محمد موسوي
إن مَنشأ هذا السؤال، سؤال لماذا كان هناك وجود بدلًا من العدم يعود في أصله إلى الفيلسوف الألماني ليبنتز. طرح ليبتنز هذا السؤال (لماذا يوجد شيء بدلا من لا شيء ) من منطلقٍ ميتافيزيقي، حيث كان يسعى إلى أن يفهم أصل هذا الوجود ويفسره [الوجود] إذ أسس من خلال هذا السؤال مبدأه المعروف بمبدأ السبب الكافي.
إن الّذي يفهم من هذا القول إن سؤال ليبنتز كان في أصله ولحظة منشأه، سؤال يحاول أن يفهم أصل الوجود وليس الوجود ذاته، إذ لا يتجاوز السؤال هذا الأفق بأي شكل من الأشكال. ثمّ عاد هيدغر لاحقا وطرح هذا السؤال مجددًا بنفس الصياغة اللغوية للسؤال (سؤال لماذا يوجد شيء بدلا من لا شيء) لكن بتغيره جذريًا من حيث المفهوم، إذ يقول هيدغر بما معناه: أنا أول من أستخدم كلمة الوجود بهذا المعنى (بالمعنى الوجودي لكلمة الوجود)، حينها انتقل هذا السؤال من أساسه الكوسمولوجي الذي أوجده فيه ليبنتز، إلى منحى أنطولوجي (بالبنية المفهومية الجديدة الذي قدمها هيدغر لسؤال الوجود) كان ليبنتز يحاول من خلال سؤاله هذا الإجابة على سؤال أصل الوجود ومحاولة فهم كيفية وجوده، أما التحول الجذري في مفهوم السؤال عند هيدغر هو أن هيدغر كان يسأل عن الوجود ذاته، أيْ أنّ الوجود عند هيدغر لم يكن أمرًا بديهيًا بالنسبة له. نعم، وجود الوجود هو أمر بديهي، لكن الوجود في حد ذاته ليس بديهيًا أبدًا.
يقرر هيدغر أن هذا السؤال هو أكثر الأسئلة اتساعًا وعمقًا وأكثرها جوهرية وأصالة؛ لأن هذا السؤال بحد قوله: سؤال يهدف إلى الماهو بوصفه ماهو. هو سؤال لذات الشيء. السؤال هنا هو محاولة للوصول إلى الاعماق أو الصميم. من أجل هذا كان هذا السؤال هو السؤال الأكثر جوهرية. لماذا هذا السؤال مُهِم؟ لأنّه سؤالٌ يُلامِسُ عُمقَ وجودِ”نَا” وصميم ذواتنا.
“لماذا يوجد شيء بدلًا من لا شيء ” الوجود موجود لأن العدم غير موجود، فلما كان من المستحيل قيام عدم كان الوجود موجود فقط لأن العدم غير موجود. ولما لم يكن بمكنة “اللا شيء” أن يكون، كان الوجود وما كان العدم. هذا وقد وضع لنا بارمنيدس قبل قرون خلت مسلمته الشهيرة، وهي بداهة عظيمة حقًا في وقتها (وما زالت إلى الآن) “الوجود موجود واللاوجود غير موجود” لكن هذه البداهة هل تنفعنا هنا أوهل تنفع هايدغر نفسه ؟ لا، كلا أبدًا، لأن الـ “لماذا” ما زالت قائمة إلى الآن، والسؤال نفسه بقي معلَقًا.
إذًا فبهذه الطريقة التي يطرح بها هيدغر السؤال (مساءلة الوجود نفسه) يصبح السؤال سؤلًا مفتوحًا على أفق اللانهاية، أيْ أنّ إجابته [إجابة السؤال] تظل غير محدودة في كل آنٍ وحين، لأن السؤال هنا عند هيدغر سؤالٌ مُتَعَلِق بالـ ” Dasein” نفسه. هو سؤال خاص بالفرد إذ كلّ فردٍ مِنّا يُعيد إنتاج هذا السؤال، ويعيد طريقة إنتاج جوابه لهذا السؤال. لذلك كان هذا السؤال مفتوحًا على اللانهاية، لأن لا جواب محدد وأخير له، إذ أنه خاص ومتعلق بكل كينونة كانت وستكون وكل كينونة كائنة هنا الآن.