رسائل لم تصل إلى علاء خالد

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 41
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

إيمان السباعي

في نوفمبر 2006 سألتقي الاسكندرية لأول مرة كإحدى ساكنيها المقيمين لا كزائرة عابرة تشارك في "هوجة" الصيف وتمضي, منذ ذلك التاريخ وأنا أحاول كتابة ذكرياتي معها أحاول ان أجعلها مدينة تخصني وهي رغم ابتسامتها الودود المغوية التي تلتقيني بها كل صباح تبقى هاربةً مني، لذلك السبب ربما بدأت البحث عن علاء خالد الذي يعرفه أصدقائي ولا أعرفه سأستمع إليهم باهتمام وهم يتحدثون عنه وعن اسكندريته وأشكل صورته في خيالي حتى ألتقيه في أمسيه ثقافيه بمناسبة صدور أحد أعداد مجلة أمكنة ،كم يشبه صورته الخيالية الطيبة والغريبة ,أفكر وتومض أمام عينيّ صورة أخرى للمدينة التي أحبها وأكتب في مذكراتي:علاء خالد..أنت تشبه الإسكندرية التي أبحث عنها.

مع بداية رحلاتي الاستكشافيه لشوارع الإسكندرية سأبدأ في كتابة رسائلي إلى علاء خالد..رسائل لم تصله أبدا..”عزيزي علاء..صباح الخير..ركبت الترام الزرقا من محطة الرمل لفيكتوريا وفي إيدي رواية حاولت اقراها لكن ماقريتش ولاكلمة..كنت باتفرج على الشوارع والمباني ووشوش الناس..تعرف..اسكندرية هي الرواية اللي لازم اقراها واكتبها”، “صديقي العزيز..فرحانة جدا ان مقر شغلي في بحري ..بيقولو بحري هي اسكندرية..النهاردة قررت أكتشف السيالة دخلت وخرجت بصعوبة..تقريبا تهت!”

تستمر متاهتي في شوارع الإسكندرية، ويظل علاء خالد بصداقته الخيالية الفريدة دليلي التائه مثلي.

سنلتقي بعدها في شوارع الإسكندرية وميادينها التي تشهد ككل ميادين مصر حلم ثورة تشب على قدمين لن يتخلى علاء عن عادته في طرح الأسئلة يدور بشغفه بين الأجساد التي أسكرتها نشوة الفرح والخوف معا فهذا هو ما يبحث عنه في مشروعه عن المكان..إنه الإنسان في المكان التاريخ الذي يكتبه الناس العاديون يسالني عن شعوري فأجيبه: لأول مرة احس ان عندي “مصر” وحاسة بالخوف لتضيع مني تاني.

بعد قراءة روايته “ألم خفيف كريشة طائر تنتقل بهدوء من مكان لآخر” أقرر زيارته في الجاليري..جاليري المحبه كما أسميه لأنه يشبه قلب وعقل علاء مكانا جميلا وآمنا يلجأ إليه أصدقاؤه..أحدثه عن الرواية التي اعتقدت أنها سيرته الذاتيه كما هي سيرة للاسكندرية فيكتب لي:لم تكن عائلتي هي التي أتحدث عنها إنما حصيلة إحساسي بالبيت والخيال” فأتعلم منه أن الإسكندرية الحقيقية التي تخصني يجب أن يشارك خيالي في صنعها.

بعد صدور مجموعتي القصصية يفاجئني علاء خالد برسالة: لقد قرأها وأعجبته ويدعوني للقاء لنتحدث عن رأيه وملاحظاته عنها. يكتب علاء في قصيدته:”كل ما نحاول أن نخفيه..تفضحه طرق سيرنا في الشوارع”. في الشارع المؤدي إلى الجاليري تفضح سعادتي طريقة سيري الطائرة وهناك أجد إلى جانب كتابي الكثير من كتب أصدقائي حديثة الصدور التي حرص علاء خالد على قراءتها وبعد حديث طويل وجميل أتركه مرغمه ولا التقيه بعد ذلك إلا في المستشفى الألماني على سريره وإلى جواره سلوى الجميلة شاحبة لكنها تحاول أن تبدو هادئة كعادتها..أنابيب كثيرة تتصل بجسده، أحاول ان أقول له:هذا ألم خفيف كريشة طائر..مجرد ألم خفيف..لكني لا أستطيع الكلام فقط أتذكر الأشجار التي كتب عنها :الليمون والياسمين والبونسيانا”كانت لشجرة البونسيانا زهورا حمراء نارية ينعكس هذا الون الدافيء داخل شققنا عبر ضوء الشمس” أتشبث برائحة الليمون لتطرد رائحة الألم وأتخيل الأنابيب أفرعا لشجرة البونسيانا أستحضرها في قلبي وأرجوها أن تعيد زهورها الحمراء لقلب صديقي ودليل روحي علاء خالد وأرجو من الله أن ينجو ويلون أيامنا ببهجة حضوره..وقد كان..

يعرف علاء خالد ماذا يعني لي ولأصدقائه لذا يمنحنا هداياه الاستثنائية دون أن ننتبه تنتصب قامته بسرعة يستقبلنا على باب الجاليري بابتسامته فنشعر أن “الدنيا حلوة”..هذه المرة عندما زرته في الجاليري وقبل أن أكتب هذه الكلمات أهداني بعض كتبه وكان يحضّر لي مفاجأة: ديوان لم أقرأه من قبل “جسد عالق بمشيئة حبر” أخبرني أنها النسخة الوحيدة لديه لذا استأذنني بأدبه الجم في استعادتها. كتبت قصائد الديوان في الاسكندرية عام 89 بغلاف الفنان على عاشور..الديوان الذي تصدرته عبارة لميشال فوكو لم يكن سوى كلمة سر جديده وبابا فتحه لي علاء خالد ليريح فضولي قليلا  لأعرفه أكثر وأشاهد دليلي التائه وهو يؤسس لمعرفته الأولى بذاته ومدينته وعالمه:

“أكل خبزا جافا كالطبيعة،ونام وهو يفتح عينيه وينظر إلى أعلى،ينتظر ريشة تسقط من الجناحين،ليثقب بها وجهه الضخم كنافورة تصعد برفق،ثلاثون عاما وعلاقات فضائية وتجربة انتحار،ثماني حبات من الأسماسيد والمراوغة على الإغماء، يشرب الانتحار لتجيء وينهزم عند الطبيب النفسي ويريه جرحه تحت الوسادة

يضحك من سذاجته ولحيته المعقدة ويرمي إليه بالخدعة: العالم”

 

رسالة إليه:

             صديقي علاء خالد..أي خدعة تلك..وأي عالم فتحتني عليه؟!

 

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم