ياسر عبد الحافظ: الستينيون رسخوا لفكرة الكلام بلا معنى

121.jpg
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 

مهند الصباغ

يمكن للقارئ أن يدرك من اللحظة الأولى التى يقرأ فيها رواية "كتاب الأمان" لياسر عبد الحافظ، أنه أمام روائى متمرد، يرفض الأسلوب التقليدى فى الكتابة والحكى، ويرى أن النص الأدبى لا بد أن يحمل أفكارا وفلسفة تعبر عن الحياة المعقدة والتفاصيل الصغيرة للعلاقات الإنسانية المتداخلة.

الروائى والصحفى ياسر عبد الحافظ يحاول البحث من خلال روايته الجديدة عن الحقيقة من خلال شخصيات روايته بأسلوب أدبى مختلف عما نقرأه هذه الأيام. صاحب رواية "كتاب الأمان" والصادرة عن «دار التنوير» بالقاهرة، والتى جاءت بعد روايته الأولى «بمناسبة الحياة»، والتى انضمت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر، يحدثنا فى حواره معنا عن روايته الجديدة، وجيله من الكتّاب، ورؤيته حول وضع الثقافة حاليا، فإلى نص الحوار:

 

 

1

مهند الصباغ

يمكن للقارئ أن يدرك من اللحظة الأولى التى يقرأ فيها رواية “كتاب الأمان” لياسر عبد الحافظ، أنه أمام روائى متمرد، يرفض الأسلوب التقليدى فى الكتابة والحكى، ويرى أن النص الأدبى لا بد أن يحمل أفكارا وفلسفة تعبر عن الحياة المعقدة والتفاصيل الصغيرة للعلاقات الإنسانية المتداخلة.

الروائى والصحفى ياسر عبد الحافظ يحاول البحث من خلال روايته الجديدة عن الحقيقة من خلال شخصيات روايته بأسلوب أدبى مختلف عما نقرأه هذه الأيام. صاحب رواية “كتاب الأمان” والصادرة عن «دار التنوير» بالقاهرة، والتى جاءت بعد روايته الأولى «بمناسبة الحياة»، والتى انضمت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر، يحدثنا فى حواره معنا عن روايته الجديدة، وجيله من الكتّاب، ورؤيته حول وضع الثقافة حاليا، فإلى نص الحوار:

■ ما رأيك فى وضع الثقافة حاليا؟ وهل تأثرت بالأحداث السياسية الأخيرة؟

– هناك تأثير كبير للسياسة على النشاط الثقافى فى الفترة الأخيرة، وقد كانت هناك فكرة سابقة لدى كتّاب جيل التسعينيات عن عدم الاشتغال بالسياسة وبالهم العام، رغم أن جزءا كبيرا من كتابات هذا الجيل انصبت على الهم اليومى والتفاصيل الصغيرة للحياة.

وفى حقيقة الأمر لا يمكن لكاتب أن يعزل نفسه عن الواقع الذى يعيشه، لأنه جزء منه، يؤثر فيه ويتأثر به، كما أن الكتّاب المصريين بشكل عام يعملون فى مجالات لا علاقة لها بالإبداع الروائى، فيواجهون المعاناة ذاتها التى يواجهها باقى الشعب، خصوصا فى فترة ما قبل قيام ثورة يناير.

وبعد قيام الثورة بدأ اهتمام الكتّاب بالسياسة بشكل كبير، وكان ذلك أمرا محمودا فى بداية الأمر، ولكن مع مرور الوقت بدأت شخصيا التأثر بشكل سلبى بالانشغال بالسياسة، خصوصا مع تطور الأحداث بشكل لا يستطيع أحد معه مجاراتها، كما أثرت السياسة على الثقافة بالسلب على مستويين، الأول: على المستوى الواسع الخاص بتراجع الاهتمام بالثقافة بشكل عام، وهو الهامش الذى كانت تمنحه الدولة سابقا، والمستوى الثانى: يتعلق بتراجع الاهتمام بالكتابة، بسبب اهتمام النخبة والكتّاب بالشأن السياسى بدلا من الكتابة الإبداعية.

 

■ ذكرت فى بداية حديثك كُتّاب جيل التسعينيات، فهل تعتقد أن هذا الجيل أصبحت له ملامح مميزة، أم أنه ما زال يحتاج إلى مزيد من الوقت؟

– أعتقد أن جيل التسعينيات تشكل بالفعل، على الرغم من أنه كتّابه ما زالوا يفكرون فى نوعية النصوص التى يكتبونها، كما أن السمة المميزة لهذا الجيل انشغال كُتّابه بالنص الأدبى وخلق مداخل جديدة لإبداعه.

كما أن جيل التسعينيات هو الجيل الذى استطاع تقديم شكل جديد بعد جيل الستينيات، الذى كان مؤثرا بشكل كبير، وقضى على جيلين من الكتّاب، وذلك يعود إلى علاقة جيل الستينيات بالدولة، واستخدام الآلة الإعلامية لتلميع عدد منهم، فى الوقت الذى لم يُنظر إلى جيل التسعينيات نظرة نقدية حتى يمكن تقييمه وتحديد نقاط القوة والضعف، بالإضافة إلى عدم اهتمام الدولة بكتّاب هذا الجيل وحصول عدد منهم على جوائز باعتبارهم يمثلون مصر فى الخارج.

 

■ وعلى ذكر جيل الستينيات.. كيف ترى هذا الجيل؟ وهل تأثرت به؟

– رأيى فى جيل الستينيات سلبى، وقد كتبت مقالا فى «أخبار الأدب» منذ سنوات حول تقييم هذا الجيل، واختلافى مع هذا الجيل سببه أنه غير مخلص للأفكار التى قدمها فى كتاباته، خصوصا فى ما يتعلق بالعدالة، والحرية، وهناك مواقف كثيرة تدل على ذلك، فى الوقت الذى نجد فيه مبدعين غربيين يتخذون مواقف تتفق مع كتاباتهم، كالكاتب الإسبانى خوان غويتيسولو، الذى رفض تسلم جائزة القذافى للأدب لأنه ديكتاتور.

كما أن هذا الجيل رسخ لفكرة أن الكلام بلا معنى، فيقوم هؤلاء الكتّاب بالحديث عن الحرية، ويقتصر دفاعهم عن حرية الإبداع فقط فى دولة نسبة الأمية فيها تتخطى الـ45%، ولكن لا يدافع عن حرية المواطن والعدالة الاجتماعية، وعلى الرغم من ذلك فقد تأثرت بعدد من كتّاب هذا الجيل لأنى أتأثر بكل نص جميل حتى لو كان صاحبه متناقضا مع نفسه، وبغض النظر عن الستينيات كنت بالصدفة أقرأ منذ أيام لأبو حيان التوحيدى وهو شخص متناقض جدا، فكان يشكو دائما من الفقر، وفى الوقت ذاته ينافق السلاطين ليحصل على الأموال مقابل نفاقه لهم.

 

■ من الكتّاب الذين أثروا عليك سواء من الأدب العالمى أو المحلى؟

– الحقيقة أن كتّاب أمريكا اللاتينية والغرب لهم التأثير الأكبر علىّ وعلى كتاباتى، مثل ماركيز وجوزيه سارماجو وفرانس كافكا، إلا أنى تأثرت ببعض نصوص الكتّاب المصريين، منهم صنع الله إبراهيم، وجمال الغيطانى، ومحمد البساطى.

 

■ ننتقل إلى الحديث عن روايتك الجديدة «كتاب الأمان».. تداخل شخصيات الرواية خلف شعورا بالالتباس لدى القارئ، فهل كان ذلك متعمدًا؟

– بالتأكيد لم أقصد إرباك القارئ، أو الكتابة بمستوى صعوبة ما، وهناك عدد من أصدقائى قرؤوا روايتى الأولى «بمناسبة الحياة»، وأخبرونى أنها صعبة وتحتاج إلى مجهود فى قراءتها، وانزعجت من ذلك، لأن الصعوبة من وجهة نظرى لا علاقة لها بجودة الرواية، ولذلك حاولت فى الرواية الجديدة أن لا تكون هناك أى صعوبة فى النص، وعندما قرأت الرواية بعد الانتهاء من كتابتها حدثت نفسى «المفروض الرواية تبقى سهلة بس مش للدرجة دى»، ثم يضحك ويكمل حديثه، ولكن فوجئت بعدد ممن قرؤوها يخبروننى أنها صعبة، وأن مستوى السهولة الذى أتخيله ليس هو المستوى ذاته لدى القراء.

 

■ ومن أين جاءت لك فكرة هذه الرواية؟

– فى مرحلة الشباب قرأت كتاب «جمهورية أفلاطون»، وجذبتنى فكرة هذا الكتاب، فهذا الفيلسوف العظيم يتحاور مع أهل أثينا، حول أفكار فلسفية مثل أيهما أفضل الخير أم الشر، وعندما يجيبه أحدهم بأن الخير أفضل، يبدأ هو بتقديم أدلة تثبت أن الشر أفضل من الخير، من خلال جدل طويل، حول مفهوم هذه القيم.

وهذا الكتاب سيطر علىَّ لفترة طويلة، وكان هناك تعبير عن فكرته فى روايتى الأولى، ولكن تجسد فى رواية الثانية «كتاب الأمان» بشكل أعمق، بالإضافة إلى تأثير قصة «الخضر» علىّ، الذى يقتل غلاما من أجل الخير، فما تتصور أنه شر هو خير، فالموضوع لا علاقة له بالتعريفات، والمسألة وفق تعريف كل شخص، ولذلك فأبطال الرواية يشكون فى كل شىء بما فيه القيم الثابتة لدى المجتمع.

 

■ اعتمدت فى الرواية على تسريب عدد من الأفكار الخاصة.. لماذا اعتمدت على هذه الطريقة فى كتابة الرواية؟ وهل خفت أن يتهمك أحد بالافتعال؟

– لدىَّ يقين فى الأدب، هو أن كتابة الرواية ليست مجرد حكى، وأظن أن مسألة الحكى قد انتهت منذ فترة طويلة، ولا أرى جانبا فنيا فى الحكى من أجل الحكى، وأقوم بتسريب أفكارى عبر شخصيات الرواية، إلا أنه لا بد من تسريب هذه الأفكار بشكل منطقى حتى لا يبدو الأمر مفتعلا، وحتى تنسجم الأفكار مع كل شخصية من شخصيات الرواية حتى نهايتها، ولا تتسرب فكرة من شخصية إلى أخرى دون أن يشعر الكاتب بذلك.

 

■ إيتالو كالفينو كان يؤكد دائما على ضرورة البساطة فى الرواية.. وهو ما تفتقده فى أعمالك.. ألا ترى أن ذلك قد يقلل من جودة العمل؟

– البساطة كلمة نسبية، لا يوجد لها معنى أو تعريف واحد متفق عليه، فأنا مثلا قرأت نظرية النسبية لأينشتاين، ولم أفهم جزءا كبيرا منها، ولا يمكن أن أتهمه بالصعوبة والتعقيد لمجرد عدم فهمى لكتابته، إلا أن الأمر يتوقف فى النهاية على مقدار الجهد الذى يبذله القارئ.

كما أن العالم معقد بشكل كبير، فلا يمكن أن أعبر عنه بكتابات بسيطة، لأن ذلك سيتنافى مع تركيبة الإنسان المعقدة وغير الواضحة، وهنا لا أقصد تعمد الصعوبة حتى أبدو كاتبا مختلفا، ولكن التعبير عن العلاقات الإنسانية لا يمكن اختصاره بشكل سطحى كما كنا نشاهد فى الأفلام العربى القديمة.

 

■ لماذا لم تعتمد على الحبكة البوليسية المعقدة رغم أن الرواية لها علاقة بالجريمة؟

– الواقع أنى لم أقرر طريقة الكتابة قبل بدء العمل فى النص الأدبى، فالكاتب يكتشف نفسه مع كل رواية يقوم بكتابتها، فلا توجد كتابة بقرار، بالإضافة إلى عدم تفضيلى الكتابة بالطريقة التقليدية عن الجريمة من خلال لغز معقد يتم الكشف عنه من خلال أحداث الرواية.

 

■ نهاية الرواية تبدو كأنها مبتورة.. لماذا قررت إنهاء الرواية بهذه الطريقة؟

– الرواية تتشابه مع الحياة بشكل كبير فى استمرارها دون الوقوف عند حد معين، فلا توجد لها نهاية واضحة الملامح، أو مثلا تنتهى بانتصار الخير على الشر، لأن ذلك يخالف الواقع، وإذا لم تكن النهاية مبتورة بهذا الشكل فذلك يعنى استمرارى فى كتابتها إلى ما لا نهاية.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

مهند الصباغ

صحفى – مصر

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلا عن صحيفة التحرير القاهرية

 

مقالات من نفس القسم