وصايا الكتابة.. وصفات سحرية للإخلاص في الإبداع

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد الكفراوي

بحرفية شديدة، يربط الشاعر الكبير أحمد الشهاوي بين الكتابة والمحبة، فهما -إجمالا وكما يذكر في أكثر من موضع – صنوان.

في كتابة الأحدث “وصايا الكتابة.. كيف نكتب ولماذا؟” الصادر عن الدار المصرية اللبنانية، لا يكتفي الشهاوي بوضع وصفات ونصائح وخريطة للكتابة الإبداعية، بل يتجاوز ذلك بوضع كامل خبرته على مدى ما يقرب من 40 عاما بين يدي القارئ، ليجد من يغوض في هذا العمل نفسه في قلب تجربة ملؤها الزخم والمحبة والإخلاص.

في مستهل العمل تأتي هذه الجمل الافتتاحية لتعطي ملمحا عن ماهية الكتابة الإبداعية ومبررها ومنبعها “تذكّر أنه لا أحد سيجبرك على الكتابة، فالكتابة منح وهدايا وعطايا وغنائم مفاجئة لا أحد يتوقعها”. وكأنه بهذا المفتتح يتحدث عن فعل قدري لا دخل للإنسان فيه، بقدر ما يجد نفسه مدفوعا إليها بفعل قوة سحرية من مكان قصي، وربما من اللامكان.

منذ البداية يؤكد الشهاوي على أهمية الدأب والإخلاص وصولا إلى التفرد: “اكتب، وبعد وقت طال أم قصر ستعثر على صوتك الذي يميزك عن سواك، ما عليك إلا المحاولة والسعي والتجريب”. ولا يخفي قيمة المتعة في ومن الكتابة باعتبارها غاية في حد ذاتها، فالكاتب لا يهدف إلى إمتاع القارئ بقدر ما يستهدف إمتاع نفسه هو شخصيا، من هنا تبرز قيمة الكتابة كفعل وممارسة ممتعة في حد ذاتها.

أما عن الربط بين الكتابة والمحبة، فيختار الكاتب “الحدس” كخيط سري يجمعهما “لا كتابة دون حدس، ولا محبة دون حدس”. ويعتبر الحدس هو الأداة التي لا تخيب أبدا، مؤكدا أن هناك صوفيين إشراقيين سجلوا بالحدس الذي هو ماء الروح تجاربهم النادرة الفريدة. 

وتبرز التأثيرات الصوفية والتراثية في التأصيل للكتابة وقيمتها ومنبعها وتأثيرها على البشر وحتى تقنياتها المخفية منذ المفتتح الذي اختاره الكاتب مقولة للعماد الأصفهاني (1125 – 1201)، يشي بهاجس عدم الرضا الدائم عن المنتج النهائي للكتابة، وما فيه من عبرة باستيلاء النقص على البشر.

تتجلى التأثيرات الصوفية في إعلاء قيمة الخيال بفصل يتضمن هذا المعنى، يختتمه الكاتب بجملة “الشاطح أو ابن الخيال مخلص للحق والحقيقة، ليس واهما، هو ابن الفعل المضارع المستمر،وليس ابنا لأفعال الماضي، هو ابن للحدس والعرفان والحس والعقل والتاريخ، وابن لوجْدِه”.

تتوالى النصائح أو الوصايا في جمل مركزة كعنوان لفصول الكتاب منها “انطلق بلا قيد واكتب لتعبر عن ذاتك أولا”، “اكتب بأسلوب سهل وسلسل وواضح”، “اقرأ تراث الأسلاف”، “عندما تكتب كن دافقاً كنهر”، “أحبَّ لتكتب”، “لا أكتب إلا عما أعرفه”، “كلما قرأت مئة صفحة أكتب فقط مئة كلمة”، “الشرح يقبر الإشارة”.

ويعلي الكاتب من قيمة المراجعة والحذف والتنقيح والتمحيص في النص حتى يلقى رضا في نفس كاتبه، وهو ما يتضح من فصول “يحذف ما لا أريده في جغرافيتي” فالكاتب يجب أن يراقب نفسه، وأن يصنع جغرافيته الإبداعية الخاصة، ويتخلص مما يحاول التشويش على هذه الجغرافيا التي تعد سمتا مميزا للكاتب.

 وفي فصل آخر بعنوان “أمة تعيش على التهذيب والتلخيص والاختصار” يقارن بين نوعين من الاختصار والتهذيب والتلخيص، أولهما محمود بمعنى “أن تهذب عباراتك حين تكتب، يعني أن تجعلها حسنة، خالية من النواقص والعيوب والأغلاط والاعوجاج، كي تكون يسيرة دالة دون معاظلة أو تفاصح”، وثانيهما مذموم مرفوض وهو تهذيب التركة أو الإرث الأدبي أو الإبداعي لكتب التراث أو حتى التدخل من واقع سلطة النشر لتهذيب عمل كاتب آخر، وهو ما يصفه الكاتب “أن يقوم رجل من بيننا بتهذيب كتاب تركه جدي إرثا لي، فهذا يعني أنه يذبحه بالتلخيص والحذف، وإبعاد ما يراه – هو- إضافات غير لازمة”، ويرى أن “التهذيب أو التلخيص (لكتب التراث) هو تدمير لإرث حي يعيش بيننا”، ويشير إلى استعانة دور النشر بمن يهذب الكتب، حيث أصبح التهذيب مهنة، ويعتبر المُهذِّب كالمُختِّن، ويرى أن الكتاب المختون لا يمتع، فهو كالمرأة المختونة، فلا هي تستمتع ولا هي تُمْتعُ.

تتوالى النصائح والوصايا التي يزخر بها الكتاب ممزوجة بتجارب حياتية ثرية في مسيرة الكاتب الإبداعية، وتعاطيه مع أكثر من جنس أدبي مثل الشعر والرواية، ليقدم لنا خلاصة تجاربه، لتكون بمنزلة خطة طريق أو إضاءات مهمة على درب الإبداع.

 

 

مقالات من نفس القسم

art
قص الأثر
موقع الكتابة

نسبية