قراءة لـ أنفاس أخيرة

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد شاكر 

مدخل:
قال الرافعي في مدخل كتابه السحاب الأحمر:
من للمحب ومن يعينه.. والحب أهنأه حزينه!
أنا ما عرفت سوى قساوته، فقولوا كيف لينه. 

ثيمات النص:
هنا نصوص ذاتية، ثيمتها الأساسية الحب/الكتابة. لنبدأ بالحب. إهداء الكتاب إلى القاطنين بالقلب، وقربه. (إليه). هو الحبيب البعيد القريب الغائب المتخيل الحاضر على مدار النص كله. وملهم تلك الكلمات (أصبحت أوقن أن دورك في حياتي ما كان إلا ملهما، كان له الفضل والشكر العظيم على غزير الحروف..). إنها أشبه برسائل إليه. يرتجى منه أن يعرف أنها كتبت إليه وأنه صاحبها. لكن كيف وهي غير مرأية له (كاتبة تلك النصوص). إنها تغمض عينيها على أمل بأن يراها يوما. ولأنه بعيد فهي تكتب عنه وإليه. لو كان قريبا لأصبح الأمر أيسر تقول (لكنت غازلتك وجها لوجه لا من وراء حجاب)، حجاب الورقة. الكتابة. ثم في نص آخر تعلن توقفها عن حبه، كيف؟ بالتوقف عن الكتابة له وعنه. إذا فالكتابة فعل حب. لكنها قطيعة غير يقينية. أمنية وفقط. ناتجة عن وجع القلب (وعلى أغلب الظن لن أفعل ) تقول. وفي اليوم التالي تعود لفعل الكتابة. 


الكتابة والحب. الحب والكتابة.:
لو كنت مكان الكاتبة لسميته أنفاس الكتابة. لقد تكرر اللفظ (الكتابة/الكلمات/ الحرف) على مدار النصوص ما يقرب من 35 مرة. وصاحبنا هو الآخر يمتهن الحرف. ففي غير موضع تخبرنا الكاتبة بذلك: لا زلت أراك وغداً شاعرا يتقن الحرف جيدا. هل تذكرنا تلك العلاقة المتخيلة بشيء من تاريخ الأدب العربي؟ نعم. مي/ جبران، غادة/ غسان. نعم. شيء كهذا. 

الكتابة والولادة. الحب والولادة:
وهل تنسى أنثى أن تذكر أو تتذكر فعلاً كهذا. أليست الولادة (حفظ النوع) هي أخص خصائص المرأة؟ تشبه الكاتبة فعل الكتابة بالولادة. والناتج عنها بالجنين/ المولود/ الجسد. وهو يشبه أباه أيضا؛ من نكتب عنهم. وهو فعل مرهق.وفعل تخفف من ثقل (وضع). قد يستنفذ روحك. وهو فعل تأريخ للخيبات والمواجع. وفعل بناء للناقص عنا. ألسنا نسمع الأب يقول أو الأم عن المولود/ الولد (قطعة مني).

تجربة صوفية:
فإذا ما انسد درب، سيري سيمتد درب. قالها شاعر الكوخ. وفي نص صوفي روحاني تقترب الكاتبة من هذا المعنى. لقد توصلت إلى درب أكبر وأوسع وأغنى، درب الله. درب حبه الكبير الواسع في زيارة لبيته الحرام، وهل ثمة شك في ولادة حب كهذا، في مكان كهذا، لقد مشت (حيث مشى النبي وآله)، فانتقلت من البوح بحبها للمحبوب المخلوق إلى البوح بحبها للمحبوب الخالق. فإذا كان المحبوب المتوهم الأول غائب/ بعيد لا يظهر. لا تلتقي به سوى على الورق وبين أحرف الكلمات. فالمحبوب الأكبر سهل اللقاء به/ حاضر دوما، ولا يسأل عن سبب حب أو سبب لقاء. بل كريم يحتفي بقدوم عبده. وإن أتاني يمشي أتيته هرولا. إن بابه دوما مفتوح. وهنا يقدر المحب أن يتخلى عن محبوب فان لأجل أن يحب المحبوب الباقي. 

استكمال :
ثم تستكمل فقدها ووجعها مرة أخرى بنفس تستوطنها الكبرياء والرفعة. فهي زهرة صبار أحيانا ذات أشواك وأحيانا أخرى هي المبادرة بفعل الرحيل. وما لا يجلبه الواقع يجلبه الخيال رغم أنفه. وما لا يجلبه الواقع تجلبه الكلمات الكتوبة، أيضا. وفي اللقاء الأخير تعلن اكتفاءها منه ثم تسير محاذية له. وكأنها استمدت ذلك من تجربتها الروحية التي تخللت حبها المتوهم. بعد أن تعرفت عن قرب على الحب الأكبر، حتى الأفكار واللغة يصيران بعد، أقوى وأشد تماسكا من أفكار ولغة البداية. 

الكتابة والخلود. الكتابة والموت:
وبعد. وبعد أن قالت ما قالت. وبعد أن كتبت في حبه ما كتبت، هل سيذكرها أحد؟ هنا تتجلى أنانية الكاتب ونرجسبته. إنه ينتظر موته ليرى ماذا سيقال عنه. (هي لا تريد أن تموت) لذا كتبت (وتريد أن تموت) لتنتشي بخلودها عن طريق ما كتبت، وتنشد خلودها في ما تتمنى أن يكتبوه عنها (كتبوا.. لقد قالت:……) (كتبوا بالصفحة الرئيسية) (تكبدوا عناء الكتابة عني) (قالوا لم تحب أحدا أبدا..) (قالوا: كانت تتفلسف..)،وتؤكد (لا زالت أنفاسي تنبض بكل قلب يقرأ أحرفي..).

الكتابة والصمت:
يبدو اعتناء الكاتبة الشديد باللغة. في اختيار الكلمات. وفي صوغ الجمل. وتضمين الموروث الديني و القرآني. إن القليل من الكلام يغني، طالما أن المعنى وصل. وبنظرة عابرة نلحظ أن السرد المتخلل لتلك النصوص كان كافيا لبناء قصة طويلة أو مجموعة قصص لو اعتني بها بطريقة ما. لكن الكتابة الشذرية التي تعتمدها الكاتبة هي التي تناسب ما تعمل عليه من اعتناء شديد بالكلمة/ اللفظ. فقالب القصة يقتضي الاطناب والتطويل غالباً. ولكن الخوف كل الخوف من شيء آخر؛ الصمت. فمثل هذا الاعتناء قد يؤدي إلى هروب اللغة/ الكلمات. واستعانة الكاتبة ببعض الرسوم وسط الكتابة خير دليل على ذلك.
في (الكتابة في درجة الصفر)، يقول رولان بارت: إن مالارميه وهو (هاملت)، الكتابة على نحو ما، قد عبر جيداً عن هذه اللحظة العابرة من التاريخ حين (تتحامل اللغة الأدبية على نفسها) إلا لتشيد بضرورة فناءها.
إن هروب اللغة الدائم من تنظيم الفوضى وكذلك تفككها لا يؤديان إلا إلى صمت الكلام. ويدرج بارت نموذج رامبو وسوريالين آخرين طواهم النسيان. 

القرآن وحضوره:
على مدار النص سنجد النص القرآني حاضرا بقوة. تناص واقتباس، مكون أساسي في النص وثقافة الكاتبة: كخطيئة قلبي حينما راودته نفسي عن حبك وإن النفس لأمارة بالسوء../لم يداري سوأته/والحمد لله الذي وهبني حبك على الكبر.. ربما لو كنت أصغر ما تحملته/ الفاجرة التي قاب قوسين أو أدنى من أن تصرخ بوجهك../ ووهن الفكر مني.. واشتعل القلب عشقا/لا تسمن ولا تغني من شوق../ (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ) اقتباس/ مهما حاولت أن تواري سوأتك/ ممتنة يا الله لأنك أقرب إلي من حبل الوريد/ (هو عليم بذات الصدور) اقتباس/ (لا تخافي ولا تحزني) اقتباس/ (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟) اقتباس/ كانت وردة زرقاء فاقع لونها/ ليس كمثل أي شعر/ لأبرء نفسي/…

استفهام:
ما علاقة الإمبراطور الروماني فيسبيسيانوس برسائلك الأخيرة. لم أتوصل لشيء. حاولت ولم أنجح. ربما ضعف اطلاع مني أو أن هناك لغزا عصيا على الفهم. 

أخيرا:
إنه لكتاب جميل

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحمد شاكر

 قاص مصري

 صدر له، حذاء جديد و رقص وجع رقص 

مقالات من نفس القسم