صاحب “الأيزو”

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 34
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد هشام عبيه

مرت ثماني سنوات تقريبا على لقائي الأول بهذا الرجل الاستثنائي.

كنا في جريدة الدستور- رحمها الله ورحم أيامها الملهمة- في ذلك الوقت العصيب من فجر الثلاثاء حينما نقوم بمايعرف بـ"تقفيل الجورنال"، وهي عملية لاتقل خطورة عن إجراء الطبيب لعملية جراحية دون بنج، كانت الدستور حينها "أرض الموهوبين"، و"جنة المطرقعين"، وعندما تحدثت مع خير ونحن نهبط سلالم الجريدة لنبحث عن تاكسي ضال، عرفت سر اختلافه..أنه يجمع بين الحسنيين "الموهبة" و "الطرقعة"، ويغلف ذلك كله بطلة رجل وقور، تخفي وراءها شخصية ساخرة أصيلة تكاد تقول لمارك توين "عنك ياكابتن".

يوم بعد يوم،بدأت أدرك عمق موهبة خير وطرقعته.

فهو يكتب الشعر والقصة والرواية والمقال والأغنية والنقد، أي نصف دستة كاملة من فنون الكتابة التي يضيع عمر المرء وهو يحاول أن يفك الخط في واحدة منها، بينما يفعل محمد خير كل ذلك، ببساطة كده،والأهم أنه بمستوى جودة يستحق علامة “الأيزو” والتصدير للخارج، ودون أن يشعرك بأنه يفعل معجزة.. رغم أنه كذلك فعلا.

هكذا تحول اسم محمد خير بالنسبة لي إلى علامة جودة حقيقية،تعني انني لن استمتع بقراءة متدفقة وعميقة ممتعة فحسب،بل لابد هناك من شيئ مختلف. قراءة مغايرة لحدث تاريخي. تفسير أكثر فلسفة لحقيقة علمية راسخة. رؤية ناضجة لما يحدث حولنا وفينا من “هري” منذ سنوات والأهم أن هناك في كل مايكتب “نصف دستة من فنون الكتابة خليك فاكر” حس إنساني حقيقي صادق وغير مفتعل أو مبتذل. حس إنساني تستشعر أنه قادم من تجربة شخص عاش ألف عام ولايزال شابا.

أحب عفاريت الراديو كثيرا. وأراها علامة مميزة في قصة هذا الجيل. فزت بتوقيع له على “سماءأقرب” ولعن الله الكسل وبلاء العمل اليومي الذي جعلني أضعها على رف المكتبة للتذكير دون فائدة. “بس هتتقرى”. سكن بداخلي “هداياالوحدة” ذلك الديوان المكتوب بروح قاص فصنع منه عوالم صاخبة تضج بالحياة. استمتع بـ”بتسألني” وهي تغنيها فيروز كراوية من أشعاره.كنت انتظر بشوق حقيقي مقاله الأسبوعي في التحرير، وأعرف جيدا كيف أن الجريدة خسرت مايكتبه بعدما توقف لأسباب تتعلق بفقر الإدارة قبل فقر الفلوس.

على المستوى الشخصي- وهذا اعتراف خطير-،محمد خير ربمايكون الوحيد في جيلنا الذي أحب أن أقرأ له بغرض التعلم والاستمتاع.وأفعل ذلك متجردا من أي نفنسة أو أحقاد بشرية طبيعية عادة ما تتجلي في الذين أصابتهم الكتابة في أرواحهم. ربما لأن خير يفعل مايفعله ويتميز بمايتميزه دون أن يصاب بمس من غرور أو تضخم في الأنا وقاه الله وإيانا وهذا الجيل من آثارهما المروعة التي تنسف الموهبة والطرقعة ولاتبقى ولاتذر.

هذا رجل محب للناس وللكتابة، فسكن في قلوب الناس، واسكن فيه الله سر الكتابة.

 عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم