هذيان

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 

محمد المسعودي

          “-إيلرود إيبش… إيلرود إيبش… إيلرود إيبش… إيلرود إيبش…”

حينما استيقظت من نومي هذا الصباح، كان الاسم يتردد في ذهني ويجول في ذاكرتي وينطقه لساني… حاولت أن أتذكر من هو.. هل هو شخصية روائية؟. هل هو كاتب مبدع أو ناقد أو فيلسوف أو عالم نفس أو سياسي؟. هل هو رسام، أو ممثل، أو مخرج سينمائي؟… عجزت لفترة عن تحديد مجال اشتغال الاسم ولمَ ورد إلى الذاكرة صباح اليوم. قلت مخاطبا نفسي:

          “-إنه، ولا شك، كاتب.. ولكن ماذا يكتب؟. ولماذا يحضرني بهذا الإلحاح؟.”

          وطفقت ذاكرتي تحاول النبش فيما يتعلق بهوية هذا الاسم. وفجأة ورد عنوان كتاب “ضرورة الفن” أمام شاشة الذاكرة المشوشة. قلت في نفسي:

“-وجدته.. إنه مؤلف الكتاب النقدي الشهير..”.

غير أن لعبة الذاكرة سفهت رأيي، ونبهتني إلى أن مؤلف “ضرورة الفن” هو إرنست فيشر، وتأكدت من الأمر وأيقنت أن صاحب الكتاب هو فيشر لا إيلرود إيبش الذي ظل مجهولا عندي يلفه الضباب والغموض في غياهب الذاكرة.

عزمت على وضع الاسم في محرك البحث (جوجل) – لما أخرج من دثاري وأغادر فراشي- لعلي أصل إلى نتيجة وينجلي سر هذا الاسم الذي انشغل به ذهني مع مطلع هذا النهار… لكنه سرعان ما غاب عني وسط انشغالاتي اليومية فنسيت البحث عنه..

          كثيرا ما استفقت في صباحاتي، وأنا أتمتم باسم ما، أو ببيت شعر (أو شطر منه)، أو بآية قرآنية، أو شطر من دعاء، أو مثل… وما شابه ذلك. غير أن ما يحيرني انهمار أسماء شخصيات لا أهتدي – أحيانا- بسرعة إلى تحديد كنهها وطبيعة كينونتها: هل هي شخصيات حقيقية معروفة أو شخصيات روائية وقصصية وسينمائية؟. وغالبا ما تكون الأسماء لشخصيات متخيلة التبست بشخصيات واقعية فعلية. هكذا ورد في يوم من الأيام اسم هارولد بلوم، فالتبس باسم ليوبولد بلوم، فلم أعرف من منهما الناقد والباحث الأمريكي، ومن منهما الشخصية المحورية في رواية (عوليس) لجيمس جويس. وبعد مدة من التفكير –ليست هينة- وعصر الذاكرة تأكدت أن ليوبولد بلوم هو بطل رواية جيمس جويس العويصة والمحيرة التي استغرقت مني وقتا وجهدا كبيرا حتى تمكنت من قراءتها… وفي دواخلي كنت أستشعر حالة خوف فادحة من هذا النسيان أو كثرة تذكر الأسماء وتبعاته. وهكذا صرت أتساءل:

          “-هل هذه بداية الخرف أم بوادر الإصابة بالزهايمر؟. ألهذا الحد صرتُ لا أميز بين الخيال والواقع… وصارت الأسماء تترى على الذاكرة بدون نظام ويختلط حابلها بنابلها؟ !… ويحك يا أبا حيان… ويحك يا توحيدي… ويحك يا طنجي.. استعد لنهاية تاريخك.. استعد لظلام وجودك..”.

          واشتدت بي التوجسات.. وانتابتني الهواجس كلما خطرت لي أسماء جديدة.. وتكرر هذيان الذاكرة وشرخها، وازداد هذا القلق حينما صرت أخلط بين بعض الصديقات والأصدقاء ممن أتواصل معهن ومعهم في العالم الافتراضي الأزرق (الفايس بوك وتويتر…)، وبين شخصيات روائية.

في يوم نطق لساني باسم ناتاليا كالينينا وأنا أحسب أنها بطلة إحدى روايات تولستوي الشهيرة. وغاب عن ذهني، بالمرة، اسم آنا كارنينا. ولم أعرف لم انثال على الذاكرة هذا الاسم، في هذه اللحظة، دون غيره. وطاف بي طائف شك، فألفيتني أتأمل اللحظة، وأحاول أن أتذكر، وأن أفهم ما يجري… أحسست أني لم أعد أفهم نفسي.. ودارت في داخلي أسئلة شائكة:

“-هل يفهم من حولي ما لا أفهمه؟. وهل يمكن أن أُفهم الآخرين ما لا يُفهم؟. هل أنا من تبلبلتُ أم أن كل من حولي تبلبل وصار غير قابل للفهم؟. هل هذه حالة أحياها دون الناس أو عرفها آخرون؟….”

          بل استفحل الأمر إلى طرح أسئلة أخرى:

          “-أأنا أبو حيان التوحيدي الطنجي؟. هل أنا شخصية فعلية واقعية أو شخصية ورقية متخيلة؟. وهذا الهذيان هل هو هذياني أو هذيان إنسان آخر؟…”

          حرت في معرفة كنهي كما حرت في معرفة إيلرود إيبش وهارولد بلوم وليوبولد بلوم وصديقتي الافتراضية ناتاليا كالينينا وآنا كارنينا وجاك لندن ودافيد لندن ودايزي ستون وأوليفير سطون ومحمود السعدني وصلاح السعدني… وأسماء أخرى كثيرة لا يعلم إلا الشيطان – نعلة (لا لعنة) الله عليه- مصدرها وكيف تخطر على بالي لتنغص علي صباحاتي.. وتدفعني إلى تفكير.. وقلق.. وحيرة…

          “-هل أنا أبو حيان الذي يحادثكم؟.. هل أنا خيال أو حقيقة؟.”

مقالات من نفس القسم