ما لم أقله لجمال الغيطاني

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

بدأتْ علاقتى الشخصية بجمال الغيطانى فى الفترة الأخيرة من حياته، لا أعتبرها مدة طويلة، لكنها كافية جدًا لأعرفه بشكل كاف.

سافرتُ مع الغيطانى إلى المغرب بدعوة من مهرجان أدبى، وهناك، من خلال حوارات ومواقف وتفاصيل كثيرة، عرفتُ أنى أتعامل مع رجل عذْب، متواضع، لديه معرفة كبيرة لا يتباهى بها، حتى وهو يتحدث عن شىء يعرفه جيدًا، ويذكر معلومات وأفكارًا وتصورات شخصية، لن تشعر للحظة أنه يتباهى بمعرفته، بل يتواضع بها، لديه مودّة كبيرة، وله نظرة هادئة، متفحصة، ومتأهبة أحيانًا، لكن دون أن تخدش أو تؤذى، نظرة هى مزيج من الهدوء، المودّة، الذكاء، واليقظة.

قبل ذلك كنت أشعر بامتنان تجاه الغيطانى، الذى نشر فصولاً من روايتى “فاصل للدهشة” قبل صدورها، فى أخبار الأدب، كان هذا مُهمًا لى وقتها، أيضًا كان يتحدث عن الرواية بشكل جيد، كنت أعرف هذا بأكثر من طريقة، ولم يكن بيننا أية علاقة أو تواصل، ثم بعد علاقتى الشخصية به، صار هذا الامتنان شعورًا بسيطًا ضِمْن مشاعر أخرى جميلة أحملها لجمال الغيطانى الإنسان.

هناك شىء أُقدّره جدًا فى الغيطانى هو أنه لا ينسى مَنْ تعلّمَ منهم، كثيرًا ما كان يذكر أسماءً معينة، ويتحدّث عن أصحابها بتقدير وامتنان، بالنسبة لى، كان هذا شىء مميز ومتواضع أحببته فى جمال، كما أنه يدلّ على الثقة بالنفس.

وحده الإنسان الواثق فى نفسه يستطيع أن يتحدث عن الآخرين بشكل جيّد، ويذكر مَن قدّموا له شيئًا ولو كان بسيطًا، كما يستطيع هو نفسه أن يُقدّم شيئًا لغيره.

ربما يكون الغيطانى حَذِرًا إلى حد ما فى علاقاته، وتعرّفه إلى أشخاص جُدد، فى الوقت نفسه هو يُحب بشكل حقيقى، يقطع الشوط لآخره، عندما يحب شخصًا يظهر هذا فى كلامه وأفعاله، ويشعر هذا الشخص على الفور بذلك.

فكّرْتُ فى معارك جمال، وهجوم البعض عليه، وكانت الإجابة بسيطة وبديهية، جمال الغيطانى يكتب مقالات إسبوعية، وأحيانًا فى أكثر من مكان، ويعلن رأيه بشكل واضح فى كل ما يجرى، بالطبع لم يكن هذا الرأى ليرضى الجميع، وكان طبيعيًا أن يدخل فى صدامات مع غيره، هذا مُتوقّع ومقبول جدًا، وتبقى له شجاعة إبداء رأيه وإعلان موقفه.

فى رأيى أنّ لجمال الغيطانى نصيب من عنوان مجموعته القصصية الأولى “أوراق شاب عاش منذ ألف عام”، الرجل عاش حياة ثريّة، وتجارب مهمة، أهمها برأيى عمله كمراسل حربى، تلك المرحلة التى أثّرَتْ فى وجدانه الإنسانى والأدبى، وساهمت بشكل كبير فى تشكيلهما، أيضًا أسفاره الكثيرة، بحثه الدءوب عن المعرفة، وأسئلته عن الوجود الإنسانى، وكانا، بحثه وأسئلته، يدفعانه دائمًا إلى الأمام، والاكتشاف، وبالطبع كتبه، وأعماله الإبداعية، ثروته الحقيقية، بمجموع هذه الأشياء عاش جمال أكثر من سبعين عامًا بكثير، وكان له نصيب من عنوان “شاب عاش منذ ألف عام”.

أنا سعيد لأجله لأنه عاش هذه الحياة الثريّة، ولأنه لم يحصل عليها مجانًا، وإنما دفعَ ثمنها غاليًا.

لا شىء أرخص وأكثر تفاهة من حياة مجانية.

فى رأيى أن الكاتب، ليس أىّ كاتب بالطبع، ولكن كاتب يصل إلى درجة خاصة من الإبداع، لا بد أن يُقدّم، أو أُحبُ بشكل شخصى، أن يُقدّم رؤيته للعالم فى كتاب لا يكون رواية أو قصة أو مقال، إنما مزيج من هذا كله، كتابة حُرّة، وقد فعلها جمال فى كتابه الرائع “حكايات هائمة”، كَتَبَه بشفافية ورِقّة، قدّمَ فيه رؤيته الشفافة، العميقة، المُحِبّة للعالم، وكشف عن روحه العذبة، وعن مساحات كبيرة من روعة العالم وجماله.

تحدثت مع جمال الغيطانى عن “حكايات هائمة”، وكانت فرحته كبيرة بأنه أتمّ هذا الكتاب الذى بدأ كتابته منذ سنوات طويلة، وفى الوقت نفسه كانت لديه خطط لكتب أخرى يسابق الزمن للانتهاء منها.

أردتُ أن أقول لجمال الغيطانى بعد أن قرأت الكتاب “لقد أَدّيْتَ ما عليك”، لكن الجملة تحتمل معان أخرى لا أقصدها، وبالطبع كنت أتمنى له حياة مديدة، والمزيد من الكتابة والأحلام والمعرفة.

الآن أقولها: “أدّيتَ ما عليك يا جمال، وأتمنّى أن تحيا فى السعادة الأبدية”.

مقالات من نفس القسم