اركض بصوتك

تشكيل
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

البهاء حسين

أىّ فم كان يمكن أن ينادى على البضاعة بهذه اللوعة
بهذا الإلحاح على السماء أن تسقط زبائن
قبل أن تسمع صوتى
أى فم
حتى اعتقدت أنه يمكن لصوتى أن يملأ بطنى الجائعة
دون حاجة إلى البيع
أن يقنع أمى آخر النهار بأننى بعتُ العنب كله
لكن النقود سقطت منى سهواً
:
لطالما اعتقدت أن الفم مخلوق فقط للنداء
وأن الضراعة بضاعة لا تبور
،،
يا الله
كمنتْ لى المطبات
فقل ليدك الكبيرة أن تنقى الطرق منها
من أجل قدمىّ الصغيرتين
يمكن لأكواز الذرة المشوية أن تسقط منى
فى الوحل
وأنت تعرف أن الذرة لا تحتمل السقوط
من يشتريها
قل للوحل أن يجفّ
قل للزبائن
للجو أن يكون رحيماً
كى أعود بشىء من النقود إلى أمى
،،
كان فمى يكبرنى بأعوام كثيرة
اعتاد أن يولول قبلى فى الجنازات
كأنه أرملة الفقيد أو ابنه
كان يركض وراء الاحتمالات
ينغم الصوت وهو ينادى على “الحلوى” وينتظر
ربما تدلتْ من إحدى النوافذ رغبة
كأن صوتى صنارة والرغبة سمكة
،،
حين تبيع الحلوى ولا تجرؤ على الأكل منها
يصبح فمك يتيماً هو الآخر
يصبح بلا صوت
:
لم أعرف بعدُ الحكمة من وراء الفقر
من وراء اليتم
من تجويف الفم كأنه ميكروفون
لكننى لو عرفت كنت اخترت صوتى
،،
“اليوم بعت الخضار كله”
هكذا كنت أقول لعتبة البيت قبل أى شخص آخر
:
تعرف العتبات مزاج الأطفال
تتحمل عنهم حظهم
بل تخجل معهم إن كانوا يتامى
،،
يجرى صوتى طوال اليوم مع الرياح
تسكن الرياح فمى
وأنا، كجرو مذعور، أسكن فى الليل
حضن أمى
وفى المدرسة، أثناء الحصة
أسرح فى الأطفال الذين سيشترون منى نكاية فىّ
نعم.. كانوا يضعون القرش فى يدى كأنه صدقة
وكنت أجيب عن الأسئلة نكاية فيهم
كنت أمشى نكاية فى التراب
وما زلت أحيا نكاية فى الموت
،،
أنا صوت أمى
جلبابها الأسود الذى يرتفع لوحده فجأة
وحين أسألها عنه تلوذ بالصمت
فأعرف أنها العفاريت
وأنكمش فى طفولتى
أنشد صوتى
أبى
أنشد جلباب أمى
أبحث عن نفسى ، لأختبئ فيها
غير أننى لا أجد نفسى.

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

بستاني