ندى رحيقي
رآه من بعيد فتعجب من حاله؛ كان يمشي بمشقة عظيمة، وفي أحيان كثيرة لا يستطيع أن يفعل، فيستعيض عن المشي بالزحف، أو الأنين في ركنه الحجري البائس.
” هذه هي حاله مذ أن انصرف عنه مقربوه. استغلوا ضعفه وقلة حيلته، فصنعوا له تمثالا لرجل أشوه، وغرسوه بين عينيه، ثم تركوه على قارعة الطريق، وانصرفوا… في حين بقي الفتى في مكانه، وكلما مر عليه يوم تضاءل حجمه، وضمُرت أعضاؤه، وازداد انكماشا وذمامة… إلى أن صار مسخا منطويا على نفسه يتهيب محاولة العيش”.
هكذا حكى الحاكون في أسواق المدينة للرجل الطيب، وهو ينصت إلى الحكاية بقلبه، ودون أن يعلق بكلمة. ظل صامتا إلى أن توقف الحكي، ثم مضى يشق زحام المحتشدين، نحو ركن الفتى. بادر إليه، وبسرعة استل التمثال من تحت جلده؛ ومن بين عروقه وخلاياه و… وحطمه. ثم انتزع الفتى من ضوضاء الفضوليين، وحمله الى عين جارية.
قال له وهو يحاوره:
انظر.. ما الماء إلا مرايا عائمة تطفو، وتغوص، وتتداخل، وتتعاكس، وتندمج.. أصْغ إلى خرير الماء، وتأمّل تدافع القطرات، عُدّها وتبسّم .. وهكذا ستراك!
…
لازمه مدة من الزمن يعلّمه بلطف؛ كيف ينظم صورته على المياه، وكيف يرقص منتشيا على إيقاع حبات المطر المتساقطة على التربة، وكيف يهب روحه المنهكة للبحر، ليداوي جروحها بالملح والزبد؛ ويضمدها بالطحالب..
كان يهامسه بصوت خفيض طوال الوقت، بصوت ينفذ إلى أعماقه العطشى، فيرتخي جسده وتتمدد أطرافه…
كان يناجي الفتى وهو يدلك جسده، ويمعن في مداواة شقوق ما بين منكبيه، في هدوء وسكينة، وبصدق ومحبة، دون أن يعلم أنه بذلك يلملم شظايا خاتم نرسيس على ظهره!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة مغربية . خريجة شعبة الأدب العربي من جامعة محمد الخامس، الرباط-المغرب.