“عين القط” تكشف المستور

"عين القط" تكشف المستور
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد الحمامصى

على الرغم من كونها الرواية الأولى لمؤلفها الكاتب الشاب حسن عبدالموجود إلا أن رواية «عين القط» التى صدرت حديثاً عن دار ميريت بالقاهرة تشكل علامة هامة وفارقة فى رواية الأجيال الجديدة فى مصر بل أنها تشكل إضافة حقيقية فى مسيرة الرواية المصرية، وذلك لأنها تحمل خصوصية البناء المحكم فى الرؤية والطرح واللغة، وقد اعتمدت الرواية على خرافة شعبية من صعيد مصر ترى أن الطفل الصغير خاصة ذلك الذى يكون أحد توأمين حين ينام ليلاً تنطلق روحه وتتلبس إحدى القطط الهائمة فى شوارع البلدة أو القرية، وقد اشتغل الكاتب على هذه الخرافة ونسجها بخيوط محكمة مع الواقع المعاش داخل القرية، فالأحداث التى تقع ليلاً وتراها عين القط الذى تحل فيه روح الطفل من خيانة الزوجات وتدبير المؤامرات والدسائس وغير ذلك تكون بمثابة الضوء كاشفة ومعرية، ومن ثم فإننا نعيش فى رحاب هذه التيمة الخرافة أجواء تعرى الكثير من الأمراض التى تطبق على جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فى المجتمع، فالشخصيات التى تحكم بنية القرية لا تختلف كثيراً فى نهجها التآمرى والتخريبى والمتواطئ عن شخصيات نعرفها فى الكثير من المواقع داخل المجتمع، ويأتى على رأس هذه الشخصيات شخصية حناوى الخفير النظامى الممثل للسلطة الذى يطلق عليه كبار أهل القرية وأطفالها «النمام الخباص» فى إشارة إلى محاولاته التجسس على كل كبيرة وصغيرة فى القرية رجلاً كان أو امرأة، وهو بسلطتيه الظاهرة الخفية والمستترة يمتلك قدراً عالياً من التسلط يصل إلى حد القتل وحياكة المؤامرات والدسائس، وزرع الفتنة بين شطرى القرية وتدمير عقول شباب القرية بلفائف البانجو، والمتابع لتطورات هذه الشخصية سوف يكتشف أنها تشكل مؤثراً حيوياً فى حركة القرية وفكرها ورؤيتها، وإذا كان كل ما تأتى به هذه الشخصيات من أفعال يتم تلبية لرغبة السلطة الأعلى عمدة القرية الذى يرد ذكره دون أن نشهد له أثراً فاعلاً، فإن السلطة المدنية المتمثلة فى كبار رجال القرية لا وزن لدورها وكلامها ومواقفها مما يضطر النساء للتدخل.

إن الرواية على بساطتها ورقتها ونعومة تكنيكها وسردها تحمل عمقاً فاضحاً لا يستهان به وألماً يقض المضاجع، فعين القط فى تجوالها الليلى تضع أيدينا على أمراض تؤرق المجتمع وتدفعه نحو المزيد من الضعف والانهيار، فهناك أمراض أخطر من ذلك وهى تلك المتمثلة أولاً فى أمراض الفكر المتطرف والدور الذى يلعبه فى تهديد استقرار المجتمع وتشويه قيمه وثوابته الصحيحة، هذا الفكر المبنى على عادات وتقاليد موروثة بالية غير قابلة للإصلاح والذى تجلى بعضه فى شخصية حناوى وبعضه الآخر موزع على شخصيات الرواية نساء ورجال مثل شخصية أبوالراوى ومفهومه التعسفى للمواطن الصالح، وثانياً أمراض الفكر المتخلف المبنى على بقايا الأساطير والخرافات الموروثة والذى أدى إلى هشاشة الشخصية، فأدوات التكوين التى تتحكم فيها أمراض هذا الفكر أحياناً المتطرف أحياناً أخرى لا توجد شخصيات ذات كيان إنسانى مكتمل ومن ثم قادر على التعبير عن نفسه والتصدى للمخربين والدفاع عن مقدراته، الأمر الذى يدفعها للاستسلام لما يجرى والانزواء خوفاً كموقف أهل القرية المتبلد من رحيل بطرس وأسرته وفرارهم فزعاً أثناء إطلاق الغرباء المرتزقة الرصاص، وآراء جد الراوى وجدته، لكن الأدهى والأمر من ذلك كله أن تسهم السلطة فى تنمية هذه الأمراض بل وتدعمها غبر شخصياتها الممثلة فى العمدة والخفير.

وتتمتع الرواية بقدرة عالية على التشويق، فهى لا تترك للقارئ فرصة تأجيل أو استكمال قراءتها على فترات، فالحدث يتدفق والسرد الذى يحمله يأتى عبر لغة شفافة بعيدة عن أى تعقيد، كما جاءت الرواية خالية من العيوب التى تصاحب الرواية الأولى لكاتبها عادة خاصة على مستوى التكنيك، حيث جاء نسيجها محكماً دون زيادة أو نقص وقادر على العطاء الدلالى مع كل قراءة جديدة.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم