محمد العبادي
ـ انت نابليون؟
ـ أنا نابليون…
ـ وانا كمان نابليون!!
الحوار الخيالي الذي دار بين جميز “إسماعيل ياسين” ونابليون المجنون نزيل عنبر العقلاء في فيلم “المليونير” 1950، لا أعرف لماذا تذكرته حين شاهدت أحدث فيلم صنع عن مسيرة الإمبراطور الفرنسي الأشهر: نابليون لمخرجه “الانجليزي” ريدلي سكوت.
من هو حقا نابليون؟.. هل هو القائد الفرنسي العبقري الذي اهتمت به السينما منذ سنواتها الصامتة؟ “نابليون” 1927، أم هو الجنرال المجنون مضطرب الأفكار والعلاقات الذي صوره لنا أداء واكين فونيكس؟!
عاشق أم قاتل؟
نابليون كموضوع سينمائي قتل بحثا من قبل، بين نسخ عدة من أفلام ومسلسلات باسمه، بالإضافة إلى فيلم أمريكي، وأربعة أفلام روسية عن رواية الحرب والسلام التي تؤرخ للحروب النابليونية على روسيا، لدينا فيلم آخر عن موقعة ووترلو، وعديد من الأفلام والمسلسلات المرتبطة بحياة نابليون العسكرية أو العاطفية وعلاقته الشهيرة مع زوجته جوزفين، لهذا فقرار عمل فيلم جديد عنه، خصوصا من مخرج كبير باسم ريدلي سكوت هو قرار هام، السؤال الأساسي هنا هو سؤال الطموح. ما الذي يطمح الفيلم الجديد إلى تقديمه بشكل مختلف عن كل النسخ السابقة له؟!، وللأسف بعد مشاهدتي للفيلم لم أعرف إجابة لهذا السؤال، ربما يجب علينا أن ننتظر النسخة ذات الأربعة ساعات التي قيل إنها ستصدر على خدمة بث أبل.. علها تحمل الإجابة!
شخصية نابليون شخصية صعبة نظرا لتكونها من جوانب متعددة ومنفصلة، لدينا نابليون القائد العسكري، نابليون العاشق، نابليون قائد الدولة، وهنا حاول مخرجنا أن يقدم كل هذه الجوانب، لكن للأسف: حين حاول أن يقول كل شيء.. لم يقل شيئا!!، النتيجة النهائية كانت القفز من نقطة لأخرى بشكل متسرع، ننتقل من الحياة العسكرية للحياة العاطفية انتقالات خشنة وغير مبررة، يبدو أن إصرار المخرج على تقصير مدة النسخة النهائية للفيلم أدى لـ”جزر” الفيلم بهذا الشكل، انتصر الحس التجاري عند ريدلي سكوت على الحس الفني، ربما هي المرة الأولى التي نجد فيها مخرجا يتحدث بهذا الحماس والاهتمام عن أهمية تقصير زمن فيلمه، المعتاد أن تضغط شركة الإنتاج ودور العرض على المخرج لتقصير وقت عرض فيلمه، ويرفض المخرج أو يقوم بهذا على مضض، في النهاية أصبح لدينا: مقتطفات عن نابليون، والآن، هل أصبح المشاهدون مجبرون على انتظار النسخة المطولة في خدمة البث؟، أم أنهم سينفضون عنها ويكتفون بما شاهدوا في قاعات العرض، بصياغة أخرى: لماذا لم أحصل على الفيلم الذي دفعت ثمن تذكرة السينما من أجله؟!
الدوق في مواجهة الإمبراطور:
من الصعب الحكم على السيناريو وحبكته في ظل هذا القطع المهترئ، ربما يمكن فقط الإشارة إلى أن السيناريو احتوى على رؤية سلبية تجاه شخصيته الرئيسة، مر مرور الكرام على العديد من انتصارات نابليون وسلط اهتمامه الأكبر على عيوبه وهزائمه، فعرضه حينا كضابط مدفعية مختبئ خلف بطش مدافعه، وحينا آخر مجرم يطلق النار بلا رحمة على المتظاهرين ضد الجمهورية، لهذا بدا أداء “واكين فونيكس” هنا أقرب لدور الإمبراطور كومودوس الذي أداه في تعاونه الأول مع ريدلي سكوت في “المصارع” 2000، يظهر بطلنا “نابليون بونابارت” هنا أيضا مصابا بجنون العظمة، دمويا، يعاني في علاقة حب غير طبيعية، التفت السيناريو عن جوانب القوة والعبقرية في شخصية واحد من أعظم القادة العسكريين ليصنع لنا نسخة تجارية مكررة من الإمبراطور المجنون، لكن هذه المرة بنكهة فرنسية.
لكن لو وضعنا السيناريو ورؤيته جانبا لنحكم على المنتج النهائي كفيلم متكامل، نجد أن أكبر نقطة قوة في الفيلم هي إدارة الإنتاج وخصوصا في التعامل مع المعارك والمشاهد العسكرية، أكثر المقاطع قوة في الفيلم هي مقاطع موقعتي أوسترليتز ووترلو، لكن للاسف لم تستطع العناصر الأخرى للصورة إظهار التميز الانتاجي، فالصورة مظلمة ليلا وباهتة نهارا بلا سبب واضح!، بدا الأمر كمحاول فاشلة لتكرار تجربة الاضاءة الطبيعية التي استخدمها ستانلي كوبريك في رائعته “باري ليندون”. 1975، مونتاج المعارك كان جيدا. لكن المونتاج بصورة أكبر كأداة لربط أجزاء الفيلم فشل تماما، الإخراج الصوتي للمعارك وللحوار كان مميزا جدا، أما الموسيقى التصويرية فلم تكن موفقة في اختيار تيمات موسيقية معتمدة على الأصوات البشرية دون مبرر حقيقي.
أداء واكين فونيكس في دور كومودوس، عفوا نابليون، كان مخيبا للآمال، لم يقدم جديدا، ظهر كـ”جنرال عسكري” ما، سنه كان أكبر بكثير من شخصيته التاريخية، ولا أعرف لماذا لم يحاول سكوت التغلب على هذه العقبة باستخدام وسائل المكياج أو الكمبيوتر، الانجليزية “فانيسا كيربي” في دور الامبراطورة جوزفين استبدلت سخونة العاطفة الفرنسية بالبرود الإنجليزي!، أما أغلب الأدوار الأخرى فكانت انعكاسا لشخصياتها التاريخية بدون مجال للإبداع.
يبدو أن “سكوت” لم يتخلص من أثر العداء التاريخي بين انجلترا وفرنسا بعد، فاهتم بتصوير “نابليون” على أنه الرجل الذي كره بريطانيا وتحداها فهزمته، ثم أفرد مساحة كبيرة لانتصار “دوق ويلنجتون” عليه في وترلو، حتى صار الدوق وليس الجنرال هو بطل الثلث الأخير من الفيلم!