البهاء حسين
حين ينكسرُ لك شىء
أو يضيعُ منك
لا تنكسر معه
للأشياء أجلٌ لا تستقدم عنه ساعة، ولا تستأخر
غير أن ما يفطر قلبك مرتين أن يكون لك دورٌ
فى ضياع أشيائك
:
منذ الطفولة
تذهب نفسى حسراتٍ على أشيائى
تأتى الأشياءُ ثم تصبح ذكرى
قبل أن نفرح بها أحياناً
آه
كم تملكُ اليد وكم تفقد
،،
أمس
كان علىّ أن أستخلص قطع الزجاج
من عسل النحل
كنت قد اشتريتُ منه زجاجة للتوّ
لم أكد أعلقها على أكرة الحمّام، فى المركز الطبىّ
حتى أدارها أحدهم من الخارج
كنت مشغولاَ بإخراج حصرة البول
فى خيط طويل
وحين سمعتُ ارتطام الزجاج بالسيراميك
صار الخيط أطول
:
ننسبُ الحوادث لسوء الحظ، للقضاء، لأية جهة
المهم أنها تحدث
دون أن تطلب منك أذناً، أو تعطيك إشارة
فجأة نفقد عزيزاً علينا
نفقد صوته
يُخرجنا صوتُ تحطيم الزجاج فجأة عن طورنا
تأخذنا الشهقةُ
الهلع
لا نكاد نصدق أن ما كان سليماً للتو فى يدنا
قد ضاع منّا
فقد شىءٍ، فجأة، لا يقل صدمةً عن فقد عزيز
هناك موتى كثيرون لم نحزن عليهم
الفجاءة تكشف عنا الغطاء
فى طرفة عين
:
الروح واحدة
نحن نملك الهشاشة نفسَها
نحن والأشياء
تأخذنا الحشرجةُ عند الاحتضار
صوت الزجاج وهو يتحطم حشرجة
:
فى البيت
بعد اختلاط الزجاج المكسور بالعسل، فى كيس البلاستيك الردىء
تخوض تجربةً جديدةً لفهم الزجاج ..
الحاضرِ الذى يصبح ماضياً فى لحظة
تُدخل يدك فى الكيس
تلتقط الشظايا
ثم تذوق العسل، لتعرف
إن كان مرارُ النفايات قد خالطه أم لا
:
أمس
كنت، فى الحقيقة، أنزع الشظايا منى
،،
أبشع الحوادث تلك التى تقود فيها العربة،
ويكون الضحية الوحيدة ابنك
أن يكون لك دورٌ فى تهشيمك
:
كان يمكن مثلاً أن أضع الزجاجة على الحوض
مثما فكرتُ
أو أعلقها فى الترباس
لكننى، لأسباب أجهلها، علقتها فى الأكرة
:
تجدُ الأقدار طريقها إليك
تصنع لنفسها طُرقاً من خطوط يدك
تراسلك السماء
قلبك هو صندوقُ البريد
وكلّ يومٍ جديد خطابٌ مجهولٌ
تفتحه حين تصحو من النوم
،،
عقب كل حادثة أقول، معزياً نفسى
كان لا بد أن تحدث،
لكننى لا أتعزّى
:
تقع الحوادثُ، لتعرف أن يدك قاسمٌ مشتركٌ بينها
كلُّ حادثةٍ مدقٌ جديدٌ إلى داخلك
تقع الحوادث، لتعرف أنك من زجاج
،،
لا معنى للأمر
لا معنى لأن تكون قائمتك مزدحمةٌ بالحوداث هكذا
سوى لتعرف أن النملة شقيقتك الصغرى
فهى الأخرى تتحطم
أن البلاستيك شريكٌ لنا فى الحياة
:
خلق الإنسان من هلع
،،
تقع الحوادثُ
يقع الزجاجُ
يقع الإنسانُ على الأرض
لأنه من تراب
،،
كم مرةً كادت روحى أن تخرج منى
بعد كل خسارةٍ
كم مرةً عليك أن تعرف
أن وقوفك على العتبة
لن يمنع المكتوب من طرق بابك
أن اجترار الحزن يجعله حزنين
كم حادثة يجب أن تقع لك، لتعرف نفسك كاملة
لتعرف كل شىء
كم مرة عليك أن تدفع ثمناً، لتعرف
كم مرة أخبرتك أننا نفقد الشىء، ليجد طريقه إلى شخص آخر
أننا نحزن على الزجاج
لكنّ الزجاج لا يحزن على نفسه حين يتهشم
كم مرة أخبرتك من قبل
أن الحياة نفسها جملة
والفقد هو النقطة.