شيرين فتحي
كان الصغير ذو الستة أعوام يتمرغ في الأرض غاضبا من الأم التي كانت ترفض -ولعدة أيام فائتة- صناعة كعكة لعيد ميلاده. تحايل الصغير على أمه كثيرا لكنها كانت ترفض بشدة.
لقد اعتادت الاحتفال بتلك المناسبة مع جارتها التي تسكن الشقة المقابلة، للجارة طفلٌ صغير وُلد مع صغيرها في نفس الشهر، فاعتادا إقامة حفلة مشتركة يحضرها الأصدقاء والأقارب من العائلتين. لكن صغير الجارة متعب منذ عدة أشهر.
منذ عدة أشهر وهو يقيم في إحدى المستشفيات، اصطحبت الأم الجارة أكثر من مرة للزيارة والاطمئنان على حال الصغير الذي تتكسر كريات دمه طوال الوقت بسبب المرض.
لم تخبر الأم صغيرها أن الطفل لو كان لا زال غائبا في مشفاه البعيد لكانت صنعت له كعكته التي يتمناها ومن دون كل هذا التوسل والغضب، لكن الطفل عادت به أمه منذ أسبوع تقريبا.. من يومها والأم تخفض صوتها وصوت أطفالها عند الحديث، من يومها وهي لا تتشاجر مع أحد، لا تخاطب أحدا إلا همسًا، لا تفتح التلفاز، ولا تشغل الأغاني حفاظا على مشاعر الجارة… كان الطفل يئن أحيانا من الألم، يصلها صوت أناته بوضوح خاصة مع هذا الهدوء المميت الذي فرضته على المنزل.
منذ البارحة لم تسمع صوت الولد، فقط كان هناك صوت الجارة، كانت تئن بدلا من الطفل، لكن أنات الجارة كانت قوية وواضحة.. كان صوتها يخترق الجدران الفاصلة ما بين المنزلين ويملأ منزل الأم بالأنات والوجع.
قررت الأم في ذاك اليوم بالذات أن تستجيب لرغبة الصغير وتصنع كعكة للصغير الذي كان قد فقد الأمل في الحصول على كعكة لعيد ميلاده.
كان الصغير يروح ويجيء على الأم كل دقيقتين تقريبا ليتأكد أنها لازلت تصنع كعكته
كسرت الأم البيض وشغلت ماكينة الخفق.. كانت تزيد من سرعة الخافق كلما تسربت إلى أذنها أصوات الجارة حتى وصلت إلى أقصى سرعة، شعرت بعدها ببعض الراحة لأن جميع الأصوات كانت قد اختفت تقريبا عن أذنيها.
ظل الطفل يروح ويجيء لعدة ساعات وكلما كان يسأل أمه عن الكعكة تعللت بالبيض الذي لازال في حاجة للمزيد من الخفق. مضت عدة ساعات والأم تركن رأسها في المطبخ إلى جوار الخافق الكهربائي.
انتصف الليل، نعس الصغير ونام في المطبخ عند قدمي أمه، بعدما يئس من انتهاء كعكته… كان البيض يعلو ويعلو من شدة الخفق… خرج البيض من الإناء بعدما تضاعف حجمه لعشرات المرات …. لم تشعر المرأة بنفسها إلا وهي تطفو فوق رغوة البيض مع طفلها النائم دون أن يُسمع بعدها أي صوت تماما