هل كل الأحلام قابلة للتحقيق؟. نعم.
بشرط أن نستيقظ مبكرا كي ننفذها..وألا يشغلنا أو يلهينا أي شيء عن هدفنا حتى يتحقق. الأحلام عطايا، منح ، قبس من نور الوهاب، تستحق أن نعتني بها، أن نصونها، أن ننميها، أن نفسرها. فإذا وجدت حلمك فاقبض عليه، واعمل واجتهد، انفخ فيه من روحك، يتحول الطين إلى كائن حي، وتتحول لخالق بإذن الرب.
يحكون في بلاد الأحلام، عن ولد يتيم رحل والده وهو في الثالثة وتركه بلا موارد مع ثلاثة أشقاء وشقيقتين. أكبرهم لم يتجاوز الثانية عشرة، حاول القوم إقناع والدته بالزواج لكنها كانت نموذجا وقدوة ولم ترض أن تسعد نفسها بينما يشقى أولادها بزوج أم .
نشأ الفتى في الإسماعلية، في منزل مبني من الدبش والطين وسقفه “تعريشة” من الخشب وجريد النخيل. ليس فيه دولاب أو سرير.. كان أفراد الأسرة يفترشون الأرض عندما يأكلون وعندما ينامون، وكانت الوالدة تقوم بتربية الطيور وبيعها لتغطي التزاماتهم، ورغم أنها لا تقرأ ولا تكتب لكنه تعلم منها الكثير.
لم يكن يميز الفتى عن أقرانه إلا أنه يملك حلما خبأه في صدره ليلا وكان يعمل له نهارا فيجد ويجتهد في دراسته ويحاول أن يستفيد من كل ما حوله كي يوفر لوالدته قروشا قليلة أو على الأقل يستغني عن أن يسألها مصروفا يرهق به الموارد القليلة للعائلة حتى اشتهر بأن “كفه أخضر” كما كانت تردد الوالدة.
حصل الفتى على شهادة البكالوريا عام 1935، وأدرك أن كلية الهندسة هي طريقه لتحقيق حلمه ولكن ضيق ذات اليد كان له بالمرصاد، وخاصة وأن مجانية التعليم كانت هي الأخرى حلم والمصاريف الدراسية تقدر بأربعين جنيه، فلم يخجل أن يتقدم بشهادة فقر لإعفائه من الرسوم الدراسية. وستكون شهادة الفقر تلك مصدر فخر له عندما يتجسد حلمه وينتشر نوره في العالم.
تحتاج الأحلام كما الرسالات السماوية لأنبياء ورسل يؤمنون بما يوحى لهم وينشرون دعوتهم بالجد والاجتهاد . تحتاج الأحلام لأقوام لا يلتفتون عن هدفهم ولا تغريهم الكروم الصغيرة بالركون عن جنتهم ، إنهم كسيزيف يحملون صخرتهم على أكتافهم ويصعدون الجبل ومهما انحدرت الصخرة لا ييأسون ، لذا هم يفوقون سيزيف قدرة وتحمل ويجبرون صخرتهم على البقاء حيث يريدون فوق قمة الجبل.
نذر الفتى نفسه لحلمه أن يكون مقاولا كبيرا، وبدأ حياته العملية مهندسا مع خاله، وبعد أن اكتسب الخبرة، دفعه حلمه ليغامر ويستقل عن تبعية يفضلها كثيرون. وخط سطره الأول في مجال المقاولات ببناء جراج لطبيب يوناني مستعيراً أدوات البناء التي لا تخرج عن ستة عروق خشب ولوح وسقالة وكان مكسبه منها ستة جنيهات، ومنها بدأت العجلة في الدوران. تولى عملية إنشاء مدرسة البنات الابتدائية بالإسماعيلية. وامتد العمل خارج الإسماعيلية لبناء سور مصنع السماد بالسويس. وتوالت العمليات الإنشائية وتوسع الحلم وفرد جناحيه خارج الحدود الجغرافية التي يعرفها ليرسو عليه عطاء تنفيذ الكلية الحربية بالرياض . في السعودية، وتبدأ أذن المهندس الشاب الذي اشتهر بلقب “المعلم” في التعود على سماع أرقام الملايين.
وكلما خطا “المهندس” خطوة كلما زاد حلمه اتساعا، حتى أسس جوهرة تاجه، الشركة التي كانت ومازالت تحمل اسمه “المقاولون العرب “عثمان أحمد عثمان وشركاه ، وتحول اسم عثمان إلى ماركة ، علامة للهمة و الجد ، وتحول من فتى الأحلام إلى رجل المقاولات والانشاءات ، وكان كل اختيار له في الحياة نابع من وعي وادراك بطبيعة حلمه وهادف إلى تأطيره وأسطرته .. فعندما أسس الشركة اختار اللون الأصفر ليكون اللون المميز لشعارها وسياراتها ومعداتها بسب الطبيعة الصحراوية لمحافظة الاسماعيلية، كما أن هذا اللون لم يكن منتشرا فأراد أن ينفرد به واختار تمثال أبا الهول ليكون في مقدمة شعار الشركة لأنه وجد في أي الهول رمزا لمصر كلها كما أنه يرمز في عالم الانشاءات إلى دقة التنفيذ وصلابة البناء وقوة العزيمة ، والقدرة الخارقة على الانجاز .
ومازالوا في بلاد الأحلام يرددون الكثير عن الفتي الذي صعد على جناح حلمه وأقام عرشه على السقالات. قد تتفق معه أو تختلف ، قد تؤمن به أو تنتقده .. لكن الأكيد أنك لن تستطيع أن تنكر أنه صنع ما لا يستطيع الموت أن يقهره .. ومن لا يتمنى أن تكون ابنته أو يكون ابنه “عثمان أحمد عثمان “.