الفتي من أراكاتاكا لن يعود ليبث المرح

الفتي من أراكاتاكا لن يعود ليبث المرح
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

"لو وهبني الله حياة أطول لكان من المحتمل ألا أقول كل ما أفكر فيه.. لكنني بالقطع كنت سأفكر في كل ما أقوله.. "

قضيت ليلتي في ذلك اليوم ، أحاول أن أرتّب كلماتي لكي أقولها و لكن لم أدري حقيقة ما أقوله ، كل يوم أذهب هناك، و أنظر إليها من بعيد ، و أتأمل سحرها الذي استقطب روحي ،كنت أذهب لأشتري منها و أتعمد أن أعطيها ورقة نقدية من فئة كبيرة حتي تأخذ وقتا أطول في تحضير  الباقي و أنتهزها فرصة لاقول شيئا و لكن كنت فقط ، أتأمل وجهها،  أتأمل فقط !و جاء آخر يوم في الرحلة ، كنت أري الشباب يتحرشون بها بكلماتهم و أتألم لاني لا أستطيع فعل شيء و هي ؟ كانت تبتسم ابتسامة الحزين المكسور لا ابتسامة من يحب المدح ! و أخيرا تشجعت و قررت أن أتحدث " ممكن أطلب منك طلب ؟ " رفعت عينيها لثانية و خفضتها و هي تعد لي طلبي و أومأت برأسها أن نعم ، أوصيتها أن تعتني بأمرها أكثر من ذلك لآن الشباب يعاكسونها ، هاه يا لضعفي و قلة خبرتي في ذلك الوقت

 

كنت سأقيّم الأشياء ليس وفقاً لقيمتها المادية ..

بل وفقاً لما تنطوي عليه من معان ..

كنت سأنام أقلّ ..

وأحلم أكثر.. “

(الفتي من أراكاتاكا عندما كان  صبيا ، كان يحب أن يكتب علي الحائط ، و في يوم مر به أحدهم، و رآه فقال: ” اللعنة هذا الصبي سيصير كاتبا يوما ما”)

 

مر عام و انتظرت أن نذهب مرة أخري لتلك البقعة كعادتنا في كل عام ، و كنت أتشوق لرؤية محيّاها النضر، وذهبت يحدوني الشوق والحنينولكن وجهها تغير صارت أجمل ، توجهت إليها و حاولت تذكرتها بما قلته لها –يبدو أنني قد صرت أكثر جراءة

 

في كل دقيقة نغمض فيها عيوننا نفقد ستين ثانية من النور كنت سأسير بينما يتوقف الآخرون ..

أظل يقظاً بينما يخلد آخرون للنوم .. – كل يوم أذهب إليها و أتحدث و يوما ، قلت لها أني أريد التعرف عليها بالطريقة التي ترتضيها و لكن ” صدقني انت شكلك محترم اوي بس فعلا انا مش بكلم حد

كنت سأستمع بينما يتكلم الآخرون .. “

الفتي من أراكاتاكا  عندما بلغ الثامنة  و الثلاثين ، كان قد قضي ثمانية عشر شهرا يستقطر أفكاره و يدمج ذكرياته في كينونات جديدة محاولا أن ينهي كتابه ، و كان مديونا لدرجة أنه باع أثاثه ، ذهب ليبعث للناشر بكتابه ،فوجد أنه سيكلفه مئة بيزو لارساله ، فقرر أن يقسمه نصفين و يرسل النصف ثم يتدبر أمر النصف الاخر ،

“سوف يتذكر الكولونيل أوريليانو أركاديو بويندا أمام فصيلة الاعدام تلك الامسية التي أخذه فيها والده للتعرف علي الجليد

بالفعل أرسل النصف ، و عندما عاد للبيت وجد أنه قد أرسل النصف الثاني من الكتاب ،و لكن لم تمضي أسابيع حتي ارسل له الناشر بالمال اللازم لكي يبعث بالنصف الاول بعدما أعجبه ما قد أرسله

تعلمت أننا جميعا نريد أن نعيش في قمة الجبل ..

دون أن ندرك أن السعادة الحقيقية تكمن في تسلق هذا الجبل

 قاربت العطلة علي الانتهاء ، ما العمل ؟ قررت أن أهديها كتابا  و أضع فيه ورقة تحمل اسمي و رقم هاتفي و حسابي علي فيس بوك و إيميلي و تعريف عني و عما أريده منها ، و بالفعل فعلت ، و توجهت إلي مكان تلك الجميلة : بائعة المثلجات  و مكثت حوالي ساعتين ما بين الاقدام و الاحجام ما بين الخوف من أن ترد هديتي و الجاء في أن تقبلها ، كانت الرواية هي “العجوز و البحر” و لم أكن قد أتممتها و لكن لم يكن بحوزتي غيرها كي اهديها إياها

إذا كان مقدراً لي أن أعيش وقتاً أطول ..

لما تركت يوماً واحد يمر دون أن أقول للناس أنني أحبهم..

أحبهم جميعاً ..

لما تركت رجلاً واحداً أو امرأة إلا وأقنعته أنه المفضل عندي .. كنت عشت عاشقاً للحب ..

كنت سأثبت لكل البشر أنهم مخطئون لو ظنوا أنهم يتوقفون عن الحب عندما يتقدمون في السن .. “

كنت سأستمتع بآيس كريم لذيذ بطعم الشكولاتة .” اشتري منها المثلجات و كنت أتجاذب مها أطراف الحديث ، و أعطيتها الكتاب و سألتني بدلال : هل أنت كاتبه “يا ريت ” قلت و تركتها ،و أخيرا ، رحلت و أنتظرت أن تتصل بي أو تتواصل معي و لكن لا شيء ، مرت الايام و أنغمست في الدراسة و قراءة الادب و تعرّفت علي جابرييل جارسيا ماركيز ، و رائعته التي نشرها في الثامنة و الثلاثين من عمره : مئة عام من العزلة ، و أكتشفت ما كان سر إنجذابي لتلك الفتاة ، إنها صورة خلّدها ماركيز فيروايته :ريميديوس الجميلة ، تلك المرأة الطفلة المندهشة دوما ، مرت علي أوقاتا عصيبة كنت احس بوحدة و أبكي دون سبب ، و مرة كنت ابكي بكاء هستيريّا ، ثم وقعت علي وصية ماركيز التي نشرها علي الانترنت قرأتها فهدأت نفسي و لا عجب ، فإنه يوصف ماركيز كعلاج معرفي للاكتئاب

الغد يأتي دائماً ..

والحياة تعطينا فرصة لكي نفعل الأشياء بطريقة أفضل ..

لو كنت مخطئاً

وكان اليوم هو فرصتي الأخيرة فإنني أقول كم أحبكم ..

ولن أنساكم أبداً ..”مرت الايام و رسبت و نجحت و انضممت لفرقة موسيقية و انشغلت و لم نزر تلك البقعة مرة ثانية و في السابع عشر من أبريل 2014 أستيقظت علي خبر : موت جابيتّو ، لم أدري ما كان يجب أن أحس به و لكن

الفتي من أراكاتاكا لن يعود ليبث المرح مرة أخري

طالعت الانترنت و كل يدلي بدلوه و جلست وحدي افكر في الموت و الفقدان و لكن عزيت نفسي و أكدت لنفس أن الموت ليس سوي ولادة في عالم آخر و جلست أقرأ وصيته التي يزعمون أنه كاتبها

 مرة أخري حتي وصلت لتلك الجملة” ما من أحد ، شاباً كان أو مسناً ، واثق من مجيء الغد ..”لذلك لا أقلّ من أن تتحرك ..

جلست أحاول أن أتذكر كل ما حدث و أتساءل لو كنت

 أصررت علي هدفي كما أصر فلورينتينو إيريثا علي أن ينال فيرمينا داثا هل كان من الممكن إذا كنت أهديت بائعة المثلجات الجميلة التي نسيت أن أسألها عن اسمها ا رائعة ماركيز ” الحب في زمن الكوليرا” ”  هل كان من الممكن أن أحظي منها بمكالمة أو بجلسة وصال ؟ و لكن أطمأننت علي قلبي قررت ألا اتعذب بالحنين و جلست أكمل قراءة وصية ماركيز و وصلت  لنهايتها و ابتسمت لان الموت ما هو سوي ولادة في أبعاد أخري ”  إذا لم يأت الغد ..

فإنك بلا شك سوف تندم كثيراً على اليوم الذي كان لديك فيه متسع كي تقول أحبك ..

لأن تبتسم ..

 

لأن تأخذ حضناً أو قبلة أو تحقق رغبة أخيرة لمن تحب .” الفتي من أراكاتاكا أشهدنا علي صعود ريميديوس الجميلة للسماء ، الفتي من أراكاتاكا لن يعود ليردد: كنت سأثبت لكل البشر أنهم لا يتوقفون عن الحب عندما يكبرون في السن بل يكبرون في السن عندما يتوقفون عن الحب ، للأسف ، الفتي من أراكاتاكا لن يعود مرة أخري ليفتح باب ماكوندو

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون