…
ذكرت بعض الصحف خبرا شق قلوب الناس وملخصه الآتي :
1ـ طفل صغير مات.
2ـ لم يمت ذلك الطفل موتة عادية وإنما سقط من شرفته.
3ـ كان عمر الطفل ثلاث سنوات.
4ـ السبب في موته أنه جرى خلف كرته البلاستيكية الخضراء.
5ـ يقول بعض الأهالي أن عملا معمولا لأهله، وأن الجن أسقط الكرة إلى الشارع وجرى الطفل خلفها دون وعي. (هذا تحديداً ما دفع الصحفية المغمورة لكتابة الخبر، والصحيفة ضعيفة الشهرة لنشر الخبر).
6 ـ آخرون قالوا إن الجن ظهر في صورة أبيه، واتفق معه أن يلحق بالكرة وسينقذهما.
7 ـ أخيراً، كان هناك صورة ملحقة بالخبر فضلت عدم وضعها، حيث رأس الطفل مفتوحة كبطيخة وقعت من رجل عملاق والدماء مطرطشة حولها.
…
حاول القطيع مهاجمة سيدة عجوز، فأسرع ووقف حاجزاً بينهم وبينها، ملأ الغضب عينيه، زجرهم فخافوا وهربوا، امتنت السيدة الكبيرة وشكرت الله ورحلت هي الأخرى. أصبح وحيداً ثانية، تجول في المدينة، هزم الوقت بمتابعة الناس وملاحظة التغييرات الكثيرة على المدينة. لم تكن في الماضي سوى قرية صغيرة وعددا من البيوت الطينية، ومصاطب كانت الجدات تجلس عليها و تجتمع حولهن أطفال العائلة فيحكن بعض الحكايات المخيفة وأحياناً تلك التي تبعث الشجاعة في نفوس الأطفال، اعتاد على الاستماع لتلك الحكايات. ولكن كل ذلك اختفى شيئاً فشيئاً بعد أن شد حسن أبو الرجال بيت أحمر، قاومه أهل القرية و منعوه من الاستمرار، فعاند معهم وأصر وأقام بيته كما أراد. ثم تزوج من المدينة الكبيرة فتاة جميلة، وأنجبا طفلاً مات في الثالثة من عمره، قال له أحد الدجالين أن هناك عمل بجوار البيت قتل طفله، اكتشفوا خرقة ملفوفة و داخلها صورة لابنه وعليها كلام غير مفهوم ورموز مكتوبة بدم فأر. توسعت القرية و انتشرت البيوت الحمراء و اخترقت الأراضي الخضراء. وجد نفسه في نهاية المطاف عند العمارة الأولى، أسفلها يلعب طفل بكرة بلاستيكية أمام بقالة أبيه.
…
مرت ثلاثون عاماً وظلت أم الطفل تحافظ على ذكر ابنها، وقف الأهل بجوارها في البداية ثم ملوا، في المنتصف زهق الزوج من كآبتها وتزوج غيرها، في النهاية أصبحت وحيدة وجعها كما بدأته و لكنها استغرقت عمراً كاملاً لتكتشف ذلك. أطفأت أنوار شقتها وجلست على الكرسي الهزاز، تتلو من ذاكرتها آيات من القرآن الكريم، تتداخل السور والأرباع دون أن تدري، ثم وبصورة متواطئة تتلو آية “كل نفس ذائقة الموت” فتخرج صورته وتبكي وتبكي إلى أن ينالها النوم. أحياناً تدعي أنها تراه في عمره الذي يجب أن يكون، طويلاً ذو رقبة نحيفة و أصلع كأجداده.
…
من حكايات الجدات…
شابة ألقت ماء ساخنا على أرض بجوار بيتها يُقال قتل فيها واحد، أشارت الجدة بإصبعها على بعد مئة متر تقريباً، فغضب الجن صاحب الأرض وركب الفتاة ثم عشقها ولم يفلح معه شيء سوى التفاوض بعد أن ضربوا الفتاة حتى الموت، اتفق أن يعود إليها مرة كل عام.
…
قطع انتباهه للطفل والكرة التي يشعر بقربها منه صوت حشرجة يتصاعد من مكبر صوت ثم ابتهالات وتواشيح دينية، اقترب من مكان الصوت، مولد الشيخ الصعيدي، بعض الناس يقفون في صفوف متوازية و متقابلة، ينشدون ويذكرون الله، يهزون رؤوسهم يميناً وشمالاً، منتشين من الإيمان، يعجبه الجو فيمتزج معهم، يصلون الفجر معاً ثم ينفض المولد، يمتعض. يعطي ظهره للمدينة التي كانت قرية أو القرية التي صارت مدينة، يجتاز الطريق السريع متجهاً إلى الأراضي الزراعية، دون أن يرى ينغمس في بركة من الوحل، يكمل مسيره وسط نباح الكلاب و حفيف الأشجار، يصاحبه القمر، وحيداً مثله في السماء الكحلية، ينحني قليلاً ليدخل بيته، يتوسد عظمة ثم تغلق باب المقبرة، يومُ عنده كسنة مما تعدون.