جمـــــوح

علاف مونولوج صفاء الليثي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

صفاء الليثي

 أريد أوراقاً أكثر لأكتب هذه الانطباعات السخيفة، من سيدة سخيفة لا تحترم نفسها، ولا تكتفي بأقدارها، عندك الكثير مما تتمناه الكثيرات، بيت وأولاد وعمل ناجح، ماذا تريدين؟.

“أنا لا أعرف سوى أن الله قد خلقني من دمٍ دافيء وأعصاب، وأنني أستجيب، أرد على الألم  بالصراخ والدموع، وعلى الخسة بالسُخط، وعلى الدناءة بالتقزز، وأعتقد أن ذلك ما يسمى بالحياة.” *

ويوم عاتبت نفسي لأن قلبي خالٍ منذ مدة طويلة ولا ينبض بالحب، قررت أن أفك سجن نفسي وأتركها على سجيتها، فشعرت  بالحب، كشعاعٍ تجمع، وسقط على ذاك الصاعد من المحطة الأخيرة مختفياً وراء نظارته.

اعترفت. وبعد الاعتراف، تبرد نار الحب، ويصبح الأمر روتينياً عادياً، أو ذكرى، قد تكون مؤلمة أو جميلة، مثيرة للحزن أو الشجن، المهم أني أبرد ناراً.

*   *   *

– ” يخيل إلي، لو أني استطعت أن أ تعلق بشيء ما تعلقاً شديداً… “

– ” بودك أن تحبي ولكنك لاتجدين إلى ذلك سبيلاً، وهذا هو مبعث تعاستك “.***

  كان هذا بالأمس، أما اليوم فأنا اشعر بجمالي وبالرضا، الحب يملؤني ويلهيني عمن حولي، يارب ضع غشاوة على قلوبهم، واستر علي. أريد أن أستمر أحب دون أن يشعر بي أحد.

زميلات العمل الفتيات المسكينات المحجبات غير المرتبطات، أصبحن مغتاظات جداً من الحيوية وحب الحياة، تتساءل إحداهن : ” مين إللي جاب الورد ده، هه مين؟.

ولا تصدقن أنني أشتريه بنفسي ولنفسي، ولم لا؟ [ يعني أعمل لكم إيه عشان تتبسطوا، مانا لو قلت لكم شيلوا الطرح دي حتاكلوني، خليكوا براحتكم، صبراً آل ياسر إن موعدكم الجنة، واتركوني أنا لجهنهم وبئس المصير ]

” والله نفسي تحبوا كلكم وتتجوزوا كمان، وكل واحدة حأبعت لها ورد وأفرح لها من قلبي، ربنــا يوفقنــا جميعــاً ستات وحيدات وبنات – مالناش دعوة بالرجالة دول مش محتاجين دُعا – “.

*  *  *

حقيبتي الكبيرة المليئة بالكتب وأشياء أخرى وأحملها معي دائماً، حقيبتي ثقيلة، فلا أضعها إلا على الكرسي المجاور، وأظل هكذا طوال الطريق إذا لم يحتاج أحد للجلوس، ذات مرة كان الباص – الذي يخص الهيئة التي أعمل بها – مزدحماً، رفعت حقيبتي بسرعة ليجلس عليها شاب، لم يكن أي شاب، كان هذا الرجل بالنظارة، أصبحت منتشية، أغمضت عيني وفكرت فيه وهو بجواري دون أن نتلامس.

*  *  *

بعد عودتي وجدتني أردد أبياتاً  لإمريء القيس غالباً بصوتٍ عالٍ وأنا أغسل الأطباق :

“أغرك مني أن حبك قاتلي  ***   وأنك مهما تأمري القلب يفعل”.

كنت أؤديها بطريقة الموال الشامي أو العراقي لا أعرف تماماً.

جاء الأولاد على صوتي العالي، وهم يتساءلون.

_ بتقولي إيه يا ماما.

_ بس اسكتوا، مالكوش دعوة.

اتصلت أختي الحبيبة فأخبرتها بأني ألحن أبيات أُمريء القيس، أخبرتها وأنا أضحك بشدة من جنوني، ولكنها رددت معي الأبيات :

” مكــر مفــر مقــبل مدبـر معـاً *** كجلمود صخرٍ حطه السيل من علٍ “

جمحت الفرس ولا أمل في عودتها للحظيرة أبداً

………………………….

* ايفان ديميترتش بطل “عنبر رقم 6” قصة الكاتب الروسي أنطون تشيكوف.

*** حوار بين بطلة وبطل قصة طويلة للكاتب الروسي “أيتماتوف “.

* من المجموعة القصصية “مونولوج” الصادرة عن دار روافد بالقاهرة

مقالات من نفس القسم