رسالة مارتن سكورسيزي لابنته فرانشيسكا عن مستقبل السينما

رسالة مارتن سكورسيزي لابنته فرانشيسكا عن مستقبل السينما
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عزيزتي فرانشيسكا

أنا أكتب لكِ هذا الخطاب عن المستقبل، الذي أنظر إليه عبر عدسات عالمي .

عبر عدسات السينما، التي كانت مركزاً لهذا العالم..

في السنوات القليلة الماضية، أدركت مفهوم السينما التي تربيت عليها، والتي كانت حاضرة في الأفلام التي جعلتكِ تشاهدينها منذ أن كنتِ طفلة صغيرة، والتي كانت مزدهرة حين بدأتُ في صناعة الأفلام، لكنها هاهي قد وصلت إلى نهايتها ..

ولكني هنا لا لأتحدث عن الأفلام التي صنعت بالفعل، ولكن عن تلك التي ستصنع ..

أنا لا أقصد أن أكون يائساً، ولا أكتب هذه الكلمات محملاً بروح الإحباط والهزيمة، فعلى العكس تماماً، فأنا أعتقد أن المستقبل سيكون لامعاَ ..

جميعنا يعرف أن عالم الأفلام كان صناعة، وفن السينما التي صنعناها كان ممكناً لأنه كان متماشياً مع شروط هذه الصناعة .

فلا أحد منا نحن الذين بدأنا العمل في الستينات والسبعينات كان لديه أية تصورات خادعة على هذه الجبهة، فقد كنا نعرف جيداً أنه علينا أن نعمل بجد لنحمي شغفنا الذي نحبه.

أيضاً كنا نعرف أنه في بعض الأحيان ستمر علينا فترات صعبة، وأعتقد أننا أدركنا، على مستوى ما، أننا ربما سنصل إلى وقت حيث كل عنصر في عملية صناعة الأفلام غير ملائم أو لا يمكن التنبؤ به سيصل لحده الأدني، ربما حتى سيصبح منبوذاً ومتجاهلاً.  وأكثر تلك العناصر المتقلبة؟ السينما، والقائمين على صناعتها .

أنا لا أريد أن أكرر حديثاً قيل من قبل وكُتب بواسطة العديدين من قبلي، عن التغيرات التي تحدث في عالم صناعة السينما، فقد أسعدني وشد من أزري هؤلاء الذين يصنعون استثناءات مغردة خارج السرب للاتجاه العام لصناعة الأفلام، من أمثال: ويس أندرسون، ريتشارد لينكلاتر، دايفيد فينشر، ألكسندر باين، والأخوين كوين، جايمس جراي ، وبول توماس أندرسون، جميعهم تنازعوا ليتمكنوا من صناعة أفلامهم الخاصة، خاصة بول الذي لم يكفيه أن يصنع فيلمه ” The master ” بعدسة 70 مم ، لكنه أيضاً تمكن من عرضه بهذه الطريقة في بعض المدن، ولذلك فكل محب للسينما يجب أن يكون ممتن.

وقد أثر بي أيضاً هؤلاء الفنانين حول العالم ، الذين استمروا رغم الصراع وتمكنوا من صناعة أفلامهم، سواء في فرنسا ، جنوب كوريا ، إنجلترا، أو في اليابان ، وأفريقيا، فعلى الرغم من أن ظروف الصناعة تصبح أصعب فأصعب طوال الوقت، إلا إنهم صامدون، يعرفون كيف يصنعون أفلامهم الخاصة!

ولا أعتقد أنني سأكون متشائماً إذا قلت ، أن فن السينما، وعالم صناعة الأفلام يقفون الآن عند مفترق طرق. فالمتعة السمعية والبصرية التي نعرفها بإسم السينما – صوراً متحركة تصنع بواسطة أفراد- يبدو أنها تسير في إتجاهات مختلفة.

ففي المستقبل، ربما سترين أن السينما التي كنا نعرفها تلك التي تعرض على شاشات متعددة كبيرة ستختفي تدريجياً ، في الوقت الذي سيزداد فيه عرض المنتج السينيمائي في مسارح صغيرة  ، أو على الفضاء الإلكتروني، أو في أماكن وظروف لا أستطيع التنبؤ بها في الوقت الحالي ، على ما أعتقد.

فلماذا هو مستقبل مشرق إذاً؟ لأنه وللمرة الأولى في تاريخ صناعة السينما، أصبح من الممكن صناعة أفلام بتكلفة زهيدة، تلك أشياء لم تكن لتصدق عندما كنت شاباً أبتدئ طريقي في صناعة السينما، فكانت الأفلام ذات الميزانية المنخفضة دائماً إستثناءات ولكنها ليست القاعدة . أما الآن فعلى العكس تماماً. فيمكنك الحصول على صورة جميلة من خلال كاميرات محدودة السعر، تستطيعي تسجيل الصوت. ويمكنكِ أيضاً عمل المونتاج وتصحيح الألوان في المنزل. كل هذا سيحدث.

ولكن مع كل الإحترام لآلية صناعة الأفلام، وللتقدم التكنولوجي الذي قاد لهذه الثورة في الصناعة، هناك شيئاً واحداً فقط يجب أن تتذكريه : ليست الأدوات هي التي تصنع فيلماً،  أنتِ التي تصنعينه.

فأي شخص يمكنه إلتقاط الكاميرا التي يريد، يقوم بالتصوير، ثم يضع كل ما صوره على البرنامج الخاص بالمونتاج، فأصبح لديه فيلماً- لكن الفيلم الذي تحتاجين لصناعته- شيئاً آخر ، فلا توجد طرق مختصرة!

فإذا كان صديقي المعلم جون كاسافيتس على قيد الحياة الآن، فإنه من المؤكد كان سيقوم بإستخدام كل المعدات المتاحة، لكنه كان سيقول نفس الذي قاله دائماً- يجب أن تكون متفانياً تماماً في العمل، يجب أن تعطيه من روحك كل شئ، وأن تحافظ على تلك الشرارة الممتلئة بالشغف التي جعلتك ترغب في صناعة الصورة في المقام الأول. يجب أن تحافظ عليها بحياتك.

ففي الماضي، لأن صناعة الأفلام كانت مكلفة، كان علينا ان نتسلح لحماية أنفسنا ضد الإستنزاف والحلول الوسطى. وفي المستقبل، ستضطرين لتسليح نفسك ضد شيئاً آخر ، ألا وهو : إغراء مواكبة الموجة ، و السماح للفيلم بالخروج عن مساره ليطفو بعيداً!

تلك ليست فقط مسألة سينيمائية. فليس هناك من طرقٍ مختصرة لأي شئ.

وأنا لا أقول أن كل شئ عليه أن يكون حاداً وصعباً، بل أقول أن الصوت الذي يحرضك من الداخل- هو صوتكِ، ضوئكِ الداخلي، كما وضعه الرب هناك!

إنها أنتِ، إنها الحقيقة

كل حبي،

والدك

 

مقالات من نفس القسم