* يرى البعض ان ثمة تشابها بين روايتك «أوراق العائلة» وروايتك السابقة «ويأتي القطار» فما رأيك في هذا؟
ـ ربما جاءت هذه الفكرة من أنه كان قد قيل ان رواية «ويأتي القطار» سيرة ذاتية لي، بالاضافة الى أن الطفل كان يحكي، وفي رواية «أوراق العائلة» بالاضافة الى اسمها الذي يوحي بهذا فإنها تأتي أيضا على لسان طفل يتصفح تاريخ أسرته، وأوراق عائلته، وبالتأكيد يوجد في العملين شذرات من حياتي، ولا توجد رواية لي – بالمناسبة- تخلو من هذا، وانما لا هنا حياتي كاملة ولا هناك أيضا، الإطار فقط متشابه، لكن الأحداث مختلفة تماما.
ـ على عكس جميع اعمالك السابقة جاءت هذه الرواية من وجهة نظر ذكورية خالصة في النظر الى المرأة، هل قصدت هذا؟
ـ لا.. بل النص تطلب هذا، ففي رواية «فردوس» واحدة تحكي، فجاءت الرواية من وجهة نظر أنثوية، وهو ما أرهقني بشدة، لأنني كنت متنبها أثناء كتابتها كيف تنظر المرأة الى الأشياء، وكيف تفكر فيها، وما الذي تلتقطه نظرتها، كنت أنظر الى الأحداث بعيون أنثى، وأسأل النساء كيف يفكرن في الأشياء، أما هنا فلأن ذكرا هو الذي يحكي، فقد استعرت عينه، لذلك جاء الخطاب الروائي ذكوريا كما ذكرت.
* يوجد تشابه بين «أوراق العائلة» وسابقتها «فردوس» في أن كلتا الروايتين تقومان على علاقة محرمة، ففي «فردوس» ثمة علاقة بين الابن وزوجة أبيه، وهنا علاقة بين الرجل وزوجة ابنه، لماذا الاصرار على هذه التيمة؟
ـ أثناء كتابتي لرواية «فردوس» ـ وهي تقترب من علاقة محرمة ولم تتم هذه العلاقة ـ تولدت فكرة رواية «أوراق العائلة»، فبدا كما لو كانت مسألة العلاقات المحرمة استهوتني، وأردت أن أطرقها وأنتهى ثم أنني شعرت بأنني لم أخرج كل ما في داخلي عن هذه العلاقة، فكتبت «أوراق العائلة» حتى انتهى منها، مع ملاحظة انه في كلا العملين لم تتم العلاقتان، ولم أكن حريصا على أن تكون العلاقة مكتوبة بشكل واضح لأني شعرت أن هذا قد يسيء الى العمل، وقد شعرت بعد هذه الرواية أنني لن أعود الى هذه الموضوع مرة أخرى.
* لماذا يبدو الجنس في جميع أعمال البساطي هاجسا رئيسا وأساسيا ومحركا للشخصيات؟
ـ وما الخطأ في هذا، الجنس مثل أي شيء آخر في حياة الانسان، الأكل والشرب والنوم وغير ذلك، هو جزء حيوي ومحرك في كثير من قرارات الانسان فلماذا التخوف منه فعندما يكتب بشكل غير مبتذل فعلى القارئ ألا يتخوف منه، انما نحن كمجتمع شرقي عربي مازلنا متخوفين من ذكره أصلا، ونعاقب عليه في تربيتنا، على مجرد التفكير فيه، ونحاول أن نتخلص منه الآن، ما أريد قوله هو أننا يجب أن نتعامل معه على أنه شيء طبيعي في حياة الانسان ولا نخجل منه.
* المرأة دائما عندك مظلومة ومضطهدة ، وفي روايتك الأخيرة بالذات حيث تموت المرأتان مبكرا، تحت وطأة ذكورية المجتمع، ألا ترى ان هذه النظرة قديمة؟
ـ وهل الواقع غير ذلك، هل المرأة عندنا في مصر غير مضطهدة، وتعيش حياة بائسة، لا توجد امرأة في العالم مهمشة، ومضطهدة مثل المرأة العربية والمصرية، حيث لا حقوق لها، ولا حتى متطلبات رئيسية، وبالتالي فإن المجتمع ذكوري لأنه يفرض هذا على المرأة ويضرب حولها سورا من الهيمنة والاضطهاد.
* أنت من أكثر المعارضين لما يسمى بالكتابة النسوية التي استشرت لكن هيئة الكتاب أصدرت سلسلة أخيرا بعنوان «إبداع المرأة» مما يعني الاصرار على التسمية فهل كنت على خطأ؟
ـ لا .. لم أكن مخطئا، ولكن هيئة الكتاب هي المخطئة، لأن هناك أدبا وغير أدب لأنه لا يوجد أدب نسوي كما لا يوجد أدب ذكوري، وأفضل من كتب عن المرأة الذكور، نجيب محفوظ عندما تكلم عن حميدة في «زقاق المدق» وعن نساء الثلاثية بأحلامهن وأفكارهن وليوتولستوي حينما كتب «أناكارنينا» وبولفير في «مدام بوفاري»، لا يستطيع أحد ان يقول ان المشاعر عند المرأة وقف على المرأة الكاتبة، ومن هنا فإن مصطلح الكتابة التسوية نوع من التجمل القبيح والزائف والساذج، والمفروض ان تعف عن ذلك، لأن هناك كاتباً فقط، والذي فعلته هيئة الكتاب شيء أبله، وحتى بعض الكاتبات اللائي نشرن اعمالهن في هذه السلسلة كن مستاءات جدا، ولا أدري ما الهدف من ذلك.
* أسألك أنا.. ما الهدف من ذلك؟
ـ بعض الكاتبات في مصر كتابتهن دون المتوسط، وهن اللائي يسعين لما يسمى بالكتابة النسوية ويهللن لها حتى يندمجن في كوكبة من الكاتبات المتميزات
*لماذا يبدو ثمة طفل دائما في أعمال البساطي، الروايات والقصص القصيرة، هل هو الحنين الى كتابة سيرة ذاتية؟
ـ لو أنك تابعت قصصي القصيرة ستجد أكثر من عشر قصص فيها هذا العالم الذي أحبه، ويجذبني جدا، وكتبت فيه عدة تنويعات، وأكون سعيدا جدا عندما أصف مشاعر الطفولة، لكن هذا ليس له علاقة بالسيرة الذاتية، التي لم أكتبها في أي عمل، ولن أكتبها لأن فيها الكثير من الفضائح، وما زلت أوهم البعض أن هذه الأعمال سيرة ذاتية لي وهي ليست كذلك.
* سعيت في روايتك «أوراق العائلة» الى كتابة رواية أجيال، وقدمت بالفعل أربعة أجيال متتالية، كيف جعلتها مختلفة عن روايات الأجيال التي قدمت من قبل؟
ـ لا أدري ان كانت هذه الرواية تسمى رواية أجيال أم لا، لأن رواية الأجيال طبقا للأعمال التي قرأتها تكون مجلدات، وتتعدى الألفي صفحة، ودائما كل جيل يطرح زمنه وجيله، في حين ان في روايتي لم يكن عندي هذا الهاجس اطلاقا، لأطرح زمني، ومجتمعي، ولذلك لا أقول انها رواية أجيال، قد أكون تناولت فيها أكثر من جيل ولمست بقدر ما استطيع لمسات ضعيفة للمجتمع المواكب لكل جيل، لكنني أحسست أنني لو اهتممت بهذا أكثر ستنقلب الرواية الى شيء آخر.
* لكن ثمن انفصاما وانقساما بين الأجيال التي قدمتها في الرواية، هل تلمح بهذا الى شيء؟
ـ العلاقة بين الأجيال هي جوهر العمل، وكان لها تخطيطات في رأسي، من الممكن ان تصل الى القارئ أو قد يفسرها كما يشاء، لكني لن أفرض رأيا كان في ذهني، ربما لم يتضح بشكل كاف في العمل، وأؤكد أن جوهر العمل هو العلاقات بين هذه الأجيال.
* ما ردك على الاتهام الموجه اليك بأنك تكتب القرية القديمة التي لم تعد موجودة الآن؟
ـ القرية الحالية لا ملامح لها، ضاعت مع اجراءات الرئيس المؤمن أنور السادات من انفتاح وتطبيع، وضاعت منها احلام كثيرة، وملامح أكثر من المجتمع المصري الذي كنا نقترن به، لذلك أحاول بقدر الامكان أن أمسك بلحظات وأشياء جميلة في الريف المصري قبل أن تضيع تماما، لأني أحب القرية القديمة بفقرها وجمالها الذي لن يعود أبدا، أما الآن فهي شيء بشع، لا قرية ولا مدينة ولا أى شيء، لا اكتبها لأني لا أحبها وستكون كتابتي عنها هجوما، والعمل الأدبي لا يقوم على هذا، لا بد أن تكون فيه حميمية لا أحسها مع القرية الجديدة.
* هناك اتهام موجه «لأوراق العائلة» انها مكتوبة من أجل السينما، بالاضافة الى أن مساحة الحكي فيها واسعة، بمعنى ان لك عملين في السينما وهذا هو الثالث ما رأيك في هذا؟
ـ الرواية لا تصلح اطلاقا للسينما، لأن الرواية بها أربعة أجيال، وامرأتان فقط، وهو ما يعني صعوبة تحويلها الى عمل سينمائي، وهذا في كل اعمالي «صخب البحيرة» لم تجتذب أحدا لأنها لا تصلح للسينما و«ليال أخرى» كان رضوان الكاشف قد اشتراها لكنه مات قبل ان يخرجها، ثم أنني في فيلم «خريف آدم» اقترحت على المخرج أن يضم قصتين اخريين الى جانب القصة التي اختارها حتى توسع قماشة الفيلم، أما هذه الرواية فلا يوجد بها دور رئيسي أو دور وحيد لبطل، بمعنى صعوبة تحويلها الى سينما.
* ألا يشغلك تحويل أعمالك الى سينما إذن؟
ـ لا. لست مشغولا بهذا، «خريف آدم» كانت عبارة عن قصة قصيرة اقترح المخرج عليّ تحويلها الى فيلم وأغلب المخرجين قالوا لي أن أعمالي لا تصلح، ولست مهتما بهذه المسألة، وستفقد اعمالي الكثير اذا تحولت الى سينما لأن المخرج قد يأخذ جانبا من العمل وهو غير مستحب للكاتب.
* لك تصريح شهير قلته منذ ثلاث سنوات، عند حصولك على جائزة العويس «لا يشرفني أن أحصل على جائزة الدولة التقديرية» ألا زلت مصرا على هذا؟
ـ بالطبع، لأن الجوائز المصرية فقدت مصداقيتها وأصبحت تعطى لمن لا يستحق وقد أخذها كل من هب ودب، ومن لا يجيد الكتابة، ولأن غرضها الأساسي هو المجاملات وارضاء بعض المسؤولين مثل الوزراء واقاربهم وبعض الصحافيين، فكيف يسعدني اذن الحصول على جائزة مثلها، لن تضيف اليّ شيئا، والمفروض في مثل هذه الجوائز أن تراعي النزاهة والبحث عن المواهب الأصيلة حتى تكتسب احترام الجميع.
* هل هذا يعني انك تؤيد ما فعله صنع الله ابراهيم حين رفض الجائزة؟
ـ بالطبع، أولا لأنه موقفنا ضد المؤسسات الثقافية منذ زمن، ومازلنا عند هذا الموقف، وسنفقد مصداقيتنا ككتاب بالحصول على مثل هذه الجوائز.
* هل هو موقف ضد المؤسسات الثقافية فقط أم غير ذلك؟
ـ اذا كانت السلطة نزيهة وتعمل للصالح العام حقيقة فنحن معها، ولكن انظر ماذا تفعل المؤسسات الثقافية من تخريب ثقافي لا نستطيع أن نفعل حياله شيئا، سنوات ونحن نعيش عصر التدهور الثقافي فلا كتاب ولا سينما ولا مسرح ولا تثقيف للريف المصري ولا أي شيء ماذا تفعل وزارة الثقافة. الثقافة ليست محتاجة الى وزارة من الأصل، وربما لو تركوها من غير وزارة سيكون أفضل، لأننا كنا سنشكل الهيئات من أنفسنا، ونشكل ما نحتاج اليه من تنظيمات تضامنية تتقدم بالثقافة، لكني لا أفهم كيف يظل مسؤول بالثقافة الى ما يقرب من عشرين عاما رغم فشله الذريع في تحقيق أي شيء جيد، لقد كان رجل واحد في الزمن الماضي اسمه طه حسين صاحب مشروع، لذلك اكتسب كل المحبة والاحترام، حتى بعد موته بسنوات طويلة.
* في رأيك كيف يتعامل المثقف مع السلطة؟
ـ في مصر والبلاد العربية عموما يمشي أغلب المثقفين الذين يريدون ان يستفيدوا أو يتواجدوا على الساحة رغم مواهبهم المتواضعة، في ركاب السلطة، وهم كثيرون للأسف، لأن السلطة وسعت من رقعة العطاء، وأصبح مفهومها أن تكتسب أغلب المثقفين بالعطاء وبعطايا هزيلة تصل أحيانا لتذكرة طائرة ، ورغم ذلك يوجد مثقفون وطنيون يقفون ضد السلطة خاصة حين تخرج عن الديمقراطية وحرية التعبير، ومن هناك تحدث اشكالية في كل الوطن العربي أن المثقفين ـ دائما ـ منقسمون، قسم تابع، وقسم غير تابع، والمستفيد من هذا الشقاق هي السلطة لأنها تجعلهم في تناحر وشقاق دائم والحل الوحيد أن يوجد تنظيم ثقافي خارج المؤسسة الثقافية يتجمع حوله كل المثقفين، لكن حتى هذا غير مسموح به، والتنظيم الوحيد المسموح به هو اتحاد الكتاب، وانظر اليه ستراه هزيلا غير قادر على اتخاذ أي موقف، فقط يحاول ان ينشئ جوائز لا فائدة لها وكتبا لأعضاء مجلس الادارة لا يقرؤها أحد ويأخذ نقودا من الوزارة، وهو ما جعله مهمشا وغير قادر على الفعل.
* برغم عدم انتمائك لأي تنظيم سياسي، أو حزب معارض الا انك تبدو دائما الأكثر اثارة للجدل وللرفض؟
ـ لأني غير راض عن الحكومة وعن وضعنا في العالم، وأحس أننا مهانون أكثر مما نستحق، لأن مصر من المفروض ان تكون غير ذلك تماما، ومكانتنا في العالم تدهورت بشكل لا يرضي أحدا، والاحزاب التي عندنا ما زالت ضعيفة، وغير مسموح لها بالنمو، ولابد أن يكون الحزب الحاكم هو الأكبر والأقوى والقادر حتى في الانتخابات والتمثيل الحكومي حتى في المجلس التشريعي الذي لا صوت له، الأحزاب اكتفت بالجرائد التي تصدرها وهي صوت جيد الى حد ما، غير ان ذلك ليس هو المطلوب بل أكثر حتى نحس أننا بلد ديمقراطي، وأننا أصبحنا على مستوى مصر وتاريخها وحضارتها.
* مشكلتك مع الروايات الثلاث التي صودرت هل جعلتك حذرا من التعامل مع المؤسسات الثقافية؟
ـ أنا لم ولن أتعامل مع المؤسسات الثقافية بعد هذه الأزمة على الاطلاق تعاملي فقط مقتصر على دور النشر الخاصة مثل الآداب وميريت ودار الهلال وهي ليست من المؤسسة الثقافية لأنها مستقلة.
* لو عرض عليك مرة أخرى العودة الى هيئة قصور الثقافة هل ستقبل؟
ـ لا طبعا. لا هيئة ولا غيرها كانت تجربة دفعوني اليها دفعا بحجة رفع مستوى أداء السلاسل الأدبية وكان معي زملاء من جيل الستينات للاشراف على سلاسل أخرى، فأحسست انه واجب عليّ، خاصة ان هذه السلاسل كانت فرصة كبرى لنشر يباع بثمن زهيد، قادر على أن يصل الى كل البقاع في مصر، وقد أفلحنا في ذلك مدة السنتين اللتين قضيناهما رغم التعب الشديد في هذا المكان، وارتفع مستوى السلاسل فعلا وأصبحت شيئا نفتخر به حتى حدث ما حدث ولم نسمع بعد ذلك عنها قط.
* لماذا وقعت على بيان الستة قبل مؤتمر المثقفين العرب، وقبل أن تعرف وقائعه؟
ـ بعد انتهاء المؤتمر تستطيع ان تقول انه كان معنا حق في البيان الذي أصدرناه، لأنهم أصدروا بيان القاهرة وقالوا فيه كلاما كثيرا، ولم يتحقق أي شيء ، وثانيا أظهرت اميركا وجهها القبيح وظهر ان هذا هو المطلوب، وهو ما نبهنا اليه في البيان، وأننا لسنا في حاجة الى أوامر من اميركا لكي نعقد مؤتمرا للمثقفين، ان أى تغيير داخل أوطاننا يجب ان يكون بأوامر من داخلنا وليس من أميركا، انظر ماذا يحدث الآن من اختراق للوسط الثقافي والاعلامي في مصر من محاولات اميركية، ومن أوامر أصدرها الرئيس الاميركي جورج بوش أخيرا ورددها بعده وزير الخارجية الاميركية كولن باول وهو في الخليج لتقول ان بيان الستة كان على حق في التنويه والتحذير من هذا المؤتمر