الزَّمن لا يتوقّف

تعزيات الفشل
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

ساري موسى

ما جرى بسببِ الظّروفِ القاهرةِ التي أخّرتْ نشرَ الرّواية، ((التي ينطقُ كلُّ ما فيها بالحياة، حتّى الجمادات)) حسبَ وصفِ النّاشر، أنَّ الشّخصيات أكملتْ حياتَها داخلَ المخطوط. وعندما نُفِضَ الغبارُ وشِباك العنكبوت عنه أخيراً، كان قد أضحى شيئاً آخرَ تماماً، كما يحدثُ للفتياتِ في سنِّ المراهقة، كأنَّ دهراً كاملاً قد مَرَّ، لا مجرّدَ ثلاثِ سنواتٍ.

سُمِعتْ أوّلاً خشخشةُ أعشاب يابسة، وفرّتْ عصافيرُ مذعورة عن أغصانِ الأشجارِ المتسامقة، ثمَّ أنَّ البابُ بمِواءِ قطّةٍ جائعة، وتساقطَ طلاءٌ على البلاطةِ الأولى.

الرائحة المُغثية فوق الوصف. الجّدَّةُ الراوية ترقدُ في سريرها داخل بيتها الريفي بلا وجهٍ، وحدَهُ شعرُها الأشيبُ المضفور نجا من محوِ الديدان البيضاء السّمينة، التي راحتْ تفورُ وتندلقُ خارجَ الأوراق.

تخرّجَ حفيدها من الجامعة، وخرجَ من قصّةِ حبِّهِ العاصفة، التي شهدت الرواية تقلّباتها وانتهت بها نهايةً مفتوحة، باسمه وذكرياتٍ خانقةٍ لا غير، فهَجَر المخطوطَ والأدبَ كلّه.

كلُّ ما تبقّى هو قصّةٌ مكررةٌ لزواجٍ بائسٍ، طرفاه من طينتين مختلفتين، إذا اعتمدنا القصة الدينية للخَلق، أو من معدنين مختلفين، وفق إحدى الفرضيات الأرضيّة التي تخترق القشرة كلّها إلى المعطف المُهلي الذي تحتها، وربما الفرضية الأرضية المعدنية العميقة هذه تفسّر الانجذاب الذي حدث بينهما في بداية علاقتهما، التي راح ضحيتها طفلةٌ ستكبر بجوار أبٍ سكّيرٍ ومقامرٍ وغاوي نساء، وأمٌّ صغيرةٌ ما زالتْ جميلةً، وإن صارتْ أقلَّ غباءً، إذ فهمتْ في النهاية، وبالتجربة، أنَّ المنديلَ النّاصعَ والرّقيقَ الذي يحاول تنظيفَ قطعة الفحمِ سيتّسُخ مثلَها ويتمزّق.

…………………..

*هذه القصة من مجموتة “تعزيات الفشل” الصادرة حديثاً عن دار التنوير في بيروت، وقد حصلت على المنحة الاستثنائية لمؤسسة المورد الثقافي

مقالات من نفس القسم