قالها له محمد زميله اللدود معقبا على دعوات مينا المريض المسيحي الديانه فنظر اليه بغيظ و لم يعلق لأنه يعرف ان نقاشاتهما تنتهى دوما الى طريق مسدود و قال لنفسه إن الله يقبل دعوة المظلوم أياً كان فلم لا يقبل دعوة رجل ساعدته فى محنة، ثم ان الآية القرآنية فى موقف القيامه و لا تقاس على هذا الموقف ثم وجد نفسه يقول
– هتفضل طول عمرك سطحى
– سيبنالك العمق يا عم الليبرالي
– طيب روح يللا شوف دكاترة التخدير…. بدل ما حامد ينزل و ميلاقيهومش و يظبّطنا احنا الاتنين
بعد ان انتهى إبراهيم من رعاية مريضه ذهب الى مكتب الاطباء ليكمل أعماله الورقية فى ملفات المرضى و هي تستهلك أكثر من نصف مجهوده اليومي
– ممكن كلمه يا دكتور؟
كانت أم هاله التى تجالس طفلتها المحجوزه بوحدة الحروق وهى امرأة لم يعطها الزمان حظاً من أي شيء و لذا كانت دوما تثير شفقته اكثر من ابنتها المريضه
– خير … عاوزة ايه
رده الجاف هذا رغم تعاطفه معها كان محاولة لاتباع تلك القاعدة الصارمه التى يفرضها عليهم حامد النائب السنيور و كان دائم التأكيد على أنك لو عاملت العيانين و المرافقين بود سوف يستهلكونك فى لحظات. قاعدته الأساسية دوماً “اخدم العيان بضمير بس ما تخليهوش يسمعك حسه”
– انا بس عاوزة حضرتك توصي الدكتور حامد يعاملنا كويس زي ما انت بتعاملنا …. هو ليه بيعمل فينا كده ما حضرتك بتعاملنا بمنتهى الطيبه و دكتور محمد كويس برضه انما هو بيعاملنا زي ما نكون بنشتغل عنده
نظر اليها بابتسامه ودوده و قال لها
– حاضر يا ام هاله
أردفت قائلة
– انتو من بلد واحده صحيح بس زي ما بيقولو البطن قلابه و انت كمان و الله اشطر منه
قلب سحنته و قال لها متصنعا الغضب
– خلاص يا وليه انتى متكتريش فى الكلام و روحي على سريرك
بعد أن غادرت ابتسم لنفسه بعد أن أرضت كلماتها كبرياءه الذى يمسح به حامد بلاط القسم يوميا, سرح ببصره للحظات ثم أمسك هاتفه الذكي و كتب على صفحته على الفيس بوك
“هل تكون أخلاقنا الطيبه مثار للفخر و التعالى أم أنها هبة من الله لا يجب ان ندعى فضلا فيها هل هى حقا اختيارنا ام أننا جبلنا عليها …. إن الشخص يكون حسن الخلق و رفيع السلوك نتيجه جيناته أولا و تربيته ثانيا فلا خيار له فى خلقه ولا فضل“
نظر للبوست و هو يحس بفلسفته التى طفحت على الصفحه ثم اصفر وجهه حين رأي التعليق “الحاله نامت و حامد هنا يا عم العميق تعالى بقه وريه الفلسفه هههههه“
2
– نورت يا فيلسوف الغبره …… لسه جاي
قالها حامد (النائب السنيور) بجديه و هو يخاطب ابراهيم نائبه الجنيور قالها بطريقة جعلت وجه إبراهيم يتفصد عرقاً و هو يعتذر قائلا
– معلش اصلي كنت بكمل كتابة التذاكر
هز حامد رأسه و هو غير مقتنع بحجته و بالطبع أصدر حكمه السريع بأنه لن يدخل الى الجراحه التي وعده بأن يتركه يقوم باجرائها منفردا تحت إشرافه و استبدله بزميله و هى الطريقه المعتاده لعقاب الأطباء الأصغر.
النائب الجنيور (مثل ابراهيم و محمد) يقوم بكم من العمل يفوق طاقة أي شخص على التحمل و لا يشجعه على ذلك إلا أنه يأخذ فرصة فى تعلم جراحات كثيرة فى سن مبكرة، و لذلك حين تساعده فى أن يقوم منفردا بإجراء جراحة جديدة عليه فأنت كمن يعطي قطعة سكّر التى لحصان أرهقته فى صعود منحدر طويل.
بعد ذلك قال له متصنعا الرفق
– انا برضه هستجدع معاك ….. دخل حالة قطع الأوتار فى الاوضه التانيه و اشتغلها…. ببنج موضعى
بالطبع هو يعلم أنها حالة بسيطة و أن إبراهيم أجراها عدة مرات وحده و أنها لا توازي حالة قطع الرسغ التى (يشتهيها) النواب فى مرحلته تلك و التى حرمه منها للتو.
انصرف إبراهيم ليقوم بما كلفه به و بقى هو فى المكتب وحيدا كان يحس بضيق شديد من هذين النائبين الجنيور فالأول إبراهيم يعيش فى دور المثقف و الرومانسي الحالم و صاحب القلب الحنون الذي يحتوي المرضى و المعذبين و كثيرا ما ينسى الأعمال التى يكلفه بها و الثاني محمد فهلوي اكثر من اللزوم و متملق يحاول تجاوزه و التحدث مباشرة للمدرسين و الأساتذة
تذكر أول أيامه فى قسم جراحة التجميل منذ ثلاث سنوات تقريباً. كانت صدمته الأولى حينما مر على عنابر المرضى فقد اختار هذا التخصص و هو يمنّى نفسه بعمل خفيف و ممتع و بجراحات مثل شفط الدهون و نفخ الاثداء بالسيليكون و غيره لكنه وجد القسم ممتلأً بمرضى من نوعية اخرى
مرضى الحروق على سبيل المثال حدث عنهم ولا حرج يحتاج المريض الى مجهود أشبه برعاية عشرة مرضى فى نفس الوقت. إضافة الى مرضى إصابات اليد و حوادث الطلق الناري و القروح المزمنه و العيوب الخلقية و..و..و
تسلم عمله فى ابريل 2010 و كان عمله و هو نائب جنيور لا يسمح له بالنوم يوميا اكثر من أربع أو خمس ساعات و لا يذهب الى منزله إلا خميس و جمعه كل أسبوعين و ذات مره تم عقابه بالحرمان من إجازته لخطأ تافه فبقى قى المستشفى شهرا متواصلا.
الان و هو فى أول أيام 2014 يوشك على إنهاء فترة نيابته بعد أن اقترب من إتمام سنواته الثلاث كنائب فى القسم اضافة إلى عام قضاه فى التجنيد بدأه بعد ستة أشهر من بداية نيابته.
– ايه يا معلم مكشر ليه
كان زميله نائب التخدير يسأله عندما رأى تجهمه و أكمل أكمل كلامه
– ايه يا عم نيمتلك الحاله رغم انها كان ممكن تخلص ببنج موضعي
– هتستعبط مش كفايه خليت الواد يشتغل التانيه ببنج موضعي عاوزنا نشتغل قطع فى الرسغ هيتصلح فيها شريان و عصب و ست أوتار ببنج موضعى يا كافر
ضحك بصوت عال قبل ان يعيد سؤاله
– لا صحيح ايه اللى مضايقك
– مفيش عندي جوز جناير عاوزين الحرق و مش مهنيين الواحد على خروجه….الواحد كان فاكر نفسه هيرتاح طلع بيشيل من وراهم خوازيق للركب
– ازاي يعني
– كل يوم الاقى مدرس مساعد وللا أستاذ مناديلي و مبهدلنى بسبب غلطه يكون حد فيهم عملها
رن ساعتها صوت تنبيه هاتفه الذكي مخبرا برساله فقام صبحي قائلا
– اسيبك مع الواتس اب ….. عيش يا عم و بلاش احنا
فتح جهازه و رأى رساله من دعاء الممرضه التى تعمل معه فى مستشفى ابن رشد و هو مستشفى خاص يبيت فيه مرتين اسبوعيا حين لا يكون نوبتجيا فى المستشفى الجامعي
– مين يا سيدي الحلوه اللى كانت قاعده معاك امبارح
– إنتى مال اهلك
– بالراحه طيب…معرفش ايه اللى ضايقنى لما لقيتك بتضحك معاها
– بقولك ايه مش عايز هطل انا وافقت نبقى اصحاب عشان اساعدك تبعدي عن الحمار بتاعك مش عشان تقرفى اهلى
– طب اسفه
– ما تتأسفيليش ….. هو انتى هتفضلي هايفه كده و شخصيتك ضعيفه لحد امتى
– مالك بس
– اهو هيافتك دي اللى بتخليه يبيع و يشتري فيكي براحته …اقفلى دلوقتى عندي شغل
لا يعلم سبب ثورته عليها على وجه التحديد ….. حقا هو يمقت ضعفها المثير للغيظ أكثر من إثارته للشفقه. دعاء ذات ال27 عاما و التى صارت ارملة منذ ان كانت فى العشرين بعد أن مات زوجها سائق الميكروباص فى حادث على الصحراوي
ابتلاها الله بعدها برجل سيطر عليها تماما … قصة حبهما تخلو من اي منطق هو يكبرها بثلاثين عاما و متزوج … يستغل حبها له بكل الطرق و لا يعدها بأي شيء و هي متمسكة به و كلما تركها كانت هي التى تسعى إليه.
كان الرجل اسمه عادل و كان من ضمن الشركاء المالكين لمستشفى ابن رشد الخاص الذي يذهب اليه حامد و تعمل به دعاء…رجل واسع الثراء و طبيب باطنى مشهور وجد فتاة شابة ذات قوام مغر ينبئ بمذاق حريف يفتقده رجل فى مثل سنه رمى حبائله حولها و أقنعها أنه يحبها فأسلمت له قيادها.
حار كثيرا فى فهم قصتها و سبب حبها الشديد له ورضاها بأن تكون على هامش حياته فى الوقت الذي تدور هى فى فلكه ….. هل السبب هو تلك الصدمه الاجتماعيه التى عاشت فيها من مصاحبتها له و هو الطبيب الغنى ذو السيارة الفارهة و هل تخيلت نفسها تلك الفتاه الفقيره التي ينتشلها الأمير و ينقلها من الحضيض للقصور … هل لانها فقدت اباها منذ طفولتها و ترى فيه الأب قبل الحبيب ام لانها لا ترى لنفسها حظوظا فى الرجال ثانية لانها ارمله……..كل هذه المبررات فى نظره لا تبيح لها كل ذلك الضعف و الخضوع
هل قبل هو أن يساعدها و أن يخرج معها ليسري عنها لأنها حقا تثير شفقته ام أنه يمنى نفسه بنيل نصيب من أنوثتها الفائره ربما السببين معا فهو ليس ملاكا لكنه يحزن من اجلها كثيرا و يتمنى ان تخرج من تلك الدوامه.
خرج من أفكاره و قام ليتابع النائبين الجنيورين فى عملياتهما دخل على محمد ووجده أوشك على إنهاء توصيل العصب المقطوع فى رسغ المريض فال له بفراغ صبر
– فك الغرز المعفنه دي و خيط الوتر ده تانى
– ليه يا د. حامد مش عاجباك
– بذمتك انت مقتنع بيها……..خلص و ما تتلامضش
خرج من عنده و دخل للغرفه التى بها إبراهيم ووجد المريض يبكي و إبراهيم يواسيه اثناء خياطته لجرحه فقال متسائلا
– هو العيان ده بيعيط ليه هو حاسس …… متدلوش بنج كفاية ؟؟
– لأ ده أصل افتكر ابنه و بيعيط عشان…..
– ركز يا دكتوووور فى شغلك و ما تتكلمش مع العيان و تعالى المكتب بعد ما تخلص
ذهب الى مكتبه و بعد عشر دقائق دخل عليه ابراهيم قائلا
– تصدق ان الراجل ده ابنه هو اللى ضربه بمطوه و عوره
– و انا مال أمى…..يابني قلتلك مييت مره ركز فى شغلك انت جراح مش مطيباتي
– حضرتك شوفت الشغل و قلت انه كويس
– كونه كويس ميغفرلكش انك تتصاحب ع العيان و تندبله ………… روح دخل العيانه حسنات للغيار و اياك اجي الاقيك بتتكلم و انت بتغيرلها.
ـــــــــــــــــــــــ
* مقطع من رواية “سبعة زيرو” التي صدرت قبل أيام عن دار ليليان للنشر