ترجمة: أحمد شافعي
موظف البنك في مبغى العمياوات
دخل موظف البنك يختال إلى مبغى العمياوات، قال “إنني الراعي، وإنني أنفخ ناي الراعي كلَّ حين، ولكنني ضاع مني قطيعي، وأشعر الآن أنني في لحظة فارقة من حياتي”. قالت امرأة “بل أرى من طريقتك في الكلام أنك موظف في بنك تتظاهر أنك راعٍ لتثير شفقتنا، وإنك فعلا مثير للشفقة وقد تدنَّيتَ كثيرا لكي تخدعنا”. قال موظف البنك للمرأة نفسها “وأنا أقول لك، يا عزيزتي، إنك أرملة ثرية تطلب بعض المتعة، وما أنت عمياء أصلا”. قالت المرأة “وهذه الملاحظة الأخيرة تشي أنك في النهاية قد تكون راعيا حقًّا، فأي أرملة ثرية هذه التي تحترف البغاء من أجل المتعة ثم تجد نفسها في نهاية المطاف مع موظف في بنك”. قال موظف البنك “أحسنت”.
شارع عند نهاية العالم
“ألم نكن من قبل في هذا الشارع؟ أظننا كنا، وأظنهم ينقلونه كلَّ بضع سنين، لكنه يظل يرجع بغربانه، وغصونه الميتة، وحواجزه المتهالكة، وطوابيره البشرية الخارجة للتو من الأفق الذي يرتد خاويا لحظة يتركونه. وماذا عن المدينة المسوَّرة بعصافيرها الحائمة وشمسها الغاربة، ألم نر هذا من قبل؟ وماذا عن السفينة الموشكة على الإبحار إلى جزيرة أقواس قزح السوداء، وزهور منتصف الليل، والمرشدين السياحيين الملتحين إذ يلوِّحون لنا؟”. “نعم يا عزيزي، ذلك أيضا رأيناه، فلا بد أن تمسك الآن بذراعي، وأن تغمض”.
أي مكان .. أي مكان
لعلي أتيت من البلد العالي، أو ربما من البلد المنخفض، لا أتذكر من أيهما. لعلي أتيت من المدينة، لكن أية مدينة في أية بلد، هذا ما لا أعرفه. لعلي أتيت من ضواحٍ لم يأت منها سواي. من يدري؟ من يقطع بأنها كانت تمطر أو أن شمسها كانت ساطعة؟ ومن يتذكر؟ يقولون إن أشياء تجري على الحدود، ولا أحد يعرف أية حدود. ويتكلمون عن فندق هناك، لا يهم إن دخلته أأحضرت حقيبتك أم نسيتها، فثمة أخرى في انتظارك، وكبيرة، ولك أنت بالذات.
الوصول الغامض لرسالة غير معتادة
كان ذلك يوما طويلا في المكتب بعده رحلة طويلة إلى الشقة الصغيرة التي كنت أعيش فيها. ولما وصلت هناك فتحت النور ورأيت على المنضدة مظروفا عليه اسمي. أين كانت الساعة؟ أين كانت الروزنامة؟ كان الخط لأبي، ولكنه كان قد مات منذ أربعين عاما. وكما قد يحدث، بدأت افكر أنه ربما، أعني لعله لا يزال حيا، يعيش حياة سرية في مكان ما قريب. وإلا فما تفسير المظروف؟ ولكي أهدئ من روعي، جلست، وفتحته، وتناولت الرسالة. “ولدي العزيز” كانت البداية. “ولدي العزيز” ثم لا شيء آخر.
غرفة الطوارئ عند الغروب
كان القائد المتقاعد حزينا. فغرفته في القلعة كانت باردة، وكذلك الغرفة التي في الناحية المقابلة من القاعة، وكذلك كل الغرف الأخرى. ما كان ينبغي له أن يشتري هذه القلعة من الأساس، خاصة وأن هناك قلاعا أرخص وأدفأ معروضة للبيع. ولكن منظر هذه القلعة أعجبه، بأبراجها الحجرية المنتصبة في هواء الشتاء، وبوابتها الرئيسية، بل وبخندقها المتجمد ـ الذي فكر أنه يوما ما سوف يتزلج عليه ـ وما له من فتنة فضية. صب لنفسه كأس براندي وأشعل سيجارا وحاول أن يركز على أشياء أخرى ـ كانتصاراته الكثيرة وشجاعة رجاله ـ لكن أفكاره كانت تحوم في دوائر ضيقة، فلا تكاد تستقر هنا، حتى تنتقل إلى هناك، كالريح تنتقل من مدينة خاوية إلى مدينة أخرى ليست أقل خواء.
…………………………..
*مارك ستراند (1934 ـ 2014)، شاعر أمريكي، كندي المولد، له العديد من الكتب من بينها “الرجل والجمل” الصادر عام 2006، و”عاصفة المرء الثلجية” عام 1998، والذي فاز بجائزة بوليتزر في الشعر، و”الميناء المعتم” عام 1993 و”حياة مستمرة” عام 1990، و”أسباب للانتقال” عام 1968. ومن أهم كتبه صعبة التصنيف كتاب “الأثر” الذي أوشك أن يحصل في السبعينيات على جائزة بوليتزر لولا أن رئيس لجنة التحكيم اعترض لأنه مكتوب بالنثر. صدرت له منذ أيام أعماله الكاملة محتوية كتبه من 1968 إلى 2012. ترجم إلى الإنجليزية أشعارا لرفائيل ألبرتي، وكان أميرا لشعراء الولايات المتحدة ومستشارا شعريا لمكتبة الكونجرس ومستشارا ورئيسا لأكاديمية الشعراء الأمريكيين، وهو حاليا أستاذ للأدب الإنجليزي والمقارن بجامعة كولومبيا.