هذه هي الرسائل المتبادلة بين بابلو نيرودا وسلفادور الليندي

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
يمكن اعتبارهما أهم شخصيتين تشيليتيين في القرن العشرين: الرئيس الاشتراكي السابق سلفادور الليندي والشاعر الفائز بنوبل بابلو نيرودا، عضو الحزب الشيوعي. الأول ولد عام 1908، والثاني عام 1904، وكلاهما ينتمي لليسار التشيلي، وربطت بينهما علاقة صداقة  لعدة عقود دون أن يكتشف أحد تفاصيلها، انتهت فقط بموت كل منهما بطريقة مثيرة للجدل: الليندي مات(قُتل) في نفس يوم الانقلاب العسكري عليه عام 1973، وبعده بـ 12 يوم مات (قُتل) نيرودا في مستشفى سانتياجو.

ولكشف هذه العلاقة، سيصدر الأسبوع المقبل في سانتياجو دي تشيلي كتاب بعنوان “بابلو نيرودا وسلفادور الليندي: صداقة وتاريخ”، الذي يعتبر أول عمل بحثي منذ وفاة الشخصيتين البارزتين منذ 41 عامًا، يسلط الضوء على العلاقة التي بدأت بينهما منذ 1939، بحسب “الباييس” الإسبانية.

     السؤال الأساسي الذي يطرحه المؤرخ التشيلي ابراهام كيايدا في كتابه هو: هل دافع كل منهما بنفس القوة عن نفس الأيديولوجيا السياسية في السبعينيات رغم اختلاف طبقتهما الاجتماعية؟ حيث ينتمي الليندي إلى البرجوازية الصغيرة ونيرودا إلى الطبقة المتوسطة الدنيا، وحول هذا السؤال يحاول المؤلف تقديم جواب مستندًا على الوثائق.

15 رسائل ووثائق أخرى

    الكتاب يضم تفاصيل شيقة، ويقدم في أحد الفصول 15 رسالة متبادلة بين الليندي ونيرودا بين عامي 1969 و1973، أغلبها لم ينشر من قبل، مثل تلك التي كتبها نيرودا في سبتمبر عام 70 عندما فاز الليندي بالانتخابات الرئاسية في محاولته الرابعة، والتي تعبر عن علاقة قرب وطيدة بينهما: “عزيزي سلفادور: لم أذهب لتهنئتك لأنني هنأت نفسي. أظن أن المؤامرة تحبطنا، وهذا يبرهن أن علينا أن نضرب بقوة، وقد حانت اللحظة”، وهي الرسالة التي كتبها الشاعر من بيته بـ إيسلا نيجرا، على بعد مئة كيلومتر من سانتياجو، بقلمه ذي الحبر الأخضر المعتاد.

     نيرودا وصّى كذلك الرئيس المنتخب ببعض الطقوس المصاحبة لاستلام السلطة:”سيكون علينا دعوة بعض المثقفين الأجانب عند تسلم السلطة، من أجل ذلك يسرني أن أتحدث معك، وأن أقدم لك قائمة بالأسماء المقترحة. لكن يجب أن يحدث ذلك الآن بإرسال دعوات أو ممثلين عنك. من جانبي، يمكنني أن أرسل تلغرافات“.

    الشاعر الشهير استغل أيضًا المناسبة لدعوة الليندي للاحتفال بالأعياد التشيلية الوطنية معًا:” يوم 18 سنأكل غزالًا ستجهزه ماتيلدي. لو أمكن وجئت بصحبة تينتشا سيكون رائعًا أن نحتفل بالنصر بأكل غزال كامل. أعانقك بشدة. بابلو“.

     مؤلف الكتاب تخصص في دراسة بابلو نيرودا منذ عقود مضت، خاصًة في بعده الرسائلي، يقول:”إنها أنقى صورة لمعرفة سيرته الذاتية”. ورغم أنه دكتور في العلاقات الدولية ودبلوماسي الدراسة، إلا أنه كتب 8 كتب عن الشاعر التشيلي. يحكى المؤلف أن علاقة نيرودا بالليندي كانت علاقة صداقة حقيقية وإتفاق في وجهة النظر السياسية: “”تبرهن الخطابات على القرب بينهما، فلا تكشف فقط عن التقدير المتبادل والتحيات والزيارات، بل أيضًا عن خصوصيات كل منهما مثل أعياد الميلاد وما يخص علاقة كل منهما الزوجية. في هذه الخطابات، سألا عن الصحة، تبادلا الآراء السياسية، وأسدى كل منهما النصح للآخر”. بالإضافة، كانت بينهما مشتركات كثيرة، مثل الاهتمام بالمجتمع، حب الأكل وجمع المقتنيات، نيرودا كان يحب جمع السوفينير، والليندي جمع الملابس، كذلك نوم القيلولة. ورغم أن كلا منهما لم يكن يتمتع بجسد جذاب، إلا أنهما كانا جذابين بعلاقات نسائية كثيرة.

صداقة وخلافات

    علاقة الصداقة بينهما تعرضت أيضًا لتعكيرات هامة، أبرزها عندما كان نيرودا سفيرًا لحكومة الاتحاد الشعبي في فرنسا وطلب نقل صديقه خورخي إدواردس إلى باريس ليتعاون معه. حينها كان إدواردس مطرودًا من كوبا، حيث كان يقوم بمهام دبلوماسية، وطلب فيدل كاسترو من الليندي بطرده من جهاز الخارجية. يحكي كيثادا أن نيرودا هدد صديقه بتقديم استقالته إن رفض الرئيس نقله. في النهاية، تنازل الليندي، وكانت “المرة الوحيدة التي لوى فيها الشاعر ذراع الرئيس“.

     على أي حال، الخلافات بينهما لم تضر صداقتهما كثيرًا، إذ كانت العلاقة بين الزوجتين شديدة القوة، يقول المؤلف:”لم يكن سهلًا الدخول إلى الحيز الحميمي لنيرودا في تلك اللحظة، ما لم تكن مدعومًا بموافقة زوجته ماتيلدي“.

     لإنجاز هذا الكتاب، بحث كيثادا عن الوثائق في أماكن مختلفة. ويشير المؤرخ إلى خطاب مؤرَخ في سبتمبر 1970 وجده بين  وثائق أخرى استطاعت إحدى بنات الرئيس، تاتي الليندي، إنقاذها بعد الانقلاب العسكري واحتفظت بها في منفاها بهافانا، قبل أن تنتحر في عام 77. الوثائق، ومن بينها الخطاب، احتفظت بها الحكومة الكوبية خلال عقود، وبين عام 2008 و2009 عادت إلى تشيلي، إلى مؤسسة الليندي. ويؤكد كيثادا أنه منذ ذلك الحين لم يصرح للعامة بمشاهدتها.

     نفس الصندوق الذي يجمع الخطابات الناجية يضم رسالة كتبها نيرودا كسفير لبلده في فرنسا، وهو المنصب الذي تولاه بداية من 1971، ويطلع فيه الرئيس على مكتب تجاري على صلة بالسلطات السابقة “الديمقراطية المسيحية”، قام، بحسب نيرودا، بإخفاء صندوق انتخابي، يقول الشاعر:”هذا مكتب غريب ويجب إعادة هيكلته”. الخطاب يكشف عن جانب غير معتاد: أن يراسل سفير رئيس الجمهورية مباشرة دون المرور بوزير الخارجية. لكن نيرودا كتب عليه:”هذا خطاب شخصي ويسلم مباشرة ليد صديقي الرئيس”.  ويكتب: “مرفق به مستندان هامان. حضن كبير لـ تينتشا ولك، مع أطيب أمنياتي. سنكون في أفضل حال. بابلو نيرودا“.

    ثمة خطاب آخر هام، بحسب المؤلف، كتبه نيرودا في 3 نوفمبر 72 يشير فيه إلى إجراءات حظر النحاس ودور العدالة الفرنسية، ويقدم للرئيس نصيحة سياسية صادقة، كتب نيرودا :”هدف هذا الخطاب أن أحذرك بطريقة ما من الخطورة التي تحيط بموقفك المتفائل أمام الصعوبات التي نراها وتزداد كل يوم“. 

    الكتاب الهام، الذي يكشف أيضًا عن جزء مرتبك في التاريخ التشيلي، يضم مراسلات رئيس الدولة إلى الشاعر، وبحسب كيثادا:”كتابة الليندي وأسلوبه الرسائلي تميز بشكل عام بعبارات موجزة لكنها مثيرة للعاطفة“.

    في يونيو 1972، على سبيل المثال، أرسل الليندي خطابًا يكشف عن قلق المحيط السياسي على صحة نيرودا المتدهورة في باريس، بعد أن أصبح يعاني من سرطان في البروستاتا. كتب الليندي:”أعتقد أنه سيكون من الأفضل لك أن تقيم في إيسلا نيجرا، حيث ستجد دفء الناس والحزب والأرض والأصدقاء القدامى“.

في النهاية، عاد نيرودا إلى تشيلي في نوفمبر 72، وكان آخر لقاء بينهما قبل الانقلاب العسكري في يونيو 73، في عيد ميلاد الشاعر الـ 69، عيد ميلاده الأخير. وفي هذه المناسبة، أهداه الرئيس صورة فوتوغرافية تجمعهما معًا وكتب عليها بقلم بحبر أخضر مثل الذي كان نيرودا يستخدمه :”إلى ماتيلدي وبابلو، بالحب والعرفان من صديقكما الرئيس”. وبعد شهرين من هذا التاريخ، ودع كل منهما الحياة منفردًا، دون أن يطلّع أي منهما على المصير الأسود الذي عانته تشيلي خلال 17 عامًا.

مقالات من نفس القسم