د. نعيمة عبد الجواد
تناثرَ الثَّرى من وقعِ خطى متهاديةً
يعنو لها عَنان السماءِ إجلالًا
أشاحتْ الشمسُ بناظرِها متلافيةً
نفاذِ لمحِ نمرِ تنحنى لبأسِه قممُ الجبالِ
غَوَى ترفُّقَ عضلات جسدِه المنسابةَ
خماصُ الطيورِ الهائمةً في تبخترِه المُختالِ
تحيطُه غزلانَ البريةِ راقصةً
تتملكها رغبةَ معانقة ناظرِها لثغرِه المهتاجِ
الكاشف عن كمالِ براثنِ نابٍ فريدِ
وهجُ لمعِه يزاولُ الشمسُ الساطعةُ
فترتضي بمرآهِ منزلةَ الطريدِ.
نمرٌ … يماري ملكَ الغابةِ في سطوتِهِ
ويقتسمُ معهُ سلطانَ البريةِ الرحيبِ.
كلٌ يرضى بحكمتِه عن طيبِ خاطرٍ
والجوارحُ تتخذُ منهُ نعمَ الرفيق.
لكن، لظى الغدرُ ألهبَ خاصرتَهُ
وصرعَ خيلاءُه في جوفِ ليلِ أدعجٍ بهيمِ
فتجَدَّعَ تيهُهُ المحببُ ونهبتُهُ
آثامَ نفوسٍ ضاريةِ الشهواتِ كالجحيمِ
شيَّعَ رحيلُه رفقاءَ دربِهِ
وآزرتُه ذرى الجبالِ فأيقظت
لظى حممَها تنهبُ الدروبَ خلفه
والأرضُ تصرخُ لتوقظه من نومِه
هيهات… وقع النمرُ أسيرًا
وبات جسدُه المفتولُ كَلِيمًا
حبيسَ جدرانٍ راحلةٍ لطريقِ بعيد.
عيناه أزاحت أستارَها فرأت هاويةُ
جدرانِها قضبانًا ترقدُ الحريةُ خلفَها
تعده بالعودةِ يومًا لنعمةِ سكونِ السَّكنِ
آلامُ جرحِ سعادتِه الغائرِ خالفتها
وأنبأتُه بمصيرٍ من صروفِ البلايا والمحنِ
عيناهُ القريرتان هويتا في نفسِهِ
باحثتين عن مخرجِ، تشكوان بحرقةٍ
لنسيمِ الصباحِ هوانُ ضعفِ الظنِ
وفتورُ العزيمةِ وتلاشي الهممِ.
قد أضحى السباتُ مغنمًا
يجتمعُ فيه مع أحبابِه ذوي الشأنِ
ويفلتُ بفضلِه من مصيرِ غنمٍ
تثغو بجذلٍ لفتاتِ الراحةِ والدلالِ
متغافلًا عن توالي سبابِ الإذلالِ
بادعاء التجاهلِ والصممِ
وكأن سكونُ الرضوخَ حلَّ مغنمًا
لأسرى الخنوعِ متجاهلي الشممِ
مصيرٌ لا يقبلُه الأبي لخصمِهِ
فأنى له أن يرتضيهُ لنفسِهِ!
لن يرتجي المغبونُ بضعفِ قاهرهِ
ولن يشهدُ أبدًا الخزْي ذلَّ مخدعِهِ