نساء نجيب محفوظ

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

نجيب محفوظ مفكرا اجتماعيا (3-3)

 

أشرف الصباغ

لم يكن نجيب محفوظ مهتما بنحت الشخصية الفنية، بقدر التركيز على خلق نماذج بشرية كاملة. من هذا المبدأ تحديدا دخلت نماذج محفوظ إلى الميثولوجيا الشعبية المصرية كنماذج بشرية وكعبارات تكاد تصل إلى مرتبة المثل الشعبي. فـ “سي السيد” النموذج البشري تحول إلى مفهوم يحمل دلالات اجتماعية وشعبية وثقافية، بالضبط مثل محجوب عبد الدايم الشهير، وفرج إبراهيم الأقل شهرة والأكثر جرأة ووقاحة ووضوحا. غير أن النماذج البشرية النسائية لدى محفوظ تحتاج لا إلى سينما بقدر احتياجها إلى المسرح. أي أن نساء محفوظ يمكن أن يجتمعن في نص درامي يتم طرحه على خشبات المسارح لتتحاور، على سبيل المثال، إحسان (القاهرة الجديدة) مع حميدة (زقاق المدق) اللتان تنتميان إلى شريحتين مختلفتين من طبقة اجتماعية واحدة تقريبا، تسكن إحسان في إحدى شرائحها الوسطى أو ما تحتها قليلا، بينما سكنت حميدة في قاعها الضيق المظلم- الخانق.

لقد ظلت إحسان تلميذة المدرسة، التي لم تكن تعرف أبدا معنى التمرد إلا ما لم تفهمه من الكتب النظرية التي حاول “علي طه” دسها في رأسها، تثير الهواجس الاجتماعية والتساؤلات النفسية– لدى النقاد والقراء والمهتمين على حد سواء- ليس فقط عندما بدأ الأب بالضغط عليها لتتزوج “البك الكبير” من أجل انتشال أسرتها من الفقر، بل وأيضا عندما بدأت تستعذب كلمات وملامح البك وتفكر جديا فيه، ثم مقارنتها إياه مع علي طه. لنكتشف أن المقارنة انتهت لصالح البك. والمثير أن مقارنة القواد محجوب عبد الدايم بين البك وعلى طه، انتهت لصالح عليِّ وليس لصالح البك. إن كل ذلك لا يمكن أن يلقي بشبهة الانحطاط الأخلاقي عند إحسان باعتبارها “امرأة”، بقدر ما يلقي بحقيقة الفساد الاجتماعي– الأخلاقي عند المجتمع. وهو ما نرى أصله في الفساد السياسي. فأين الفساد والانحطاط هنا: في اختيارات إحسان، أم في دفع الأسرة لها بالانطواء تحت جناحي رجل غني وقوي عبر الزواج من قواد له ظروفه الاجتماعية أيضا، أم في منظر الإخوة الجوعى والعراة؟!

أما حميدة، المتمردة التي تحب نفسها كثيرا على قدر وعيها ووعي زقاقها، فكانت أكثر وضوحا ووقاحة وجرأة واتساقا مع نفسها منذ البداية. كانت تدرك أنها وقعت في مصيدة قواد. وكان زقاق المدق يمثل طريقا في اتجاه واحد غير قابل للرجعة على الرغم من التواطؤ الذي يمثل أبرز سمات منظومة العلاقات في الزقاق.

لقد دفعوا إحسان للانسلاخ عن شريحتها الاجتماعية لتعيش ضمن منظومة علاقات قوادة، وقوادة سياسية متعددة الدرجات. وعندما اكتشفت أنها وقعت في المصيدة، تماهت مع دورها الجديد لتصبح واحدة ضمن مخلوقات طبقتها الجديدة، تمعن في التواطؤ والتبرير على الرغم من إمكانية الاختيارات، وإمكانية الحركة أو بالأحرى التراجع. بينما حميدة التي انسلخت عن شريحتها كانت تعرف منذ البداية طريقها الواحد والوحيد للخروج من القاع وظلت تراوح بين الاستسلام التام أو نصف التسليم.

لقد حسمت حميدة أمرها وخرجت في اتجاه واحد. وحتى عندما التقت عباس الحلو مصادفة، لم تضعف أو تستكين أو تفكر في العودة. إنه الواقع، والشخصية الواقعية التي تتعامل ببرجماتية تامة مع واقع هي مجبرة للحياة فيه، سواء كان “زقاق المدق” أو “الكباريه”. بينما ظلت إحسان مترددة رغم قناع القوة الذي كانت ترتديه. وفي نهاية المطاف لم تكن أمامها أي فرص للعودة، أو هكذا تصورت هي بعد أن قطعت خطوات مهمة في الحياة، أو ما تتصوره أنه الحياة.

وعلى الرغم من التفاصيل التي قد تعكس بعض الفوارق الطبقية والنفسية والوجودية بين إحسان وحميدة، إلا أن النموذجين وجهان لكينونة بائسة في واقع اجتماعي ربما يكون هو المذنب الأول والوحيد في دفعهما إلى منطقة شائكة من حيث النظرة الأخلاقية السائدة في نفس ذلك المجتمع المتواطئ الذي يتواطأ أفراده مع بعضهم البعض حينا، وضد بعضهم البعض حينا آخر، وضد نفس القواعد والأطر الأخلاقية التي يحاسبون بعضهم البعض بها حينا ثالث…

من كثرة التشابه المنطقي، في السرد، بين إحسان وحميدة، يمكن أن نلمح مقاطع كاملة متشابه من حيث طريقة التفكير. ما يعطي انطباعا بأننا أمام نموذج واحد لامرأة تتأرجح بين إحسان وحميدة، تعكس كل النتائج الممكنة لمنظومة علاقات اجتماعية لم تتغير طوال القرن الأخير، أي منذ خلق نجيب محفوظ نموذجي إحسان وحميدة… وبالتالي، ما الفرق بين والد إحسان، وبين والدة– خالة– حميدة؟! لا فرق تقريبا. غير أن شريحة القاع أكثر وضوحا وجرأة ووقاحة، لأنها ببساطة لا تملك أي شيء يمكن أن تخاف عليه. هنا تظهر قوة حميدة النفسية وصلابة منطقها وجرأتها على المضي قدما إلى الأمام دون أي تردد أمام المقدسات والمعايير الأخلاقية.

ولكن ماذا لو تبادلت كل من إحسان وحميدة مواقعهما الاجتماعية في تلك الطبقة المنكوبة؟ ماذا لو كانت حميدة هي التي كانت تدرس في المدرسة وتمتلك نفس قوتها ومنطقها في زقاق المدق؟ ربما اختلفت المصائر تماما!

هناك بعض الأفكار حول أن الزقاق كان يحمي حميدة. كان يمثل درعا اجتماعيا وجغرافيا لها ولجسدها الذي كانت تعتبره رأسمالها وسلعتها في آن واحد. إذن، ما الذي كان يحمي إحسان ابنة المدارس التي بدأت تفكر ليس بالضبط في جسدها، وإنما فيما يتعلق بهذا الجسد واحتياجاته الخارجية، عندما وضعت قدمها على أول طريق؟ تساؤلات وافتراضات وتباديل وتوافيق يمكن أن تتوالد وتتكاثر حول هذين النموذجين. ومع ذلك، لا يمكن أن تكره أيا منهما. يمكنك فقط أن تغضب أو تحنق أو تتعاطف أخلاقيا. إن الغضب والحنق يكشفان جانبا آخر من المجتمع المتواطئ باسم المقدس. ذلك المجتمع الذي لا يرى في المرأة سوى كائن خرافي قد يعجبه ويروق له في أوقات محددة، وقد يصبح شيطانا وإبليسا وعفريتا في أحيان أخرى. أما التعاطف فهو يعكس مدى التواطؤ الاجتماعي بمعناه الأخلاقي. بينما المسألة مختلفة تماما، لأن إحسان وحميدة وجهان لكينونة واحدة تعيش في منظومة علاقات اجتماعية منحطة، اتفق الجميع ضمنيا على تحييدها، بل تجاهلها تماما، أو في أحسن الأحوال، تسطيحها في حال الحديث عنها، لتندرج كل الأسباب والحيثيات والمبررات تحت البند الأخلاقي. هنا تحديدا نكتشف أن التواطؤ الحقيقي ليس تواطؤ إحسان أو حميدة مع مصيريهما، ولا تواطؤ الأولى مع محجوب، ولا الثانية مع فرج، ولا حتى تواطؤ الأب عند إحسان أو الخالة – الأم عند حميدة… إنه تواطؤ من نوع آخر يشارك فيه الجميع بلا استثناء تحت مظلة الحفاظ على البيت الكبير الذي يضمنا، رغم كل الفساد السياسي، والدعارة السياسية قبل الأخلاقية!

في “ثرثرة فوق النيل” يظل نجيب محفوظ مع الشريحة العليا من نساء الطبقة الوسطى والشريحة السفلى من الطبقة العليا (ليلى زيدان- المترجمة في وزارة الخارجية). ولكن الانتقال هنا جاء على مستوى الوعي ونمط الحياة وطرح الأفكار الكبرى. هنا تظهر تناقضات النخبة المنبثقة عن هذه الشريحة، حيث العالم بالنسبة لهم هو عوامة في النيل تكاد تقترب من سفينة نوح التي تحمل من كل زوجين اثنين. ولا يقتصر الأمر عند ذلك، إذ تطالعنا الصفحات الأولى للرواية بعم عبده حارس العوامة والدينامو الحقيقي لحركتها، معلنا أن “قرة عيني في الصلاة”. لنكتشف أنه يذهب لشراء الحشيش أو المجيء بفتيات الليل إلى العوامة: قواد، وإمام للمصلى، موجود وغير موجود. النساء هنا واضحات تماما. لديهن القدرة ليس فقط على الاختيار، وإنما أيضا على الفعل، بصرف النظر عن الاتفاق الأخلاقي والاجتماعي من عدمه.

رجال العوامة قوادون بالفطرة. ورجب القاضي- الممثل، هو القواد الرئيسي وإن لم يكن يمارس القوادة على طريقة محجوب عبد الدايم وفرج إبراهيم. كل نساء العوامة مروا عليه في البداية، ثم ورَّثهم لبقية الأصدقاء. وعندما جاء بطالبة كلية الآداب سناء الرشيدي، ثم بدأت العلاقة تفتر مع ظهور سمارة بهجت، بدأ الأصدقاء نساء ورجالا يسألون عن الوريث القادم لسناء. وعندما خرج رجب القاضي، قالت سنية كامل ببساطة مذهلة “وإذا وقع المحظور، فعندك مصطفى وأحمد”. النساء هنا يشاركن في عملية التوريث التي مررن هن بها بأنفسهن.

الشخصيات النسائية في “ثرثرة فوق النيل” غنية بتناقضاتها وثقافتها واهتماماتها. فيها من استسلمن مثل ليلى زيدان وسنية كامل لمصيريهما. ولم يتبق لهما إلا خوض حروب صغيرة توفر لهما مساحتهما الصغيرة في العوامة التي تبدو بشكل أو بآخر “زقاق مدق” من نوع آخر نسبيا، وفي زمن آخر مغلف بمنظومة ثقافية- اجتماعية مليئة بالشعارات التي لا تؤمن أي منهما بها. الشابة الصغيرة، طالبة الجامعة، سناء الرشيدي، هي التي تمردت على رجب القاضي القواد العصري المناسب لزمنه ولثقافته الجديدة، وخرجت لتواصل طريقها مع ممثل آخر. وإمعانا في التمرد، أو الانتقام، جاءت به إلى العوامة لتثبت لرجب أن هناك بدائل أخرى. ولكن عقلية القواد، ونفسيته، تجعله دائما يتقدم ضحيته بخطوة. فرجب انشغل بالصحفية المعروفة والمجتهدة و”الجادة” سمارة بهجت التي جاءت لتجرب أفكارها على أرض الواقع وتدونها في دفتر مذكراتها، حتى وإن كان ذلك على شكل هوامش لنص درامي تنوي كتابته.

لا شك أن الصحفية الجادة انجذبت إلى الممثل المشهور لأسباب كثيرة. ولا شك أيضا أنها لفتت نظر الممثل كنوع جديد من النساء ينبغي تجريبه. وتظل جادة وصلبة ومنطقية. ولكنها كإنسان من لحم ودم لا يمكن أن تبقى منطقية حتى النهاية الأليمة. وهو ما كشفته حادثة السيارة ومقتل إنسان.

قبل الحادثة لم تكن هناك إجابات قاطعة لديها بشأن علاقتها برجب القاضي. كل ما كانت تملكه هو مجموعة من الاحتمالات الأنثوية للتعامل مع رجل يتمتع بثقة القواد وصلافته. إضافة إلى لعبتها المتعلقة بمهنتها وبطموحها في الكتابة. لكن الحادثة أظهرت جانبا آخر من تناقض سمارة الرشيدي التي تحولت مواقفها تماما، على عكس حميدة وإحسان اللتين مضيتا قدما، لأن لا شيء لديهما تخسرانه تقريبا. وإن كانت حميدة تختلف بدرجات عن كل من إحسان وسمارة. لكن الأخيرة هي الأرقى من حيث الوعي وتنوع الاحتياجات، والوعي بهذا التنوع، والرغبة في تغيير العالم وفقا لمستوى وعيها النظري. ولكن الأفكار النظرية المجردة شيء، والواقع المؤلم شيء آخر تماما يحتاج إلى أدوات إضافية للتعامل معه.

بعد الحادثة، تأرجحت سمارة بهجت بين التساؤلات الفلسفية الكبرى. ولكنها أفاقت على عبارة رجب التي وجهها لها بقوة وعناد وغضب، وربما بكراهية وهو يلوِّح بقيضته:

-ماذا تريدين، يا رأس البلوى؟!

لم يكن رد فعلها إلا أنها “انكمشت في ذعر”! فماذا بعد؟ لا شيء تقريبا. ولا رد فعل على جملة قالها قواد عصري تحمل معنى الاحتقار، أو في أحسن الأحوال، معنى الاستغناء وعدم الجدية!

كان من الممكن أن تنتهي الرواية بجلستهم في العوامة، في مواجهة الموقف الوجودي الصعب الذي يطرح الكثير من الأسئلة الكلاسيكية ليس فقط على أبطال الرواية، وإنما على القارئ نفسه. ولكن نجيب محفوظ فضل إضافة المعارك والاشتباكات والمزيد من المناقشات، في محاولة لرصد عملية التغيير التي حدثت. وإن كان قد تردد على لسان الأبطال أن التغيير لا يوجد في الواقع، وإنما يوجد فقط على الورق في الأعمال الدرامية. هنا لا تغيير بالمعنى الواضح والمفهوم، وإنما ما حدث هو التحول في وعي شخصيتين أساسيتين، أنيس زكي وسمارة الرشيدي. أما مسألة اتجاه هذا التحول، فلا تشكل أزمة أو قضية أو حتى مشكلة على الورق بداخل الرواية، لأن الواقع نفسه هو المنوط بتحديد جدوى هذا التحول لامرأة كانت منذ قليل تسعى إلى تغيير العالم عبر نص مسرحي، ففوجئت بأن قوانين التغيير مرهونة باختبارات الواقع..

إن الكتابة الكبرى قد تضع صاحبها في مرمى نيران المجتمع، قبل نيران السلطة. والكتابة الكبرى هنا لا تندرج تحت بند البورنو أو الحديث، كما اصطلحت الثقافات والمعارف العربية، عن المحرمات والتابوهات الثلاثة. إنها أعمق وأشمل وأعم من ذلك.

على الرغم من التعامل الاستثنائي مع الكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي، فقد رأينا المجتمع الروسي، قبل النقاد في روسيا وفي العالم كله، يتعامل بفخر وكبرياء مع الكاتب الكبير باعتباره من كتاب الرواية الكبار، ما حوَّلَه إلى رمز ومثار فخر وافتخار. لكن في الحقيقة، ومع مرور بعض الوقت وتجاذب أطراف الحديث مع العديد من المسرحيين والروائيين والمهتمين- المتخصصين في عالم دوستويفسكي، اكتشفنا أن الروس في قرارة أنفسهم لا يحبونه، وأحيانا يشيحون برؤوسهم في ضيق وغضب عند ذكره أو ذكر أي من النماذج البشرية التي خلقها. والسبب هو أن دوستويفسكي وضع يده على أعمق المناطق المظلمة في الروح الروسية، بل والروح الإنسانية عموما.

نجيب محفوظ وضع يده على الكثير من المناطق النفسية والروحية المنحطة في الإنسان المصري، والمجتمع المصري. إن خلق نجيب محفوظ نموذج “سي السيد”، والنماذج النسائية في العديد من أعماله، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أنه بعيد تماما عن شبهة عدم احترام المرأة. محفوظ كان يُشَرِّح المجتمع المصري، ويسخر من هذا المجتمع، مع كل نموذج للمرأة يقوم بخلقه وطرحه على العالم.. لقد نجح محفوظ في الوصول إلى الكثير من المناطق المظلمة في أرواحنا.. أرواح المجتمع المصري، والإنسان المصري، وسخر بجدية من بنية هذا المجتمع المنحط.

ملاحظتان مهمتان. الأولى بشأن علاقة نجيب محفوظ بالمرأة، وأنه كان لا يحترمها ولا يصادقها وكان لديه قناعة واضحة في كتابته بأن المرأة إما عاهرة أو أم للعيال، وأنه لم يكن لديه تلك المنطقة الوسطى! والثانية، حول التواطؤ بشقيه الأخلاقي والسياسي، وهل المصائر عند نجيب محفوظ، وبالذات مصائر النماذج النسائية، قدر أم اختيار!!

الإجابات كثيرة ومتنوعة ومتعددة في أعمال نجيب محفوظ: في الروايات وليس في الأفلام الرديئة التي تم بناؤها على رواياته. وهذا هو سر منهج الكاتب، وأهمية أن يكون لدى الكاتب منهج للكتابة وعالم متكامل متعدد ومتنوع، وليس مجرد كتابة روايات تضم شخصيات ما رائعة ومثيرة وتحمل الكثير من الدلالات.

لقد تعامل محفوظ مع المرأة ليس باعتبارها كائنا اجتماعيا مظلوما ومقهورا. بل تعامل معها باعتبارها مسؤولة مسؤولية كاملة عن نفسها وحياتها، باعتبارها فردا اجتماعيا يمتلك كل القدرات والإمكانيات التي تؤهله لتحقيق ما يريده. وبالتالي، فالمرأة عند نجيب محفوظ كانت كائنا من لحم ودم وليس كائنا نظريا مجردا في الأذهان والتصورات والمخيلات، أو مجرد كلمة “امرأة” سقطت من أحد الكتب السميكة التي تتحدث عنما ينبغي أن يكون في ظل ظروف مختلفة.

لقد شوهت الأفلام التي تم بناؤها على روايات محفوظ غالبية النماذج التي خلقها، وبالذات نماذج المرأة. فروايات الكاتب وأعماله لا تتحدث إطلاقا عن أخطاء المرأة باعتبارها كائنا نورانيا- أخلاقيا يجب لمسه بهدوء وخوف لكي لا ينكسر ويتحطم، ولا حتى باعتبارها كائنا استثنائيا أفضل أو أسوأ أو لديه عيوب أو زوائد أو نواقص. وإذا كان دوستويفسكي قد غاص في النفس البشرية وقام بتشريح مناطق الضعف والنقاط المظلمة فيها، فمحفوظ قام بطرح نماذجه البشرية في علاقتها بالمجتمع الذي تعيش فيه. والمسألة ليست مقارنة بين محفوظ ودوستويفسكي، بقدر ما هي إلقاء المزيد من الإضاءات على أعمال نجيب محفوظ وعمقها، وعمق رؤيتها.

 

اقرأ أيضاً:

نجيب محفوظ مفكرا اجتماعيا (1ـ 3)

قَوَّادو نجيب محفوظ ومصير “نفيسة” بين “إيمَّا بوفاري” و”أنَّا كارينينا” (2_3)

نجيب محفوظ مفكرا اجتماعيا (1ـ 3)

مقالات من نفس القسم