5 شارع محمد صدقى

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

علاء خالد

فى بداية التسعينيات كان افتتاح دار شرقيات متواقتا مع بدايات ظهور جيل جديد من الكتاب. فى ذلك الوقت حدث تراجع فى مؤسسات النشر الرسمية، والتى كان من المستحيل أن تنشر لهذا الجيل. وبطبيعة هذا الجيل الذى كان يرفض الاقتراب من مؤسسات الدولة أو أى مكان له طابع مؤسسى. وبالمقابل كانت سوق النشر الخاص مقتصرة على عدّة دور محدودة: دار الشروق والثقافة الجديدة، والمستقبل العربى، ومدبولى، وغيرها، والتى كانت من المستحيل أن تنشر لهذا الجيل الجديد.

هذا التفكّك فى سوق النشر، خلق مساحات عشوائية لأنواع مختلفة من النشر المجانى، سواء كان فرديا، أو من خلال مجموعات، ولكنها جميعها كانت بعيدة عن حس السوق الجديدة الآخذة فى التبلور والتطور، تقنيا، بشروطها وذائقتها فى تلك المرحلة.

لم يكن أمام هذا الجيل الجديد من الكتّاب، بعد استنفاد تجربة «الماستر» مهمّتها فى السبعينيات والثمانينيات، واستنفاد تجربة النشر الفرد ى؛ من أن توجد دار نشر تقف فى المنتصف، لها خصوصية دار النشر الكبيرة ورصانتها، وأيضا لها مساحة مفتوحة لنشر الأدب الجديد بكل تياراته.

ولأنه كان يحمل تراث وأخلاقيات الناشر الملتزم كما سمعنا عنها قديمًا، بحرصه ودقّته وتخوّفه أيضا، لذا ظهر معه تنوّع فى الكتّاب الذين كانوا ينشرون عنده، لا يجمعهم شكل معين للأدب، بقدر ما يجمعهم سياق عام يبغى الوصول للنص الحقيقى، أو المتقن، لذا لم يخرج من الدار تيار له عنوان محدّد، ولكن أدباء وكتّاب وشعراء تحت عنوان واسع جدا، ربما يكون مساحة واسعة من الأدب الجديد فى ذلك الوقت بكل أطيافه، وتجاربه ومحاولاته.

 كانت طبيعة الإنتاج الأدبى فى تلك المرحلة لها جانب تجريبى متقن ومعاصر ويتحرّى الصدق فى المعنى والشكل معا، فقد جاء حصيلة أسئلة ومواجهات مع عقود سابقة فى الستينيات السبعينيات والثمانينات، والسؤال عن دور الأدب فى الحياة، لذا كانت دار شرقيات أحد الأماكن المهمة التى يُدار منها ويتكوّن فيها المشهد الأدبى فى عقد التسعينيات، بجانب مقهى البستان صباحا، والجريون وروف فندق أوديون، وبار ستللا مساء.

لقد صنع الأستاذ حسنى سليمان صاحب دار شرقيات توليفة احترافية جديدة لدور النشر الخاصة، لقد شغل فجوة بين حسّ وحرية مطبوعات «الماستر» الهامشى، وبين رصانة الناشر. وأدخل شيئًا جديدًا فى تلك المساحة الجديدة من النشر اسمها «المُحرّر الأدبى الجماعي» فقد كان كل أصدقاء وكتّاب الدار بما فيها صاحبها يقومون بتقييم العمل ومراجعته والنقاش حوله.

كان النشر الخاص قبل دار شرقيات يقوم على فكرة فردية، على شخص متحمّس يقوم مقام دار، ولكن مع دار شرقيات، على الرغم من أنها تقوم أيضا على فرد، إلا أنه صنع بالمجموعة التى تحوطه من الكتّاب، والجيل الجديد، والمكان الذى اختاره فى أحد عمارات وسط البلد؛ فكرة جمعية أو مؤسسية بمعناها الإيجابى. لقد تحوّل المكان إلى منتدى يومى للحوار، سواء من داخل مصر، أو من خارجها.

وأيضا منح اهتمامًا خاصًا بإخراج المطبوعة، وهنا ارتبطت الدار بالفنان محيى الدين اللباد الذى منح أغلفة دار شرقيات خصوصيتها وروحها الكاريكاتورية الفريدة، ومن قبله كان الفنان حلمى التونى قد صاغ روح وأغلفة دار الشروق، والفنان عدلى رزق الله روح دار الفتى العربى.

كل نشر لكتاب عند الأستاذ حسنى معناه جلسات نقاش وتصحيح وسياسة، وأحوال البلد، وقهوة سوداء، وغيرها من الأشياء التى جعلت الدار إحدى محطّات المرور الحميم، لى وللكثيرين.

……………..

*نقلا عن مجلة روزاليوسف

مقالات من نفس القسم