شعبان يوسف
منذ أن رأيته فى أواخر التسعينيات وهو يتسلل إلى أروقة القاهرة الثقافية، وعرفت أنه من نجع حمادى، تذكرت كل النازحين الكبار مثل عبدالرحمن الأبنودى ويحي الطاهر عبدالله وأمل دنقل ومحمد مستجاب وغيرهم، ولكن هناك اختلافا جوهريا، فهؤلاء جميعا كانوا يتسمون بصفة الاقتحام، وربما الإعلان عن النفس بقوة، ودخول معارك ضارية لإقناع أبناء هذه المدينة بمواهبهم الكبيرة.
أما حسن فكان يتلمس الخطوات، ويقدم نفسه بهدوء، دون أدنى إزعاج، بعينين متنمرتين قادرتين على مسح المشهد المعلن والمستتر، كان ذلك اللقاء المبكر فى إحدى الندوات بمتحف أحمد شوقى، وكان حسن لم يلتحق بأى عمل هنا، مجرد كاتب قصة شاب، وهو لا يلحُّ فى تعريف نفسه، وربما يكون خجولاً فى التأكيد على هذه الصفة، ولكنه كان على معرفة جيدة بالمثقفين والكتاب، اكتشفت أن هذه المعرفة بالحياة الثقافية والأدبية أكبر من عمره، كذلك كان يمتلك خبرة التعامل مع الكائنات الثقافية المريضة والصحيحة بكفاءة خاصة جداً، وأظن أن هذه الكفاءة ساعدته كثيراً فيما بعد أثناء التحاقه بالعمل الصحفى فى جريدة أخبار الأدب، مما يشعرك بأن عبدالموجود دائماً مايكون مؤهلاً للقيام بأعمال سرية، وهذه الصفة التى كانت تفرض نفسها فى ذهن المتعاملين معه، كانت تبعث الريبة عند كثير من الذين تعاملوا مع جريدة أخبار الأدب، فهو مُتهمٌ عند كثيرين باستبعاد بعض المواد الثقافية والصحافية، أو أنه يعبث ويحذف فى مواد أخرى مثل الحوارات، وكذلك يبرز ما يريد إبرازه فى حوار لشاعر أو لروائى ما، أى باختصار كان أصدقاء كثيرون يتوجسون منه دوماً، ويتوهمون أنه السبب الرئيسى فى تأخر قصصهم أو قصائدهم، وأعتقد أن حسن الذى لا يفصح عن نفسه إلا قليلاً، ويصمت كثيراً، ويطلق عبارات متناثرة ولكنها حادة، هى التى تعطى عنه هذا الانطباع.
أتذكر عندما صدرت روايته “عين القط”، وناقشناها فى ورشة الزيتون، وناقشها الكبيران إبراهيم فتحى وبهاء طاهر وآخرون، كان حسن هادئاً أو يبدو كذلك، رغم أن الحضور كان فوق العادة، واشتبك كاتبان مرموقان مع المناقشين بهاء طاهر وابراهيم فتحى، واستكثر أحدهم أن يقول بهاء طاهر إن “رواية حسن عبدالموجود من أهم الروايات التى صدرت فى الفترة الأخيرة”، وقاطع مصطفى ذكرى الناقد إبراهيم فتحى بصوت عال، ورغم كل هذا الصخب الذى دار فى الندوة كان حسن هادئاً، وربما كان خائفاً، وكان على الطرف الآخر من المدينة وفى مسرح الهناجر ندوة للصديق الراحل يوسف أبو رية، وكان الحضور فيها ضعيفاً جداً، مما جعله يعتقد أنه تعرض لمؤامرة، وراح يؤكد ذلك عندما صدرت جريدة أخبار الأدب متضمنة تغطية للندوة تحت عنوان يقول “ندوة عين القط فى ورشة الزيتون كاملة العدد”، واعتقدَ يوسف أن هذا العنوان مُوجه ضده!
والحقيقة أن حسن عبد الموجود لا يجيد الترويج لنفسه، ومقارنة بالكوارث التى تداهمنى شخصياً فى هذا المجال، فأنا أعتبر أن حسن عبدالموجود ساذج فى هذا الجانب، فعندما عرضتُ عليه عقد ندوة فى المقهى الثقافى فى عام 2013 كان متردداً جداً، واقترح إلغاءها، وكانت ظروف إقامة المعرض سيئة للغاية، فالمعرض كان محاصراً بظواهر سياسية وجوية ومزايدات، وحضر حسن يوم الندوة وحضرهشام أصلان وحالت الظروف بين الندوة وحضور آخرين، وتعطلت سيارة محمود الوردانى الذى كان سيناقش الرواية، وجلسنا فى “القهوة” وكان حسن سعيداً جداً، وكأنه أفلت من فخ كنا نصبناه له، وكانت عيناه المتوتران تنظران وكأنه يتشفى من هؤلاء الذين نصبوا له الفخ، ولكن الله أفشل كيدهم، وقال لى سأكتب على صفحتى فى الفيس بوك: إن “الندوة كانت عظيمة، وشهدت جمهورا كبيراً”، ولا أعتقد أن حسن كان يمزح، ولكنه كان متأكداً أن ماحدث كان مناسباً لطبيعته، فهو لا يتقن الصداقات السريعة، وأصدقاؤه أصدقاء لهم تجارب خاصة جداً فى الحياة، مثل حمدى أبو جليل، أو الراحل أسامة الدناصورى، وبعض أشخاص آخرين يكن لهم مودات ومحبات تناسب مقاماتهم.
لا أريد الحديث عن إبداع حسن عبدالموجود لأننى أعرف أن كثيرين سيخوضون فيه بقوة، لكننى فرحان بهذا الكائن الخاص والجميل والمتنمر والمتردد الذى يتسلل بحميمية إلى الآخرين دون أى إلحاح سوى قوة الروح التى تسبقه.