علي بنساعود*
تذكرت، هذا الصباح، أنني وزوجتي، أنجبنا ثلاثة أبناء، وأننا كنا في قمة السعادة وهم صغار، نُعْنى بهم، نسهر على تربيتهم، وتوفير حاجياتهم… لكنهم، بسرعة كبروا، استغنوا عنا، عن خدماتنا…
عادت أمهم للانشغال بعوالمها المدنية، فأصبحتُ أحس بالوحدة، أشتاق إليهم، إلى طفولتهم، ولا أجد من حل غير التفرج على صورهم وهم صغار، وأحيانا أشغل أشرطة الفيديو، فتجتاحني نوبات الحزن والدموع…
وأنا أقلب صفحة هذه الذكرى، انفتحت أخرى:
اتصلت بي شقيقتي الوحيدة، كانت تبكي بحرقة، وحين سألتها عما بها، أجابتني: “أتعلم أن أبي يخون أمي؟”
بلعت لساني، وبعد لَأْي، سألتُها: وكيف عرفتِ؟
أمس، قالت، عاد في ساعة متأخرة من الليل… كان ثملا، كعادته منذ طرد من العمل، جلس على الأريكة، يتفرج على التلفاز، وبسرعة، خمد، لكن هاتفه ظل يرن منبها إلى وصول رسائل قصيرة… دفعني الفضول إلى محاولة معرفة من هذا الذي لا يستحي من الاتصال بأبي في مثل هذه الساعة! أخذت هاتفه، وكان غير محمي بكلمة سر، فحصت محتوياته، عثرت، على رسائل نصية يتبادلها مع شخص اسمه “المختار”، لكن محتوى الرسائل كشف لي أنه اسم مستعار لامرأة…!
صدمت!
كانت رسائل غرامية، يقول في آخرها إنه سئم الحياة معنا ومع أمي، ويريد إكمال حياته مع “المختار”، لأنه لم يعد يشعر بالسعادة إلا وهو في حضنها…
وكان جواب “المختار”! مختصرا: “أنا في انتظااااااارك”…
بصراحة، أبكاني الحادث، شعرت بأن هذا الرجل نذل، لا يستحق أمي، الإنسانة الطيبة المتفانية… المسكينة تعمل كل ما في وسعها لإرضائه، وضمان راحته، ولا أراها مقصرة معنا في شيء…
دون فاصل، هطل علي هذا المشهد:
طفلا، وجدتني، مرة، أتلصص على مذكرات والدتي، وكانت كتبت في إحدى الصفحات:
“أعيش على الذكرى، من أجل ابني…
منذ تزوجت، قبل سنتين تقريبا، قررت النسيان، قررت نسيان حبي الأول… لكنني، حتى اليوم، ما زلت أغالب نفسي…
رغم كرم زوجي وأخلاقه العالية، لم يستطع أن يملأ الفراغ، خصوصا أنه مجرد عامل، لا ثقافة له ولا طموح… رضيعي نفسه لم يستطع أن يخلصني من هذه المشاعر والأحاسيس المترسخة داخلي…
أحاول الانشغال باستكمال دراستي، بالرياضة وبعض الأعمال الجمعوية والأنشطة التطوعية، غير أنه يكفي أن أسمع اسمه، أو أرى وجها يشبه وجهه، ليصبح الماضي حاضرا… وحتى اللحظات الحميمية لا أستمتع بها إلا إن عَبَرَها طيْفُه…”
سمعت خطوات قادمة في الممر، أعدت المذكرات إلى مخبئها وانصرفت.
بقي أن أشير إلى أن والدي ووالدتي لم يسبق لهما أن التقيا، بل لا يعرف أحدهما الآخر، وما أخشاه هو ألا يتزوجا إذا قُدّر لهما أن يطّلعا على ما خططته لهما في لوحي المحفوظ هذا، فأظل وشقيقتي في العدم.
…………………
*كاتب من المغرب












