نملٌ يشغِى تحت جلدى

art
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

البهاء حسين

تعرف نفسَك عند المفاجأة

عند الصدمةِ الأولى

تعرف كم يبلغُ رصيدُك من الدهشة

تعرف الأشياءَ التى تدرّبتَ على ألا تباغتك، كالموت

لكنها تباغتك، من جديد

كأنها تحدث للمرة الأولى

:

اليوم هنأتُ صديقاً على الفيس بعيد ميلاده،

لكنّ ابنته ردتْ أنه مات

كم شعرتُ بالحرج، كأننى أنا الذى قبضتُ روحه

كنت سأعتذر، لكنى لم أعرف كيف أعتذر لها عن الموت

عن لوحة المفاتيح التى لا تقدرُ على كتابة المفاجأة

كما تحدثُ لنا بالضبط، حين نفتح فمنا، وننسى أن نُغلقه

حتى إن أغقلناه

يظل هناك شىءٌ بداخلنا مفتوحاً طوال العمر

جرحٌ بحجم الفم

:

المفاجأة تخلعُ القلب

تترك مكانه حفرة فى الصدر

أية كلمة يمكنها أن تكتب طلوع الروح؟

،،

لا بد أن تحتاط قبل أن تهنئ أحداً

الزمن يفطر قلبى

لا أصدق أننى على مشارف الستين، ولا أعرف بعدُ كيف أقول لكم قلبى

حفرتى

على كلٍ

لا تصدقوا شخصاً حزيناً

صدقوا ساعى البريد

هو والعنوان إخوة

لا بدّ أن يصل الخطابُ إلى وجهته

لكل طريقٍ نهاية

،،

المشكلة فى الأمل

أن ترمى قلبك لفرحٍ مبهم،

دون أن ترفع جبهتك عن الغد

،،

تظهرُ على حقيقتك

تعرف من أنت، تعرف رصيدك من القلق

كلما رنّ جرس الهاتف أو الباب

حين يخفق قلبك، كلما امتد الرنين

رنة قد تغير حياتك،

دون أن يكون بوسعك فعلُ شىء

تأخذك المفاجأة دائماً إلى حياة أخرى

لن تعود الشخصَ الذى كنتَ عليه قبلها

يسرقك الزمن بيدٍ خفيفة، كأى لصٍ

يرنّ فى جوفك

ولا أحد غيرك يسمع الصوت

:

قبل سنتين سرقتنى امرأةٌ عجوز

فى الباص

أتذكر أننى تنقلتُ كثيراً، بحثاً عن كرسىٍ بجوار الشباك

لم أكن أعرف أن أقدامى تحركنى إليها

لتمدّ يدها وتسرقَ هاتفى

على مرأى منى، كأننى غائب

كيف يمكن أن يفهم الواحد منا أقدامه

الخطوات التى تقوده إلى نفسه

إلى حتفه

ليس بإمكاننا أن نخمّن الخطابَ قبل فتحه

أو إلى أين تأخدنا الخطوة

الموتُ طلقة

الموتُ يعنى أن الحياة بندقية قديمة

لكنها ما زالت قادرةً على إطلاق الرصاص

،،

أتلعثم كلما فوجئتُ بشىء

يجفّ ريقى وأرتبك

رغم أننى كثيراً ما أضع سيناريوهات مثالية للحدث

لكن بعد وقوعه

بعد أن تكون هزيمةٌ أخرى

قد لحقت بالقائمة

،،

لم يعد الموت يفاجئنى

بل أن أخسر حضن “جيهان”

،،

لا يعرف ساعى البريد شيئاً عن الخطابات التى يحملها

لا نعرف

لكنّ الخطاباتِ تعرف عنا كل شى

تعرف من سيموت بسكتةٍ قلبية

من سينتحر

من سيكون لزغرودتها صدى فى الليل

من منا سيلجمه الصمتْ من هول المفاجأة

لا داعى لذلك

لا داعى للاعتذار عن شىء

كلنا نولد بعيوب خِلقية

كالحزن والفرح

كالموت

:

كثيراً ما أخرج مبللاً بالعرق

من معاركى

مع نفسى

،،

أنا أحمل قلباً مليئاً بحبك يا الله

فلماذا يؤلمنى قلبى

،،

تعبتُ من الفراق

اليوم هنا أصبح معركة

غريمك فيها مدينةٌ بأسرها

أصحو من النوم على أملٍ أن تحدث لى معجزة

يرجعُ بها ما ضاع

لكنى أفاجاً بجزءٍ جديد يضيعُ منى

،،

فى مدينةٍ كهذه تولد المفاجأتُ الضارة كل يوم

ولم تعد لدىّ حبيبة أرضع صدرها، كى أستوعب المفاجآت

لأول مرة ستتأتى “جيهان ” إلى هنا

دون أن يكون بإمكانى أن أحضنها

لا أعرف كيف أتعامل مع مفاجأةٍ كهذه

“جيهان” كانت مدينتي

كنت أحكى لصدرها كل ما يحدث لى، دون أن أحكى

لمن أقول حزنى الآن

لمن أقول القاهرة

المدينةَ التى تشغى كالنمل تحت جلدى  

النمل الذي كان صدرك يسكته يا “جيهان”

أنت زمنى

مسقط الرأس

كل مكانٍ هنا يذكرنى بك

الرصيف الذى كنت تنتظريننى عليه

وقت الغروب

أسانسير المؤسسة، حيث نضع قبلاتنا، كأنه صندوقنا الشخصى

كل يد تلوّح أرى فيها أصابعك

كل تنهيدة

كأنها تخرج من فمى أو فمك

كل شيء يذكرني بحنانك

لما أخبرتني، أمس، أننا لن نتبادل القبلات، لأن القبلات تسدّ عليك الطريق

عرفت ماذا يعني غدٌ بلا حضنك

عرفت إصرارك على أن تكونى رسالة خالية من الأخطاء، كى تصل

أخبرنى ساعى البريد، الذى يدق الباب فجأة

أن النور هو العنوان

أخبرتني يا “جيهان” أن الأصابع، حين تتشابك، تتبادل القبلات

أن العاشق عندما يصافح حبيبته يولدُ من يدها

وأن الجسدَ مصيره إلى الوحدة

المدن تفعل ذلك يا حبيبتى

تصل إلى الوحدة، كلما كفّ عاشقانٍ عن المشى فيها

أنت مدينتى الخالية من الغبار

لكن حرمانى من صدرك هو أكبر المفاجآت التى تلقيتها فى حياتى

تدربتُ جيداً على كل شيء

لكنّ اليتمَ من جديد شيءٌ آخرُ يا “جيهان “

بعد سبع سنواتٍ من الأحضان

تتحول الذراع يا حبيبتي إلى طريق

:

حين تحرمك حبيبتك من صدرها، وهي بحاجةٍ إلى صدرك

فهذا يعنى أنها تريد أن تصل فعلاً إلى نفسها، هذه المرة

إلى العنوان الصحيح

،،

نحن هنا، كى ترسلنا أقدامنا إلى الأسانسير

إلى طابقٍ بعينه

لن تعرفَ نفسَك، ما لم تعرف حبيبتك وأنت تقبلها في الأسانسير

ما لم تعرف قلبها وهو يصعد

:

فاجئتِنى يا ” جيهان “

لكننى فقدتُ نفسى ووجدتُها

فى تلك المفاجأة .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات من نفس القسم

linda nassar
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

قصيدتان