الفتاة التى تخيط قلبها

الفتاة التى تخيط قلبها
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ولو أن شخصًا يمكنه أن يعيد إلى الليل ذاكرته، سيكون هذه الفتاة، التى تعرف حكايتها كل امرأة خاطت لليل جرحًا، فكلما أصيب فى حادث ما، وقامت امرأة أو فتاة بخياطة جرحه، حكى لها وهو شبه فاقد للوعى عن فتاته تلك، يقول إنه يراها كل ليلة فى طريقه، مهما كانت خطورة الشوارع والأماكن التى يمر بها، حتى لو دخل مسارات تحت الأرض اختصارًا للمسافة، يجدها جالسة على جانب الطريق، وقد صنعَتْ فى صدرها شقًا صغيرًا، تُخرج منه قلبها، وتضعه فى حجرها لتخيطه بتأن، بينما تلمع بين أصابعها إبرة فضيّة، مشبوك بها خيط رفيع يمتد إلى ما لا نهاية، تظل الشابة تخيط قلبها الصغير، حتى تَمَسّه بإبرتها فى نقطة ترتجف طوال الوقت، فينتفض بشهقة عميقة، ولا يكون واضحًا وقتها إن كان يحاول الإفلات منها أم يحضنها.

عند هذا الجزء من الحكاية يرتعش صوت الليل، ويقول لمن تخيط جرحه إنه لا يرى دمًا ينزف من قلب الشابة، إنما يسمع له تنهدات لم يعرف أبدًا إن كانت للألم أم الراحة، ويشمّ منه رائحة لم يعرف اسمها أبدًا، رغم كل ما عرفه فى حياته، كأنها مزيج من رائحة كل زهور العالم، يحكى الليل أنه يتوقف فى كل مرة، ولا يحوّل عينيه عن الشابة المشغولة بخياطة قلبها إلى أن تنظر إليه، حتى لو اضطر أن ينتظرها يومًا أو يومين، فيرى فى عينيها ما لم يعرفه حتى الآن، وعندما يسألها إن كانت تحتاج أىّ شىء، تنظر إلى قلبها وتواصل خياطته، دون أن يتوقف هذا القلب عن النبض والتنهد.

تلك هى الحكاية الأشهر، التى تعرفها كل فتاة أو امرأة خاطت لليل جرحًا، حتى إنها عندما تخرج صباحًا وتقول لنساء العالم: “أنقذتُ حياة الليل”، فإنهن لا يلتفتن كثيرًا لملابسه التى تعرضها لهن وفيها دمه الذى لا يجف، إنما يسألنها إن كان قد حكى لها شيئًا ما، وفقط بعد أن تحكى بالتفصيل حكاية الشابة التى تخيط قلبها، وتصف بدقة اللحظة التى يرتعش عندها صوت الليل، يُصدّقنها دون حاجة لأن يتشممن ملابسه، فرائحة دمه المعروفة تصل لكل واحدة فى مكانها.

ـــــــــــــــــــــــ

مقطع من رواية بعنوان “ألف جناح للعالم”.

 

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون