أوديسيوس من وغد إلى بطل.. قراءة جديدة لإوديسة هوميروس

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

إميلي ولسون    ترجمة: أحمد فاضل

ليس من الصعب أن نرى لماذا الأوديسة وبطلها أوديسيوس قد صنعا كل هذه الشهرة التي خلدها التاريخ على مر الزمن، هذه الملحمة التي كتبها هوميروس شعرا وأغناها بأبطال آخرين مثل الملك أجاممنون، أخيل المحارب، أياكس رجل المهمات الصعبة، نستور المستشار والحكيم، ارتبط هؤلاء جميعا بمجموعة من الأماكن والأدوار التاريخية لا يمكن أن نضفي عليهم أكثر مما أضفته عليهم الأوديسة، أوديسيوس يقف على النقيض منهم جميعا، فهو قد يكون ملكا كأجاممنون، أو مستشارا كنيستور، مقاتلا مثل أخيل أو اياكس، بل هو أكثر من ذلك ، فهو شاعر، شحاذ، عاشق، زوج، أب، قرصان، بحار، قاتل العملاق ذو العين الواحدة الذي لم يكن يقهره أحد، عسكري ستراتيجي، صياد، جاسوس، سياسي، جنرال شرس، نجار، كاذب، سار ,

دخل مغاضبا قاعة الآلهة وهو يلعنها لفقدانه أحد أصدقائه مع أنه كان مهذبا في حضرتها قبل فقدانه لذلك الصديق، الآلهة لم تقتله بل أوكلت معاقبته الى إله البحر، وهي سابقة لم تقدم عليها مذ عاقبت أخيل عندما ضُرب على كعبه فمات، أو أجاممنون الذي قتل في الحمام، أو اياكس حينما انتحر، أوديسيوس تاه في البحر عشرا من السنين بسبب ذلك العقاب، ذهب إلى أماكن بعيدة، تكيف مع الكثير من الحالات وعانى ما عانى قبل أن يصل أخيرا الى الوطن، ولأن لديه في جعبته العديد من الحيل فقد انتصر أخيرا على الآلهة.

حفل هوميروس والأوديسة وبطلها باستقبال كبير من قبل الكتاب والأكاديميين الذين راحوا وعلى مر العصور يجددون قراءتها ويكشفون العديد من أسرارها، إديث هال أكاديمية إنكليزية متخصصة في التاريخ والأدب والأسطورة والمسرح والفلسفة اليونانية والرومانية نشرت مؤخرا دراسة معمقة عنها بعنوان ” إعادة يوليسيس: تاريخ ثقافة الأوديسة لهوميروس”، هال استندت في دراستها على ما تناوله الآخرون من بحث ودراسة أحوال أوديسيوس وهو أحد الشخصيات الرئيسة في تلك الملحمة العظيمة خاصة منها دراسة ويليام بيدل ستانفورد رجل الدين الإيرلندي والتي حملت عنوان “يوليسيس: تكييف بطل” الصادرة عام 1954 تتبع فيها مجموعة كبيرة من الردود على أوديسيوس، غالبا ما كانت أدبية ومصادر أخرى وصولا حتى هوميروس، ستانفورد رجح على أن هذا البطل كان قادرا على التكيف مع سيناريوهات متعددة غير متوقعة خاصة في صراعه مع عملاق الكهف ذو العين الواحدة وتخطيه لسرير الساحرة، وتقديم نفسه بطرق مختلفة لجميع من التقاهم، هذا ما وجده ستانفورد في أدب أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد والذي يعرف بالمأساة الأثينية Athenian tragedy ، التي يرتبط أوديسيوس فيها مع كل هموم مجتمعه المعاصر، لكنه يتناقض ونبل اياكس وسوفوكليس ، فهناك اشتباه متزايد بأن صفات أوديسيوس ليست جيدة على الاطلاق كما لاحظت ذلك سيلفيا مونتيجليو في كتابها الذي نتحدث عنه “من وغد إلى بطل: أوديسيوس في الفكر القديم”، فهو مارق كما ترتبط النذالة في الكثير من صفاته وكان قادرا على الكذب عندما تتطلب الظروف ذلك، ساعده كثيرا ذكاءه وقدرته على الحفاظ على أحاسيسه في الحصول على مبتغاه بأي وسيلة ممكنة.

مونتيجليو وبسبب زحمة الدراسات عن الأوديسة وأوديسيوس فقد ساهمت من جانبها بقراءة جديدة عنها لأنها أحبتها وتعلقت ببطلها فراحت تتعقب تفاصيلها أكثر بكثير وأعمق مما تم القيام به من قبل ، دليلها المصادر الفلسفية القديمة مع تخصيصها مساحة صغيرة نسبيا من دراستها لمؤلف ستانفورد ومؤلفات أخرى باستثناء مصادر المسرح الشعري التي لايمكن التعويل عليها بسبب مبالغتها، حيث أظهرت الكاتبة أن تلك الدراسات الفلسفية أعطت صورة إيجابية لأوديسيوس بسبب صبره الطويل على معاناته واستخدامه الحكمة كخيار حتمي في مواجهة الصعاب، وهو ما يبحث عنه الفلاسفة على الرغم من أنانيته وكذبه في بعض المواقف.

مونتيجليو بدأت بسقراط الذي يبدو انه قد ميز نفسه عن السفسطائيين الآخرين من الفلاسفة في موقفه من أوديسيوس ، هم حاولوا أن يكون حكمهم عليه مغايرا عن بقية الفلاسفة فقد أصروا وعلى رأسهم جورجياس على أنه غير ذكي ومحتال ومخادع ، سقراط سبح ضد هذا التيار في تبنيه أوديسيوس كنموذج للبطل الملحمي مع كل ما قيل عنه ، لكن تبقى وجهة نظره هذه قابلة للنقاش منها أن مشكلة أوديسيوس كما تقول مونتيجليو تكمن في أن الفلاسفة اعتمدوا على الأخبار المتواترة عنه والذي بدا لهم أنه يخضع لمصالح ذاتية وهو على استعداد لوضع عقله على أعتاب تلك المصالح واعتماد أية وسيلة متاحة لتحقيق أهدافه الأنانية ، سوفوكليس أيد هذه الأقوال فقد أورد في تراجيدياته المسرحية أن الرجل كان على استعداد تام للخداع والتملق الذي تقول عنه المؤلفة سمة قد تبدو مريبة وأصبحت قوية بشكل متزايد في ثقافة روما الإمبراطورية ، الأفلاطونيون من جهتهم كانوا قد تأملوا كثيرا في رحلة أوديسيوس على أنها تمثل الكفاح التدريجي والشاق للهروب من التشابكات التي ينوء بحملها العالم إلى عالم الروح والنقاوة الكامنة ما وراء الحواس ، والعديد من مفكري النهضة الأوربية أل Neoplatonists أو ما يطلق عليهم بالنيو الأفلاطونية يعللون سبب تلك الرحلة بأنها سعي النفس البشرية التواقة الى الروح الحقيقية الخالية من كل تلك السلبيات ، وهو ما تشير إليه مونتيجليو في نهاية كتابها أنها تريد منا قراءة تأملية لها فإنه ليس بالأمر السهل أن نحكي قصة مر عليها الحكائون وكتب عنها كثيرا دون أن نعي حقيقتها وهي قطعا ليس بالقراءة السهلة ، كتاب سيلفيا مونتيجليو ” من وغد إلى بطل : أوديسيوس في الفكر القديم ” الصادر عن مطبعة جامعة ميشيغان هو إضافة أخرى لما كتب عن هذا البطل الذي لن تنتهي الكتابات عنه أبدا.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إميلي ولسون

عن ملحق التايمز الأدبي –  5 أكتوبر 2012

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحمد فاضل

ناقد ومترجم – العراق

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خاس الكتابة

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار