هرطقة ليوم واحد ..

ضحى الديب
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ضحى الديب 

عزيزي،

يقولون إن العالم على حافة الانهيار، أعاصير من القلق والترقب لفجيعة مُتنبئة الحدوث .. مساجد عُطلت، أبوابٌ غلّقت، أعلامٌ نُكست، مقابرٌ كُدست، ومؤذن يُنادي في الناس متهدجًا “أن صلوا فيه رحالكم”

ومع كل هذا العبث الكوني لم تنسَ أن تُحضِر لي شاي التوت، وأن تُعد لنا العشاء يوم عطلتك المُرتقب، وأن تقرأ لي قبل النوم كدأبك بل وحتى لم تنس أن تحمل عني حقيبة يدي الصغيرة لأتحرك بدلالي الذي تُحب!

يا عزيزي لا يضرني العالم وأنتَ حولي، ولا يسوؤني من الطرق الفارغة هذه إلا أنني لا أستطيع أن أمشي معكَ فيها لنطبع على كل شِبرٍ منها ذِكرى نيِّرة جديدة تُضيء و لا تحرق.

واعلم أن كل همٍ بوضع رأسي على كتفيكَ زائل، و كل فرحٍ لا تكون أنتَ فيه شريكي ناقص، و كل وجعٍ لا يمرُّ بك فهو عليَّ هيِّن .. وإن كانت هذه ليلتنا الأخيرة لا تشغل بالك أبدا ..

دعنا فقط نشرب الشاي من كوب واحد ونكمل أحاديثنا التي لا تنقطع عن الجمال والحب والشِعر ولا تلتفت للخارج أبدا دع الموت يزحف إلينا على مهل ولنرحب بالحبيب الذي جاء على فاقة.

…………………….

ليوم واحدٍ -عزيزي- و بلا سبب منطقي واضح والكثير من الأسباب اللامنطقية الخفية أريد أن أفتعل شجارًا مع أحدهم، أن أتحدث كثيرا بكل أبجدية أعرفها، أن أرقص ربما على كل نغم أٌوحي به إلى عالمنا. ليوم واحد أريد أن أمارس جنوني و تعقلي، رضاي وسخطي، فوضاي وتراصفي، لليوم و اسمح لي فقط ليوم واحد أن أرسم العبوس على وجهي و أن أبكي بحرقة أم ثكلى وأن أتوسد الحزن وأتلحف باليأس، ولا تسأل لماذا أو تصرخ في تريد تبريرا لكآبة المدللين هذه، فليس كل البلاء شيء من الجوع ونقص من الأموال و الأنفس و الثمرات .. تأمل قوله “ولنبلونكم بشيء من الخوف”!

لليوم فقط ولهذا الصباح المشرق و الحزين – عزيزي- أريد أن أمارس طفولتي البعيدة و أنوثتي الموؤودة و أتحرر من قيود الواجب والمفروض قليلا ربما أرتدي تنورة نيلية قصيرة وأربط خلخالا ناعما أسفل ساقي وأسدل شعري في تسريحة أقرب ما تكون للفوضى، أركب دراجة هوائية زرقاء مزينة بشرائط وردية. و أيضا أريد .. أريد أن أصلي و أزاحم العباد على عتبات العرش و أدعوالله بالشفاء وأنا المعافاة و بالرزق وأنا الميسورة و بالحب و أنا ..!

لليوم لن أكون شاكرة لكل إحسان كنت في الأصل البادئة فيه، سأترك نافذتي مفتوحة على مصراعيها وأكتب قصائد ليست بقصائد، وأرسم لوحة ليست بلوحة تكون فيها الحرب سجال بين الألوان .. مزيج من النور والظلمة لكن حتى ظلمتها و حلكتها تسطع فيها النجوم!

هرطقة ليوم واحد فقط أكون فيه ما أريد لا ما يٌراد و أتخفف من أثقال لا تُشبهني و أحزن لأنني كسرت قلادتي دون أن أٌتهم بالسخف و أضحك لابن الجيران دون أن أُقذف بالعهر, وألعب مع صغار الحي دون أن أُرمى باللامسؤولية!

لليوم فقط –عزيزي- وغاية ما يمكنك فعله لفتاة على شاكلتي هو أن تُخفض رأسك لتلك الموجة و تنتظر!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة مصرية 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون