د. رشا الفوال
مقدمة:
إذا افترضنا أن الخطاب في السرد الواقعي يتأسس على أرضية حقيقية تُفسح المجال للتعرف على خلفية وتنشئة الشخصية المحورية، والشخصيات الفرعية؛ ففي رواية: أيام الفاطمي المقتول، الصادرة عام 2025م، عن دار صفصافة للنشر والتوزيع، عمد الكاتب الدكتور: نزار شقرون إلى تعدد التقنيات السردية مع الارتكاز على نمط السرد الانقطاعي الواقعي الذي يتسم بطابع سياسي تاريخي بداية من العنوان، الذي تُحيل الكلمة الأولى منه: أيام إلى الزمن كعنصر مركزي في السرد؛ فالأيام تُشير إلى أحداث الماضي، وقد تُوحي برغبة في تأريخ تلك اللحظات، وقد تكون الأيام مجازًا عن التجربة أو المعاناة أو التحول المجتمعي، وهذا يمنح الرواية بُعدًا توثيقيًا استرجاعيًا. ثم تأتي كلمة: الفاطمي، والنسبة هنا تعود إلى الدولة الفاطمية، مما يفتح المجال لتأويل تاريخي. وختامًا كلمة: المقتول، الصفة هنا قلبت موقع الشخصية من فاعل إلى مفعول به، من قوة إلى هشاشة. كما إنها توحي بالفعل الماضي غير القابل للاسترجاع، بما فيه من عنف ومأساوية. القتل هنا ليس مجرد موت، بل اغتيال – جسدي أو رمزي – يُحفز المتلقي للتساؤل: لماذا قُتل؟ ومن قتله؟ وهل القتل كان نتيجة خيانة، صراع سياسي، تحوّل فكري؟، جملة العنوان كلها محمّلة بتناقض داخلي: الفاطمي يُحيل إلى المجد، الحضارة، السيطرة… والمقتول يُحيل إلى السقوط، النهاية. والمقتول أيضًا قد يكون رمزًا للضحية: ربما ضحية السُلطة، الدين، التغيير، أو حتى ضحية نفسه. والأيام هي اللحظات الأخيرة التي تسبق النهاية. ذلك التناقض يمنح العنوان عمقًا دراميًا ويعد المتلقي بشخصيات متوترة وحكاية مشحونة بالصراع. والعنوان ككل ربما يشير إلى لحظة أفول فكرة كبرى، أو إلى مأساة شخصية تعكس مأساة جماعية. معنى ذلك أن أيام الفاطمي المقتول عنوان فني مكتنز بالدلالة والرمزية والتاريخ، ينتمي إلى نوعية العناوين التي لا تبوح بكل شيء مباشرة، بل تفتح أفق التلقي على الاحتمالات والتأويل.
مع ملاحظة أن السرد في الرواية يختلف عن أسلوب السرد التاريخي؛ إذ يظل أقرب إلى ما يُسميه الناقد الكندي Herman Northrop Frye بالقص الصائب الخالد، المعبر عن روح المجتمعات ومعتقداتها وأساطيرها الثابتة في جوهرها مهما تغيرت ملامحها الخارجية.
المحور الأول: السرد الواقعي وأساليب حكاية الباطن
إذا كان السرد الواقعي الذي يحتفي بحياة الإنسان وذكرياته معتمدًا على تقنية التصوير يساعد المتلقي في تصور الأحداث وأفعال الشخصيات وحركتها؛ فإنه_ أى السرد الواقعي_ يأتي بهدف الإيهام بالصدق، عن طريق إدراج مواد غير أدبية في نسيج العمل الأدبي مثل: أسماء الشخصيات، المدن، الدول، الأماكن الحقيقية، أو ربط الأحداث بأحداث تاريخية عامة مثل تحديد السنوات وذكر الثورات(1)؛ ففي الرواية الحالية تواجهنا ” الحروف المنقوشة على شاهد القبر بخطجميل مطلي بالأسود” الله أكبر، ضريح المغفور له مختار الفاطمي، المولود في 26 جانفي 1978 والمتوفي في 17 ديسمبر 2012، تغمده الله بواسع رحمته “، ويدور الحدث الرئيسي في الرواية حول جريمة قتل: مختار بن منصور الفاطمي الباحث في التاريخ، والتحقيق في ملابسات الجريمة من خلال تشريح الجثة، مكتوب في الخبر الرسمي: “أعلنت السلطات عن وفاة مختار بن منصور الفاطمي عن عمر يقارب الخامسة والثلاثين عامًا، بسبب تعرضه لصاعقة قوية أثناء أداء عمله في البحث الميداني داخل قلعة أثرية في جمهورية مصر العربية”، وعبر امتداد ذلك الحدث ما بين البدء والانتهاء تتوالى الأحداث الفرعية التي تتجلى من خلالها شخصيات وأماكن متعددة في: تونس ومصر، مع معالجة الكاتب للأبعاد الاجتماعية والنفسية والسياسية والعقائدية للصراع بين الذات والجماعة في إطار التحولات المجتمعية والسياسية التي تشهدها المنطقة العربية.
يتفق ذلك مع افتراض أن السرد الواقعي يعتمد على الكناية التي تهتم بصلات الجوار والأماكن، وربما كانت كلمة(كناية) في اللغة العربية من السعة وتعدد المعنى، ما يجعلها فعلًا صالحة للتعبير عن جوهر الأدب الواقعي وإنصافه، ولأن الكناية تُشير إلى معنيين للعبارة، أحدهما مباشر غير مقصود، والآخر بعيد لكنه مقصود(2)؛ ولأن نمط السرد المتبع في الرواية وفقًا للحدث الرئيسي والأحداث الفرعية هو نمط السرد الواقعي الانقطاعي، ذلك النمط الذي لا يتقيد فيه الراوي بالتسلسل الزمني المنطقي؛ يبدأ الحكي من الحدث الأخير إلى الحدث الأول معتمدًا على تقنيات سردية تمكنه من ذلك مثل: الاسترجاع، الوصف، الميتاسرد الذي اتضح في الحكايات المتفرعة داخل الحكاية الأصلية ومنها استدعاء” طقوس الشعوب الأخرى في التعامل مع موتاها/حكاية الأب الإمام علي الفاطمي/ حكاية الأشقر/ حكاية: بيرسا/ حكاية: كانوبي “، الكولاج السردي الذي اتضح في” رخامة تدشين مستشفى الهبة الصينية/ واستدعاء الآية من سورة يس/ ، والتناص مع أسطورة أوزوريس، واستدعاء فيلم الرسالة/ وكتاب بطليموس وحكايا هوميروس في الأوديسه/ غنوة الشيخ إمام/ كتاب السجلات المستنصرية/اليافطة المكتوب عليها : قاعة الجندي المجهول/جملة: كافكا/استدعاء صوت وغنوة: محمد الجموسي/ وغنوة سيرة الحب لأم كلثوم/والحائط الترابي المكتوب عليه بالأحمر: لا فرق بين أعجمي وعربي إلا بالتقوى/ استدعاء غنوة الهادي الجويني/ اللافتة المعدنية المكتوب عليها: من يجاوز السرعة القانونية يُرم بالرصاص “ .
هذا وقد لاحظنا أن الالتفات لعالم الشخصيات الباطني لا يمكن فصله عن شخصية الكاتب؛ فعن طريق اندماج الشخصيات بالحدث الرئيسي والأحداث الفرعية تتبلور رؤية الكاتب وتتأطر آفاقها؛ فتتجلى وحدة الانطباع ومن ثم يمتلك الكاتب ناصية القدرة على التقدم بالبناء الدرامي(3)
وعبر ذلك الالتفات لعالم الشخصيات، تعددت أساليب حكاية الباطن التي يمكننا رصدها في النقاط التالية:
أولًا: تأدية الانفعالات الداخلية للشخصيات
تم ذلك وفقًا لطبيعة الحدث الرئيسي والأحداث الفرعية، ورصد الصراع المجتمعي في: تونس ومصر اعتمادًا على المشهدية ومكون الوصف، يقول: عبد المجيد صديق: مختار” المدينة بعد الثورة مسخ، سأنتظر عودتك حتى أتحامل على نفسي للدخول إليها مجددًا “
ثانيًا: تأدية الإحساس العام وما له من امتداد زمني مع رصد عمليات التحول المجتمعي
ذلك لأن التعبير عن الأزمات الذاتية في ظل الهم الجمعي يتجلى من خلاله الصراع بشكل أكثر شمولية، يقول الراوي العليم ” كأن المكان كله في حالة وداع أعادت إلىّ الذاكرة ذلك العشاء الأخير الذي اعدته أمي ببهارات الدموع والأسىّ “، ويقول في وصف الشارع المصري” السرعة التي يتحرك بها الجميع تقذفهم إلى منطقة اللامرئي، لا أحد يهتم بما يفعله الآخرون، الكل في لهاث من أجل العيش “.
ثالثًا: حكاية باطن الشخصيات بصوت الراوي العليم الذي اتحد تمامًا بالشخصية المحورية:
مختار فيما يخص الفكر والعقيدة عبر الديالوجات والتفاعل بين المعتقدات والعاطفة والاضطراب أثناء التعامل مع الأزمات من ناحية، والتعامل مع سوء إدراك رجال السلطة من ناحية أخرى.
رابعًا: حكاية الهواجس والخيالات والأحلام الطيفية
يقول: مختار” لقد سمعت نحيب أختي نعيمة ليلة العزاء “، وذكر الحلم الطيفي عن أبيه على لسانه أيضًا ” تهيأت لي يده في الظلام تتصفح مخطوطًا منيرًا ووجهه لا يفارق صفحاته… “، وقول الأب: الإمام علي الفاطمي” قبل ولادتك رأيت في منامي القاضي النعمان يقف عند باب البيت ويصيح: احرثا حتى يأتيكم صاحب الزرع… “، وحُلم الأم: ألفة على لسان أخيه: حسين ” قالت إنها رأتك تتخبط في الصندوق، ولهاثك يعنف أذنيها وأنت تحاول التخلص من أقفاله “.
خامسًا: حكاية الذكريات اعتمادًا على آلية الاسترجاع وآلية التداعي الحر
يقول: مختار” لم أجد على امتداد صباى مفرًا من التمرد على روايات المذهب، كنت أخفي شكي في الأحاديث اتقاء اتهامي بالزندقة “.
سادسًا: التوظيف الدرامي للرموز والأسطورة
يقول: مختار” خفت من فقدان رأس حسين “ نلاحظ أن توظيف شخصية سيدنا: الحسين بن علي دراميًا يخدم أهدافًا متعددة منها تأكيد الانفعال المكثف، حيث الإشارة إلى الحسين تخلق فورًا حالة وجدانية قوية بسبب ما يحمله من طهرانية واستشهاد، بغض النظر عن انتماء المتلقي المذهبي، والإسقاط السياسي والاجتماعي
لأن الخوف من فقدان رأس حسين، قد يكون رمزًا لخوفه من انهيار المبادئ في واقع مأزوم، أو خوفه من تحول الناس إلى قتلة للحق دون وعي، كما حدث مع جيش: يزيد.
وكذلك توظيف أشهر أساطير مصر القديمة، التي نشأت منها مفاهيم القيامة، البعث، الصراع الأزلي بين الأخيار والأشرار في قوله: “بدأ الزحام يشتد في المقبرة، وأنا أتابع حملة الصندوق، بعض تهيؤاتي السخيفة تنهال علىّ، ألم يحمل الصندوق أوزوريس بعد مؤامرة الأخ ضد أخيه؟ لست أوزوريس طبعًا، لكني كثيرًا ما خمنت أن الحياة ساحة مؤامرات “ يتجاوز الراوي العليم هنا حدود التناص إلى التماثل الرمزي، حيث ينفي تطابقه مع أوزوريس، لكنه يعترف بتقاطع التجربة الشعورية معه، هنا يتحول أوزوريس من شخصية أسطورية إلى قناع رمزي يُسقط عليه البطل رؤيته عن العالم، وتَحضُر المؤامرة كحقيقة وجودية لا كحدث تاريخي، مما يجعل الحياة ذاتها “تابوتًا” يُحمل فيه الأخيار، الأسطورة هنا تؤدي وظيفة “المرآة” التي تُضاعف أثر اللحظة الواقعية المؤلمة عبر ربطها بصراع أكبر، أقدم، وأكثر تكرارًا.
سابعًا: السرد التخييلي الذي برز في(ابتداع شخصية الأشقر)، خاصة أن إيهامية السرد الواقعي ترتكز على استدعاء العالم التخيلي المستقل الذي يتوازى مع العالم الواقعي. يقول: مختار” سمعت في داخلي صوتًا متهالكًا لأبي ينادي: عُد أيها الأشقر “.
مع ملاحظة أن هناك تقنيات تُلازم أساليب حكاية الباطن مثل الانطباعات الحسية والدراما الذهنية(4)، يقول: مختار ” أعرف شيئًا مؤكدًا وهو أن المجهول الذي أقف عليه في مدينتي ليس بعيدًا عن ذلك المجهول تحت الأرض “
معنى ذلك أن أساليب حكاية الباطن في الرواية تتجلى عبر المنولوج الداخلي، والتداعي الحر، والتناص الرمزي، والديالوجات الممتدة، مما يفتح نافذة على العوالم النفسية العميقة للشخصيات، ويمنح السرد بعدًا تأمليًا يكشف صراعات الذات في مواجهة الواقع والمصير.
المحور الثاني: تكنيكات السرد النفسي
شهدت الرواية المعاصرة تحولات كبيرة في طرق السرد، لاسيما من حيث التركيز على البُعد النفسي للشخصيات؛ فنجد أن الراوي لم يعد يكتفي بسرد الأحداث من الخارج، بل بات يغوص في أعماق النفس البشرية، مستكشفًا دوافعها، صراعاتها، وهواجسها. وقد نتج عن ذلك توظيف عدد من التكنيكات السردية النفسية التي تعزز هذا التوجه، من أبرزها:
أولًا: تيار الوعي
يُعد من أشهر تقنيات السرد النفسي، ويهدف إلى محاكاة تدفق الأفكار والمشاعر في ذهن الشخصية كما هي، دون ترتيب منطقي أو زمني صارم، من أبرز خصائصه في الرواية الحالية
غياب التسلسل الزمني الواضح، كثرة التداعي الحر للأفكار، مع الحكي بضمير المتكلم، حيث يقول بطل الرواية: ” قُبلت باحثًا بمركز الأبحاث التاريخية بالقاهرة “ ويقول: ” تفرغت للبحث في الاسماعيلية، ظللت أبحث سنوات في ذلك الخيط الشفيف الذي يربط بيننا وبين الفاطميين ”
ثانيًا: المونولوج الذهني
من مقومات تيار الوعي، لكنه أكثر تنظيمًا منه. يتمثل في الحديث الداخلي للشخصية، ويكشف عن صراعاتها النفسية وأفكارها المكبوتة. استُخدم في الرواية من أجل: إظهار التوترات الداخلية للشخصية، تحليل القرارات قبل اتخاذها، والتعبير عن المشاعر بطريقة غير مباشرة، يقول: مختار “حلمت بثورة على العقول الجامدة وتمنيت محاكمة قرون من الانحطاط “
ثالثًا: الزمن النفسي مقابل الزمن الكرونولوجي
السرد النفسي لا يلتزم غالبًا بالزمن الخارجي(الكرونولوجي)، بل يسير حسب إحساس الشخصيات الداخلي بالزمن، ما يعرف بـ(الزمن النفسي)؛ فقد يستعرض الكاتب لحظة واحدة عبر عدة صفحات لأنها مليئة بالشحنات الشعورية والتأملات. يقول: مختار” إن المدة مجرد إحساس فاتر، وفي ذاخلي إيمان بأني ما بقيت غير برهة هناك ” ويقول: ” ما بين لحظات الموت ووقوفي ذاتًا منزوعة من جسدها وقت أعجز عن تقديره “.
رابعًا: اللغة الرمزية والانزياح
يعتمد السرد النفسي على لغة مشحونة، مليئة بالاستعارات والانزياحات التي تعكس الحالة الداخلية للشخصيات، يُسهم ذلك في إضافة تأويلات متعددة للحكاية، ويدفع المتلقي للمشاركة في إنتاج المعنى. ولهذه التكنيكات أهميتها في الرواية المعاصرة؛ لأنها تُعبّر عن الإنسان الممزق بين هويات ومذاهب وصراعات داخلية وخارجية، ولأنها تتماشى مع الفلسفات الوجودية، والتحليل النفسي، والمدارس الحداثية وما بعد الحداثية التي تتناول الأعمال الروائية، ولأنها تجعل المتلقي لا يستهلك الرواية فقط، بل يعيشها نفسيًا.
خامسًا: اللازمة
تدل على عبارة إيقاعية معينة تُستخدم أدبيًا للدلالة على هيئة صور متكررة أو عبارة تحمل فكرة ترتبط بموضوع معين، وترجع أهمية وفائدة اللوازم داخل المتن الروائي في قدرتها على تحريك الأحداث الفرعية، يقول مختار: “أدركت بعد سنوات أن تدربي على الخرس ألجم صوتي، ألجم حواسي، ألجم الرغبة في التحرر من تلك المعادلات “، ويقول له الدكتور: محمد ” تعلم كيف تدفن رأسك في الكتب فلا تأبه بصراخ من حولك/ قلت لك منذ البداية كُن أصم “.
معنى ذلك أن تكنيكات السرد النفسي في الرواية الحالية ليست مجرد أدوات شكلية، بل هي انعكاس لتحول عميق في رؤية الإنسان والواقع. بالشكل الذي تقترب فيه الحكاية من الذات المأزومة، وتمنح المتلقي نافذة إلى داخل نفوس الشخصيات بكل ما فيها من اضطراب وغموض وتناقض.
خاتمة استنتاجية:
في رواية: أيام الفاطمي المقتول تلخصت مهمة القص الصائب في تقديم صورة فنية عن فترة زمنية معينة مضاف إليها الأبعاد الجمالية والعاطفية التي تكسر من جمود منهجية البطل التاريخية. وارتكزت الحبكة السردية في الرواية على فكرة البحث عن الذات الضائعة واكتشاف معاني الاستمرار والانتماء إلى شىء قد ضاع إلى الأبد.
الزمن النفسي أداة استخدمها الكاتب من أجل تقريب وجهات النظر بين المعطيات الواقعية ومردودها الداخلي على الشخصية المحورية.
وضع الحسين في خلفية المشهد يضفي على الرواية بعدًا تراجيديًا كثيفًا، حتى لو لم يكن هو الشخصية المحورية. يكفي ذكره ليحضر التاريخ كله بثقله وجراحه. واستحضار شخصية: أوزوريس يراهن على المتلقي الذي يعرف، يشعر، يتفاعل مع ما ترمز إليه الأسطورة، وهو الأمر الذي يخلق مشاركة وجدانية وفكرية عميقة.
تمكن الكاتب من تقديم الأحداث الواقعية والحقائق في قالب فني من خلال الاهتمام بالتفاصيل وتصوير نثريات الحياة قبل الثورات وبعدها.
مادة الكتابة تم جمعها بموضوعية من واقع الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وتجسدت من خلالها معاناة الذات/ المجتمع.
عبر الكاتب عن موقفه من خلال معالجته لقضية من قضايا المجتمع العربي متخذًا من التاريخ ذريعة للتعبير.
إيقاع الرواية تطلب من المتلقي عقد مقارنة زمنية بين زمن الحكاية والأحداث كما تجري في الحياة، وزمن قصها الذي تستغرقه في النص، مع ملاحظة أنه في المشاهد الحوارية بين الشخصيات يتطابق الزمنين وتتعادل الأقوال مع الأفعال.
استخدم الكاتب وجهات نظر الشخصيات واستدعاء التوازيات الدرامية، بالشكل الذي يسمح بتقديم أحداث متعددة المستويات ومواقف تُجسد جوانب حياتية متقابلة من ناحية، وبيان طريقة تداعي الأبنية الاجتماعية من ناحية أخرى.
تم توظيف تقنية تيار الوعى بطريقة متزنة، ارتكزت على تصوير الشخصيات مع توضيح إشكالية صراع الاجيال إزاء تحولات المجتمع السياسية.
الرواية تستخدم ضمير المتكلم وتسير في خط زمني أفقي يقطع وتيرته ما تم استرجاعه من الذاكرة، مع ملاحظة أن استرجاع الماضي والتاريخ الشخصي وشكل العلاقات مع الأسرة والصديق، جعلتنا نشعر بالتطابق التام بين الراوي العليم والشخصية المحورية.
…………………………
الهوامش:
1_ عبد الرحيم الكردي، السرد في الرواية المعاصرة: الرجل الذي فقد ظله نموذجًا، دار الثقافة للطباعة والنشر، 1992، ص22.
2_ صلاح فضل، أساليب السرد في الرواية العربية، دار سعاد الصباح، الكويت، ط1، 1992م، ص 61.
3_ صلاح الدوش، الشخصية القصصية بين الماهية وتقنيات الابداع، مجلة أمارأباك العلمية المحكمة، الأكاديمية الأمريكية للعلوم والتكنولوجيا، مج7، ع 20، 2016م، ص 125
4_ أمل عبد الله زين العابدين برزنجي، مجالات القص النفسي وخصائصه وقيمته في رواية: فسوق لعبده خال، مجلة كلية اللغة العربية بالمنصورة، جامعة الأزهر، ع 38، ج 1، 2019م





