“لو كنّا نطير”.. نصوص تصارع أشباح الحريّة

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام
تضم النصوص مشاعر إنسانية غاية في الرهافة، تناقش كيف تصوغ الوحدة حياة الإنسان المعاصر. ففي كل خطوة تطل الوحدة برأسها في مختلف المواقف

يقدّم الروائي باسم شرف في عمله الأخير «لو كنا نطير» الصادر عن دار دون مجموعةً من النصوص القصيرة التي تضع أمام القارئ سلّةً من الأحداث والأوجاع، محدثةً ذلك الرنين الرومانسي الذي يجيده الكاتب، كما في أعماله الروائية السابقة: «يا سلمى أنا الآن وحيد»، «جزمة واحدة مليئة بالأحداث»، والمجموعة القصصية «كفيف لثلاثة أيام».

في النص الرئيس للمجموعة «لو كنا نطير» يستعرض الكاتب عددًا من المخاوف التي تحيط بحياة الإنسان المعاصر وقلقه المستمر في مواجهة صخب الحياة اليومية؛ فنراه يخاف الموت دهسًا أو بفعل الحرب أو الأوبئة، ويخشى وسائل التواصل الاجتماعي وفضائحها اليومية. ويتمنى أن يكون للإنسان مكان واحد يلجأ إليه ليحتمي من الموت والخوف، أو ببساطة ينهي كل مشاكله ومخاوفه ويطير.

يختبر الكاتب في هذه المجموعة عددًا من المشاهد اليومية لحياة الإنسان، فيستعرض في بعض المقاطع القصيرة علاقة الإنسان بالحياة كما لو كانت مدينة ملاهٍ ضخمة، بما فيها من مشاعر متضاربة ومجنونة تجمع بين الخوف والسعادة، الإقبال والتراجع.

تضم النصوص مشاعر إنسانية غاية في الرهافة، تناقش كيف تصوغ الوحدة حياة الإنسان المعاصر. ففي كل خطوة تطل الوحدة برأسها في مختلف المواقف؛ فنرى المرأة التي تعيش بحرية وسعادة، غير أنّ الطريق الذي تختاره بملء إرادتها والحياة التي تسعى لبنائها يقودانها في النهاية إلى الشعور بالوحدة. كما في نص «مشهد منفصل عن الوحدة»، أو «ستموت وحدك يا وحيد»، أو «ثلاث خطوات للنجاة»، وهي كلها مشاهد ملائمة للوحدة.

هذه النصوص نسج الكاتب منها ثوبًا واسعًا يشرح فيه أشكال الوحدة التي لا يجد الإنسان مفراً من الوقوع في براثنها؛ وهي الوحدة التي تصوغ الحياة والتعب الذي يسكن القلب في غمار يومه. تطل الوحدة برأسها بين سطور النصوص وصور الحياة المعاصرة التي نجح الكاتب في عرض مختلف تجلياتها، وصراعتها التي لا تنتهي.

وفي نص «إذاعة نهاية العالم» يتناول باسم شرف الزمن بوصفه ذلك العدوّ والخصم والصديق المزعج للإنسان. فمن خلال تصورات النص عن الزمن والمكان نكتشف أنّ العالم، مهما تباعد، يبقى قريبًا، متوحّدًا في حالة من الجمود لا يتعدّاها.

أمّا في نص «شاعر تجمّد على الرصيف» فيقرّر الكاتب تشريح المجتمع والإنسان بمهارة في تسعة مشاهد منفصلة، حول كيف يرى الحالم العالم وكيف يواجه مصاعبه، ومتى يموت صامتًا فلا يمشي في جنازته إلا من ذكرهم في أشعاره.

ويقترض الكاتب من نجيب محفوظ – بذكاء بالغ – عنوانًا لأحد النصوص هو «أحلامي في فترة النقاهة»، حيث يحاكم نفسه ويناقشها في مشاهد قصيرة عن تقصيرها في النجاح. ويتمنى أن يصير له إنجاز يشبه إنجاز محفوظ؛ ذلك الإنجاز الذي امتد لتسعين عام، انجاز يرضي صاحبه ويجعله يتمنى أن يقرأ العابرون فوق قبره روايات محفوظ كما لو كانت رواياته هو، عبر برزخ الحياة. أمنية غريبة لكاتب شاب يتمنى أن يكون بطلاً في إحدى رواياته، يقاوم الموت حتى يوقعه الموت في فخه.

أما نص «لو كنت أطير» فهو النص المغامر في المجموعة، الذي يبدو كأنه ردّ بليغ يصوغه الكاتب على سؤاله الأبرز: إذا كان الإنسان يطير، فكيف سيبدو العالم؟

 ضمّت المجموعة رؤيةً مرهفة استطاع الكاتب أن يصوغها بمهارة. غير أنّ معظم النصوص جاء مهمومًا وحزينًا لا تنقصه شجاعة الاعتراف باليأس المحيط، بلغة أدبية رهيفة شديدة التكثيف، ليقدّم نصوصًا قصيرة وقصيرة جدًا. وتنوّع الراوي في هذه النصوص بين ضمير المتكلّم والراوي العليم، في إثراء لزوايا السرد وإيقاعاته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صادر عن دار دوّن 2024

مقالات من نفس القسم