نصوص نثرية

نصوص نثرية
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

1

فراشة سوداء بجناح مرقط الحواف دخلت غرفتي منذ قليل أتأملها فأتذكر عنوان كتاب هنري ميللر "ربيع أسود"

أيمكن أن تكون فراشة سوداء قد أوحت إليه أنها ظل الربيع؟ .

أعود فأتذكر و الفراشة لم تزل تحلق قلقة ما كانت تقوله أمي عن البشائر غير أن فراشة سوداء لاتنذر ببشرى بل تعكر الخاطر وتبعث إلى الظن أنها روح فراشة عبرت الموت تاركة ألوانها في عهدة النار . وإلا كيف نعلل زهاء النار إن لم تودع الفراشات حلي أجنحتها في خزائنه آن تعبر الستار الشفيف بين شوقين .

تتخبط الفراشة أكثر فأكثر ، ماذا يمكن أن تكون فراشة سوداء سوى فراشة عمياء إنبثقت من خيال ربيع أعمى.

ترتطم في سعي دؤوب بالمرآة كأنما تحاول أن تعبرها،

النافذة مشرعة لكن للأسف المرآة مقابلة لها وتعكسها .

2

ما أن دخلنا العتمة أنا وهي حتى تناهت إلي رائحة البوشار من أرجاء القاعة قبل أن نلقي بأنفسنا في أقرب مقعدين شاغرين.

تذكرت ذلك الرجل وحديثه منذ سنوات عن ذكرياته مع دار السينما الوحيد في المدينة حين كان مراهقاً يداوم على حضور الأفلام الإباحية التي تعرضها في الصباح لأولئك الطلبة الفارين من مدارسهم . و وصفهِ نفحات المني الممزوجة بالرطوبة والعتمة مشبهاً مناخ القاعة بمناخ الرحم , ساخراً لدرجة كان يخشى فيها أن يتحول منيه ذات مرة إلى جنين حقيقي يتشبث به من ساقه فيما هو مستغرقٌ في المشاهدة . كما مرَّ في مخيلتي خيطُ دخان من الجثث المتفحة لأطفال سينما عامودة , مزيج غريب من رائحة البوشار والمني والجثث المتفحمة تشكل مصحوباً بعطر صديقتي جعل المكوث فترة أطول أمر لا يطاق . لكن من أنا حتى أهرع خارجاً دون حساب للقلق الذي قد أثيره لديها .

3

لا يحتاج الإنسان إلى أكثر من خمسة عقودٍ إلى ستة للانسحاب من دورة الحياة على الأرض من دون أي أثرٍ سلبي عليها, وأشدد هنا على مفردة (انسحاب) لآن الأنسان اصبح قادراً على تدمير دورة الحياة برمتها خلال ساعات معدودة بما بات يمتلكهُ من ترسانة نوؤية .

فلنتصور سوياً أن السبعة مليار إنسان بأمر من سلطة كونية أو برغبة ذاتية كفّوا عن ممارسة الجنس من خمسين إلى ستين سنة حيث سيفقدُ جميع الإحياء قدرتهم على الإنجاب خلال هذه المدة فيبداء الانقراض الطبيعي للجنس البشري الذي قد يستغرق من ثلاثين إلى أربعين سنة بُعيدَ ذلك .

ليقف بعدها الإنسان الأخير – الذي لن يجد من يقيم له مراسم الدفن لو طارا من التوراة ألف غراب – على قمة الجبل ملقياً نظرة الوداع من حوله ومتخيلاً التنوع البيئي النباتي والحيواني الذي ستشهدّهُ الطبيعة بعد أن تحررت من قيد البشرية. وربما تدب الحياة أيضا في جميع المستحاثات وهياكل الدينواصورات وكافة الكائنات التي خلفناها في متاحف العلوم الطبيعية 

تخيلوا معي الصفاء والسكينة اللتان ستغمران ذهن الأرض منذ اليوم الأول لاختفائنا حيث ستكون خالية من أي عقل يفكر أو يرسل موجات كهرومغناطيسية , حينها كم اتمنى لو أكون غصن تهزه الريح أو جدول يتدفق .

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار