ومن أهم الأشياء التي تعجبنى فى أبى تحديده لهدفه، فبالاضافة إلى خبرته الكبيرة فى الحياة التى قد تميز بها في نظرى عن بقية الأشخاص، فقد تمسَّكَ بموهبة الكتابة حتى أصبح من أشهر الكُتّاب الذين أمتعوا العالم بكتاباتهم .
أما رأيى في كتابات أبى، فهو رأى متواضع، وقد كوَّنتُ هذا الرأى عندما كان أبى يعطينى رُزَما من الأوراق حتى أرسم على جانبها الأبيض بعد أن طبع هو على أحد جانبيها رواية أو قصصا له، لا أعرف لماذا أراد أبى التخلص من هذه الأوراق، هل كانت نسخًا تجريبية؟ هل كانت غير مكتملة، أو ربما بها بعض الأخطاء، وفى يوم كنت جالسًا فى سريرى قبل أن أنام، وأمسكتُ بورقة وبدأتُ قراءة القصة التى كانت مكتوبة فى ظهرها، وكان ذلك منذ زمن، حتى إنى نسيت ما قرأت، ولكنى أذكر أنى ظللت أبحث عن الصفحة التى تلى تلك الورقة فى رُزَم الورق حتى وجدتها، وظللت أقرأ بهذه الطريقة حتى لم أجد فى إحدى المرات تكملة القصة، و لكنى عزمت على أن أقرأ كتب أبى حتى أتذكر تلك القصة، ربما أبى لا يعرف هذا لأنى ظللتُ محتفظًا بتلك القصة حتى ضاعت منى عندما انتقلنا إلى بيتنا الجديد، وقد اندهشتُ من قدرة أبى المذهلة على التأليف، وقد ازدادت دهشتى عندما طلب أبى أن أخبره رأيى فى القصة التى سيقرأها علىّ، وقد أذهلتنى القصة، ووددتُ أنأعرف كيف استطاع أبى أن يأتى بكل تلك الأحداث والشخصيات من عدم.
ومن هنا، قررتُ أن أبى كاتب رائع.
ومن عادات أبى عند الكتابة الانعزال عنّا، وكأنة يعصر مُخّه من كل الأفكار التي يمكن أن يُكمل بها قصته، مع مراعاته للتسلسل، والأخطاء التى كان يُعيد فحص قصته حتى تخلو منها تمامًا.
وأنا حقًا أريد أن أعرف هل من عادات كل الكُتّاب الانعزال عندما يبدأون الكتابة مثل أبى، أم أنه الوحيد، وهل التأليف يتطلب حقًا كل هذا العناء؟
ولكن، فى كل الأحوال، أنا فخور بأبى لإصراره وخبرته وشهرته وإبداعه، وحبه لعائلته وإخلاصه لها.
…………….
*رسام من مصر