منهج ريم بسيوني في البحث عن السعادة

البحث عن السعادة
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 د. نيرمين خليل محمد

قدمت لنا الدكتورة “ريم بسيوني” كتابا يقوم على البحث والدراسة بمنهج علمي، مما أعطى للكتاب بعدا خاص وانفرد به إذا وضعناه ضمن مؤلفات الفكر الصوفي وبعيدا عن أدب الرواية ولكنه متأثر بشخصيتها وأسلوبها الأدبي، فمعظم ما صدر لها بالعربية هي روايات أما الكتب البحثية فصدرت باللغة الإنجليزية، وتناولت مقدمة الكتاب سردا لرحلة الكاتبة في البحث عن السعادة والتعرف على الفكر الصوفي، وكيف دخلت هذا العالم؟ ومتى بدأ شغفها واهتمامها بالكتب الصوفية؟ والإشارات او العلامات التي صادفتها فواصلت القراءة ولم تتوقف عن البحث والمعرفة بكتب الفكر الصوفي والتعرف أيضا على اقطابه.

ريم والرحلة:

تروي لنا ريم أن اهتمامها بالصوفية بدأ مبكرا منذ الصغر فقرأت بشغف للشيخ “أبو حامد الغزالي” وغيره من أقطاب الصوفية، وبشكل أكثر وأعمق بكتب الفكر الصوفي مع تأليف رواية “سبيل الغارق “، وهي رواية ريم البديعة التي انتقلت ما بين العشق والنضال من أجل الحرية، وهذا مسلك بطلة الرواية ومحبوبها وتلك العلاقة التي اتسمت بروح التصوف التي امتزجت بها شخصية “حسن” وهو الشاب أو البطل الذي تقاسمت معه البطلة حكايتها وكيف تأثر بالصوفية وعلاقته بالشيخ الصوفي وانعكاس هذا على علاقته بمحبوبته وأبيها وحياته ككل.

تنتقل بنا ريم إلى جانب آخر برحلتها وهي العلامات أو الإشارات التي ثبتتها على طريق البحث والمضي قدما، فتروي لنا لقاء وصفته بالغرابة بمكتبة دار المعارف بالإسكندرية لرجل لا تعرفه و بطريقة ما وضع أمامها كتابا لكي تقرأه، وبالفعل تلقت الإشارة بقلب مفتوح، وكان كتاب “شرح الحكم العطائية” تحقيق الدكتور عبد الحليم محمود ومن هنا بداية الطريق، وبدأت تقرأ الكاتبة مؤلفات الدكتور عبد الحليم في الفكر الصوفي إلي أن تعرفت أيضا على فكر “الشيخ أبي الحسن الشاذلي” من خلال مؤلفات الدكتور عبد الحليم، وأيضا اقتربت من تراث جدها الأكبر الشيخ عبد القادر بن عبد السلام الأسمر الشاذلي الطريقة وهو أحد تلامذة الشيخ أبي الحسن الشاذلي واحد اتباع  “الطريقة الشاذلية”، ولم تنتبه ريم لتراث لجدها سوى في الوقت المناسب وبداية الطريق والبحث بالفكر الصوفي واقترابها اكثر منه.

ومن هنا دخلت ريم عالم الفكر الصوفي وكان لها موعد آخر مع القدر وعلامة أخرى ثبتت عندها نية البحث والتقدم بطريقها نحو اليقين في الدنيا والآخرة، والتجربة الإنسانية بكل ما فيها والوصول إلى الرضا في دنيا يصعب الوصول فيها إلى السعادة الكاملة كما ذكرت الكاتبة أنه هدف الكتاب وغايتها منه، وهذا أثناء زياراتها لجامع السلطان حسن رأت نفسها وقلبها يرتجف من التأثر بالمكان وسماع قصيدة البردة للصوفي البوصيري في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فانهمرت دموعها وهذا مخالف لطبيعتها لقلة استجابتها للبكاء كما وصفت نفسها، وبوقت لاحق كررت صديقة طلبها لريم بإلقاء محاضرة عن الصوفية، فقد حان الأوان إذا… فعزمت على إعداد محاضرات في الفكر الصوفي فهذا جعلها تأخذ الموضوع بشكل يتسم بالدراسة والبحث، ومن هنا كانت نقطة الانطلاق في إعداد عدد من المحاضرات ومن خلال تلك المادة سعت إلى إعداد هذا الكتاب لمشاركة القراء طريقها نحو السعادة.

ماهية التصوف

للصوفية تعريفات عدة وكلها تصب في زاوية واحدة وهي “تهذيب النفس وتنقية القلب”، وهذا ما قاله الشيخ السيوطي كما ذكرت ريم، حيث قال: “إنما التصوف السعي في إصلاح القلب وتطهيره من الأمراض الخبيثة، وتهذيب النفس وتفقد عيوبها”، وتضيف ريم أن الصوفية ليست لبس الصوف والزهد لذات الزهد بل تفكيرا عميق وفهما صحيح لفلسفة التصوف والتجرد من الأنا والتقرب ومعرفة الخالق والوصول إلى مقامات الرضا والحب للخالق.

أما صفات الصوفي فتجلت في طلب العلم ومحاربة النفس وحب الدنيا والدنيا ليست وطن كما قال ابن عربي “موطن الرحلة ليس بوطن” ولخصت ريم احتياجنا بالحياة لأدوات ألا وهي سياحة ورياضة، والسياحة السفر لطلب العلم ومعرفة أحوال البشر وتأمل النفس، والرياضة هي مجاهدة النفس وتطويعها وحدثتنا أيضا عن المقام وما هي مقامات الصوفي وكيف الوصول.

وبموضع آخر تناولت ريم الفرضيات الجدلية في المسمى وماهية الفكر، ومنها تساؤلات لماذا مسمى صوفي وليس مؤمن أو مسلم؟ مجمل القول، إن الكتاب دراسة في الفكر الصوفي وجوهره وليس الظاهر منه، وليس المسميات هي الغاية فنحن بصدد حركة فكرية اثرت في الوعي الإسلامي وكان لها من الأسماء لشخصيات مؤثرة وذكرت الكاتبة مدي تأثر الفكر الإنساني بهذا التراث الغني، وأوضحت الكاتبة إنها تحترم الطرق الصوفية والحديث عنها ليس له مجال بالكتاب، كما أكدت الكاتبة في أكثر من موضع بالكتاب، مع اهتمام الفكر الصوفي بالطريق وليس الطريقة وهناك فرقا جوهري ما بين الأمرين، وفي هذا السياق ذكرت تجربة الشيخ “أبو حامد الغزالي” وكيف أنه تأرجح بين الشك واليقين وكيف سار بطريق صعب وكانت له تضحيات في زمن صعب أوصله إلى الهداية والطريق الصحيح، وكان عرضها بليغا بهذا الموضع، واختيارها  للفقرات والأفكار، كأنها تناقش عقلها وشيوخها على صفحات الكتاب.

اما عن كرامات الصوفي فهي كما ذكر الشيخ “ابن عطاء السكندري” حيث قال: “كن صاحب الاستقامة ولا تكن طال الكرامة فإن نفسك تهزك لطلب الكرامة ومولاك يطالبك بالاستقامة”، هكذا أوجزت ريم مسألة الكرامات بحياء شديد ودون الخوض بسير أصحاب الطرق وما تداول عن كرامات البعض، فتحدثت عن ورع وتقوي وتواضع الصوفيين الأوائل وكيف ان تقوي الله والقلب الصافي هم أكبر كرامة ومعجزة.

وتميزت ريم بأسلوب كتابة راق وعناية باختيار الصيغ والكلمات، وقدمت ما أثر فيها واقتنعت به وعرضته بشكل لائق وهذا لحساسية الكلام عن الطرق الصوفية وما شابها من عورات على مر التاريخ الإسلامي.

الحاجة الى التصوف

وتتضح لنا رؤية الكاتبة بمفهوم السعادة هذا الشعور الذي يبحث عنه الجميع ولا يراه إلا سراب في اختيارات عدة بالحياة، المال، الشهرة، والسلطة…إلخ وغيرها من الأمور أو بعض الملذات الحسية…، واختارت ريم عنوانا يثير الاهتمام والتساؤل والفضول “البحث عن السعادة، رحلة في الفكر الصوفي وأسرار اللغة” أوضحت ريم أن الحاجة للفكر الصوفي هو الطريق، دعونا نقترب لبعض كلماتها بمواضع شتى بالكتاب.

من خلال سطور وصفحات الكتاب نستخلص بعض النقاط والفوائد التي تدعونا للمضي بطريق الصوفية أو فهم هذا الفكر.

-الله دوما يريد الخير للعباد فلا سبب يدعو للحزن أو اليأس.

-حب الله هو التقوى.

-المحن مكتوبة لنا حتى نرتقي.

-أفكار علماء الصوفية ألا وهي السمو وتقبل الآخر والخشوع والتواضع ومحاسبة النفس والاهتمام بالأخلاق والمجاهدة المستمرة مع الصدق والإخلاص في العمل والعلم تلك صفات إنسانية معروفة على مر العصور ولكن اليقين بانها تؤدي الي الرضا.

-الصوفي يجاهد نفسه طول الوقت وهذا الجهاد الأكبر، ويدفع هوى النفس وشرورها ويتغلب على الكبر والحسد والغيرة والطمع وكل ما نهي عليه الإسلام وكما قال أبو بكر الكتاني “التصوف خلق فمن زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك في الصفاء.

وتناول الكتاب أيضا منهج الصوفية للوصول إلى الرضا مقاما وليس حالة نتبدل من خلالها ما بين الرضا والقنوط، والمقصود هنا هو المقام ومعناه الاستقرار والثبات على الرضا ومعه صفات كثيرة ومقامات يكمل كل منها الآخر.

وأخيرا نوضح أن المقال ليس عرضا لفصول الكتاب.. بل محاوله للتقرب والتعرف على منهج الكاتبة ورحلتها  إلى السعادة كما وصفتها، بروح وبصيغ وأسلوب أدبي تميزت به، وهذا يجعلها تقترب  لروح القارئ وعقله ليعيش مع صفحات الكتاب بقلب مفتوح كما عاشت الكاتبة منذ بداية الرحلة بالبحث والدراسة وكما أسمتها بأنها الطريق للبحث عن السعادة وهي رحلة في الفكر الصوفي وأسرار اللغة كما جاء بعنوان الكتاب، وذكرت الكثير من مقولات مأثورة لمجموعة من أقطاب الصوفية ومنهجهم بطريقهم نحو السعادة المنشودة وكيف وصلوا الى المقامات، وتلك المكانة والصفاء والمحبة والتقرب الى الله وما نالهم من سعادة لا يشعر بها سوى من سلك طريقهم وكان غايته هو غايتهم ومطلبهم .

 

مقالات من نفس القسم