رجلٌ في المطار..
استجار من الأهلِ بالحُلمِ..
وقال سلام
إمرأةٌ في المطار..
استعاذتْ من البُعدِ بالدمع
وقالت وداع
شاعرٌ في المطار..
استعان على الدّمع بالشعرِ
ولم يلتفت.
مرحباً يا رحيل..
قطةٌ
رجلٌ
امرأةٌ
شاعرٌ
سفرٌ مرحليّ
زفيرٌ على عتبات الترقّبِ
ندّاهةٌ
قُبلٌ في الفراغ
فراغٌ
هجرةٌ دائمةٌ.
“وثّقوا الأحزمة”
بنتٌ في التراب..
استعانت على الشِّعر بالرقصِ
وقالت هُراءٌ بغيْر الأحبّة..
يا عاصمة.
مارس 1989، القاهرة
بوْح
لأنّ السقوطَ إلى الجُرحِ فَتحٌ
إذا صعّد النازفون الغُبار
أُلملم جُرحي
وأسقطُ فيه
وأدفنُ بين الحنايا فضاي.
وأُعلن للريح أنّي ألِفتُ التحدّي
تحدّيتُ بعضي
وأعلنُ أنّي كرِهتُ التنفّس
أنّ الهواءَ مشاع
وأوغل في البوحِ أُعلنُ أنّي
أُبدّل رأسي كثوْبي
وأنّي تبدّلتُ عنّي
فلا أنتَ منّي
ولا الكون منّي
ولا صدرُ أمي التي أشربتْني النزوعَ إليكَ
سوى ظلّ بيد.
لأنّ السقوطَ إلى الجُرحِ فتحٌ
إذا صعّد النازفون الغُبار
سأعلنُ للريحِ أنّي صنعتُك وحدي
كما كنتُ أجلو عروساً من الطين وحدي
وأُلبسها قطعةً من ثيابي
وشَعراً مُعار
وشكّلتُ منك الظلام
الجموع
النهار
أفقتُ
لأُعلن للريحِ أنّي
أُمجّد كلّ الغيوم التي حاصرتنا
فصِرنا جليد
وكلّ القيود التي أعتقتني
من المدّ والجذر
حتّى احتويتُ الوجود.
لأنّ السقوط إلى الجُرحِ فتحٌ
إذا صعّد النازفون الغُبار
سأُعلن للريحِ روحي زجاج
مناديلُ أُمي زجاج
وعينا حبيبي زجاج
وهذي المصابيحُ هذي المصابيحُ
_ رغم التوهّج _
حين يجيءُ الصباحُ زجاج.
لتصعدُ.. أسقطُ
أسقطُ.. تصعدُ.
وتمضي فأمضي
أُكفّنُ كفّي بجيبي
وأحني قوامي لكي يدخلوني برغمي
أُغطّي فراغ الرصيف بظلّي
يدوسون ظلّي
أصيرُ رصيفاً وحيداً
وحيد.
1986، المنصورة.
ضدّي
ضدّ الأمومة
ضدّ أرحامٍ تموت بغيْر إخبار الأجنّة
ضدّ تحُنانٍ يشدُّ دمي إليك
ضدّ الفراشِ الحرّ
يعشقُ رقصهُ
بين الحرائق والعطش
ضدّ المساحيق التي
…
تُعطي لخيْبتنا وجوداً
يُدخِلُ الإيقاع في جسدِ القصائد
ضدّ اتّصافك
واتّصافي
أشربُ المصل الأخير
وأستريح.
أكتوبر 1988، القاهرة.
المتصف*
أن أُحوّل أُمي إلى وردةٍ
تشتهي مطراً
_ لا أبي _
أستطيع.
أمزجُ الرملَ بالضوءِ
والضوءَ بالبحرِ
ثم أُقطّرهُ قطرةً
ترتوي بطةٌ في حقولِ الجنوبِ بها
أستطيع
لكنني عند حدّ التلامُس
حين يكون سكوتك أنضجَ من لُغتي
وقوامك أقربَ.. من ذرّةِ في دمي
حين أكبرُ في لحظتيْن
أنامُ على شهقتيْن
أفيضُ على ساحليْن
أُزوّجُ حزني لغيْثك
لا أستطيعُ احتواء التفجّر وحدي
لا أستطيع.
فرحٌ أوليٌّ
وبنتٌ
تُجرّبُ غسلَ التواريخِ
في اللحظة الخاطفة
هل أتمّ الجبرتيُّ تاريخَ مصر
بدون الإشارةِ لي؟
للطباشيرِ في حُجرة الدّرسِ
لزيّ المدارسِ
والضحكات التي يستضيءُ الفراغُ بها
هل أتمّ التواريخَ
دون اكتشاف البنات وراء الشبابيك
والغثيان الذي يخلقُ البِكرَ
حين يدبُّ التخلّقُ في جوفها
هل أتمّ التواريخَ
دون البكاءِ على المُنحني
فوق سيف التأبّي
_ عزيزٌ عليه الترابُ.. رخيصٌ عليه دمه _
هل أتمّ التواريخ حقاً؟
سأُؤرّخ للجامعة
للتظاهُر
والشُرطيّ الهزيل
يهشُّ الذباب عن القِردة
يخرجُ النملُ من فمهِ
حاملاً رزقَهُ.
سأُؤرّخ للقُبة الصاعدة
لليمام الذي استراح عليها
تُفزّعه دقّة السابعة.
سأُؤرّخ للأرصفة
لأتوبيس رمسيسَ
يحملُ سلّاتهم
سمتَهُم
كرمشات النجيل عى كفّهم
للقطاراتِ
حين تكبُّ الجلاليب
حول التماثيلِ والمئذناتِ
فتنفضحُ العاصمة
سأُؤرّخ للأرصفة
لفتاةٍ
تنامُ بكوبري المشاة على بطنها
كي تهدّ العيون
لمُحترفات الشحاذة
حين يبُلْن على السُلّمات العتيقات
يُسقِطنَ كلّ الحضارات من وعيهِنّ
فتُستبدلُ الأنظمة.
سأُؤرّخ لي
للتواريخ بك
هذه البنتُ ميّ
هذا الجميلُ لميّ
أرفضُ الموت قبل الثلاثين
كي لا تصير يتيماً كميّ
فهل أستطيع؟
معك أستطيعُ
أُخبّيء النيلَ في الأطلس
والأطلس في الدّلتا
والدّلتا في الصحراء
أستطيع
أُرقّص خادم الحجريْن
في ميدان التحرير
وآخذُ البيْعة مِمّن سرقها مني
أستطيع
أرسمُ خارطة الأرضِ
حَسبَ رفيف الوجدِ عليها
فأرى موسكو:
نيفين
ومحمّد مرسال:
مصر
والحجاز:
حاملي اللوتس والأسمنت
إلى الأدوار العُليا
معك… أستطيع
فكيف أتمّ الجبرتيّ تاريخَ مصر
بدون الإشارة لك؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* (هذا جزء من قصيدة المتصف 1989، القاهرة. والجدير بالذكر أنها كانت مهداة لشاب من مراكش اسمه عزالدين الذهبي ولكن دار الغد نصحت الشاعرة بعدم طباعة الإهداء عشان سمعتها وكده)
صدر الديوان عن دار الغد، القاهرة، يناير 1990.