سوسن الشريف
وددتُ التأكد أن صديقتي ستنقذني من خيوطه الحريرية الملونة، ألححت عليها مررًا للبوح باسمه، من رفضها المستميت للإفصاح عنه، عرفت أنها أحبته.
لا يمكنك حماية شخص تكرهه، وتريد الانتقام منه، تخفيه في طيات الكتمان، إلا إذا كنت تحبه، بحجم كل ذلك الغضب الكامن بداخلك، وكل هذا البغض .. المؤقت، تحبه وتخاف عليه أكثر من خوفها عليّ الوقوع بين براثنه، بصمتها تقدمني إليه كقربان شهي لتنال رضاه.
من وصفها، استطعت بيسر معرفته، فصرتُ أروي لها تفاصيل عملي معه، ولقاءاتنا المتكررة، دون الإفصاح عن ما كنت أراه بعينيه من مشاعر تنمو يومًا بعد يوم، وتمنعي يزيده اقترابًا ويلهب بتحدي رجولته. لو أخبرتها، ستحركها الغيرة، تستعر بداخلها وتمتد إليّ لتحرقني ببرود، ستحاول إبعادي فقط لهذا السبب، وليس خوفًا من ملاقاة مصير قلبها المعذب في حبه. لم يساورني الخوف يومًا الوقوع في شبكته، فقد كانت واضحة، يمكن رؤيتها بلا جهد، يُظهرها بفجاجة ما فعله معها. لا أنكر تسليتي بهذه اللعبة، أحب الألعاب مع هذا النوع المغرور، ففي الغالب، ينقلب رفضه رغبة وتعلقًا أكثر، ثم حبًا مشتعلًا، وما أطيب رائحة هذا القلب وهو يحترق ببطء.
حزينة من أجل صديقتي… من أجل صداقتنا… من أجل احتراق قلبي معها
نقلت أخباره لها بكل أمانة، أدق التفاصيل التي لا تطلبها لكن أعرف أنها تهمها ككل من تحب في صمت، لعبتُ دوري بمهارة، ولم أظهر معرفتي بكامل القصة والأبطال، سمحت لها أحيانًا التلاعب بي، إلا حينما طلبت مني التقرب أكثر لتعرف مدى استجابته للدلال الأنثوي. تراجعت واعتذرت، اعتذارها لم يمح تألمي، ألهذا الحد هان الود بيننا عليها!! ألهذا الحد لم أعد أعني لها شيئًا!! بينما هو كل شيء. يبدو طريقنا للعودة مسدودًا، فحينما يؤنبها ضميرها كما يبدو في صوتها وعينيها لاستغلالها إياي، تتراجع على الفور أمام رغبتها، فتعود الغشاوة التي استبدلت الصديقة، بكونها مجرد طعم.
لا أتظاهر بالبراءة مستمتعة بلعب دور الضحية، بل غريق تتعلق عيناه ببر أمان، بيد أقرب صديق، إنني أراهن بسنوات صداقة هنا يا من تبحثوا عن الصداقة. هي من اختارتني في بداية معرفتنا، اختصتني بالائتمان على أسرارها وكل تفاصيل حياتها، وهي من ستتركني أغرق، ما زلتُ آمل أن يخيب ظني رغم دفعها المستمر لي نحو الأعماق، لم يعد تحت قدامي أرض، لا يوجد هواء كاف للتنفس…
ستضحي بي … بتُ على يقين من هذه الحقيقة رغم إنكاري الواهي الواهم، ستتغلب حاجتها إليك على ما بيننا، أنت لا تفهم حاجة مثل هذا النوع من النساء. لا لا تقارنها بحاجة الرجال إليهن، الأمر بالنسبة لكم لا يتعدى فوران القهوة على النار، هادئة كانت أو مرتفعة، ما إن تنتهي، ينتهي معها كل شيء، يذهب الرجل ليبحث عن نوع آخر من القهوة، ويمكنه استبدالها بنسكافيه لا فرق كبير بالنسبة لكم. أتحدث هنا عن حاجة المرأة إلى رجل، ليست الحاجة الأنثوية فحسب، بل حاجة كاملة، هادئة وثورية في ذات الوقت، لا تنتهي، تجعلها توافق أن تتخذ حيزًا ضيقًا في ركن بحياتك، بينما تمتلك كل حياتها، تقدمها لك عن طيب خاطر وبسعادة، مكتفية بالقليل منك، على أن يكون هذا القليل مخلصًا وصادقًا.
وأحيانًا تتنازل عن هاتين الصفتين، كما فعلت صديقتي . ..
لا أٌخفي عليك ألمي وهي تدفعني إليك دفعًا، تتظاهر بنسيان اسمك، بينما تسرد بإسهاب صفاتك، متغزلة في فكرك المتجدد المستنير، وفي الوقت ذاته تحكي عن معذبها باسم مستعار فكاهي. تجاهد كثيرًا لإخفائك وظهورك في الوقت ذاته، لدرجة ساورني الشك أنك ذلك الشخص الذي أعرفه. لكن إصرارها على ذكرك باستمرار، دون أي مناسبة، من صفات الذي يحب بلا أمل، بمنتهى القوة واليأس.
نعم أنت من تحب .. وأنا من تقتلني بداخلها بدمٍ بارد.
تقرأ هذه السطور ولا تعرف أنها عنك، وعندما تقرأها هي ستعرف أنها عنها، ستعرف ما فعلته بي لأجلك، ستتألم… احتمال، لكنها ستتوارى خلف غضب زائف مني، ستتهمني بخداعها، ستجد كثيرًا من المبررات لقطع صلتها بي، لكن بداخلها، ستكون على يقين بخيانتها وتمزيق ما بيننا بقصد ووحشية. ستسامحك على كل ما فعلته بها، لكن لن تغفر لي غرقي بعد تخليها عني، ستمزق صورنا وذكرياتنا، ستتركني أموت بداخلها، لتحيا أنت.
لا تغضب، تذكر أنك انتصرت على سنوات صداقة .. هزمتنا بقليل من الصمت.