفن، ويستعط النحل الساكن فى الشجرة، فى غزوة النحل لكى يهاجم العامل الذى يبنى الضريح. كذلك يخرج الثعبان الساكن فى الشجرة السحرية لكى يكمل صورة الواقع الذى يمور بالرغبة فى التغيير،

ينتقل العمل الروائى بين درب السوالمة وشارع محمد على فى القاهرة فى ايقاع سريع يضمن وحدة العقل الروائي، ويبقى القاريء متابعا لمصائر الشخصيات، التى تزداد مع تقدم الرواية حيوية وأثارة للقلق.

«امنحنى القوة كى أغير ما ينبغى تغييره، والصفاء كى أتقبل مالا يمكن تغييره، والحكمة كى أفرق بينهما»

لا أريد أن أقترب عقدة الرواية أو أحداثها المرسومة فى دقة وأتقان.

لكى أدعو القاريء إلى تناول الرواية الجديدة التى أجادت حرث الواقع القديم والجديد، وحاولت فى تواضع ودون إدعاء بذر أفكار جديدة:

فى المفتتح تقول عزة رشاد:

ظهيرة يوم حار تقذف شمس «بؤنه» اشعتها الملتهبة عموديا فينشق سطح الأرض وينحنى ظهر النهر الذى أوشك على الجفاف وتتدلى أغصان الأشجار نحو الأرض مستسلمة لمصيرها.

طار نعش رضوان بيه. ودفن تحت الشجرة، وتحولت القرية إلى كائن حى نسترجع تاريخه ونعيش حاضره خلال ـ 350 صفحة ـ من السرد، يستعمل الحوار العامى والأغانى التراثية والشهور القبطية فى تناول حر تحتفظ بعاطفة الكاتب وتدغته، حيث استطاع الراوى أن يكون دون افتعال بطلا من ابطال الرواية.

القرية هى البطل رغم أهمية كل الشخصيات، ومرور الزمن، والتغيير هو الدم الذى يجرى فى الأحداث رابطا القديم بالجديد.

لم يكن رضوان بيه وليا، ولم يكن حتى صالحا أو متدينا، ولكن الرواية التى كتبتها الطبيبة ساكنة الزقازيق، التى تعرف وتعايش الفلاح فى يسره وعسره تختم روايتها الجميلة الصادرة عن دار كتب خان 2014

(الشيء الوحيد المؤكد الذى رأيته بعيني، هو رواد المقام الذين مازالوا يتمسحون فى الضريح مرددين شى الله ياسيدي،، ياولى الله. قد يكون درب السوالمة مسرحا لصراع دار بين الحب والتسامح والجشع والأنانية، والولع بالسلطة «جنة» على مكان تقدم بعد عشر دقائق من وصولك إليه، لكونك لم تحضر معك كمامة طبية..)

شجرة اللبخ رواية تقدم صورة حديدة للريف المصري.

…………….

نقلاً عن الأهرام ـ 5 أغسطس 2014

 

 

مقالات من نفس القسم