د. نعيمة عاشور حامد
ينتصر الكاتب دينيًّا وعلميًّا لعلم الخوارق أو “الباراسايكولوجي” فهو من وجهة نظر علم النفس هو العلم الذي يهتم بالأشياء الغامضة التي تمر بالإنسان، أو فهم شخص ما يدور بذهن شخص آخر، أو أنه يرى ما يحدث لشخص آخر، وهو علم يثبت وجود تأثيرات على الأجسام دون تماس مباشر معها ودون وسائل فيزيائية معروفة، وهو علمٌ يُدرَّسُ الآن بجامعة سيتي كوليدج بنيويورك والكلية البريطانية بإنجلترا التي تهتم بالبحث في علم الباراسايكولوجي وغيرها من الدول المتقدمة، أما دينيًّا فعلم سيدنا الخضر بالمستقبل عندما خرق السفينة أو بنى الجدار أو قتل غلامًا.
إذن: كيف قتلت الطفلة “خضراء” إذن أستاذها بأشعة غامضة تخرج من عينيها بعد إهانته لها؟ وكيف أصبحت تهدِّدُ زميلاتها بالقتل إذا اختلفن معها؟ ولماذا يروِّج الفتيات وأولياء أمورهن عن قتل الطفلة لمعلمها بنظرات عينيها؟
تشكل القوى الخارقة للطبيعة بـ “مهمة سرية” جريمة قتل غير مكتملة الأركان؛ اتُهمت بها إحدى الفتيات دون الرابعة عشرة، أداة الجريمة هي عيناها؛ فالفتاة مسكونة بعينين تحملان الشر وشديدتا الحسد وبقوة غامضة، لكن دون توافر لأركان هذه الجريمة، وأدواتها، في ظل غياب زمان ومكان الجريمة والشهود لحظة وقوعها أيضًا.
وفي أثناء لحظة معينة يتجمع فيها صفوة المجتمع من رجل الشرطة اللواء عمر نصر والمستشار منصور عبد الراضي المحامي ورئيس نادي المدينة والشيخ عطية مبارك رجل الدين والإعلامي تامر شوباش تنتشر الشائعات وتقوم الخرافة القائمة على التخيلات دون احتمالية وجود أسباب منطقية أو عقلية تستند إلى العلم أو المنطق، فقد بُنيت “مهمة سرية” على اعتقاد ممارسة الخرافة اللاعقلية بين صفوف الناشئة داخل إحدى مدارس للفتيات دون الرابعة عشرة من عمرهن ثم سرعان ما لبثت أن انتشرت بين طبقات المجتمع جميعًا لتصبح موضوعًا يُسوِّقه الإعلام ويُقرُّ به المجتمع المحيط.
وفي انتقال منتظم من حدث خطابي إلى آخر خطابي لغوي وغير لغوي تظهر تأثيرات تعبيرية ودلالية معينة تؤثر حركةً وسرعةً وتتداخل عدة لحظات للأب يعيشها مع حبه للوطن تتجاوز الصمت خلالها ويتلاشى فيها صوت التلفاز الذي يبدأ بمظاهرات الطلاب إذ تصف الحكومة بالتراخي في اتخاذ إجراءات رادعة ضد الدولة المجاورة التي تحتل جزءًا من أرض الوطن وتنتهك حقوق الإنسان في بيئة صحية وآمنة بمصانعها التي تبث غازاتها الملوثة على الحدود وتهدد صحة المواطنين في المدن الحدودية، فيزداد غضبه وتظهر قوة إيقاع الأب في إطالة هوية شخصية للاستفهامات بواسطة التوازيات الاستفهامية بينه وبين زوجته عن موت الأستاذ أحمد مدرس العلوم، حتى تتغير أشكال الفعال بين كل من الأب وابنته لفقدهما حريتهما تمامًا مثلما فقد الشريط الحدودي من الوطن حريته أمام الدولة المجاورة.
وبواسطة جوانب فعال نصية لأدوات تلقائية عنصري التشويق والغموض يقدم الكاتب معالجة سينمائية لهذه الخرافة لشركات ثلاث؛ صينية وعربية وأمريكية، تواجدت لتنتج تسلسلاً زمنيًّا متغيرًا ومواكبًا لحركة الحدث وسط أنواع أدبية رسّخت أيديولوجيا لعدة سيناريوهات من المتوقع حدوثها وسط أحداث غامضة تأتي الأولى لفيلم انشطارات نفسية لشركة sasالأمريكية وتبدأ بأن يهبط الرجال الثلاثة بالمصعد من شقة الدكتور ويركبون سيارة كبيرة الحجم فخمة سواء مضببة الزجاج تتابعها الزوجة من الشرفة حتى تحتفي عن الأنظار، وما إن تبدأ الأحداث حتى تتأكد عمليات الصراع الحواري بين أحد أفراد هذه العصابة وبين الوالد حين إبلاغه بالاتفاقات السابقة بينهم وبين ابنته حول تحويل الطاقة النفسية الموجودة بالإنسان وتحويلها إلى طاقة كهرونفسية تستطيع التأثير في إنسان آخر بتسريع حركة الدم في جسم الإنسان بحيث لا يستوعبها القلب أو المخ فتؤدي إلى الموت وغيرها من الأنسجة والشرايين التي تؤدي إلى الموت المفاجئ، وتتزايد درجات الهيمنة داخل البناء النصي للفيلم الأمريكي من حيث إنها تبدو متفقة مع النطاق الدلالي لأنساق تناوب الحوار المنفرد وإخبار الأب بالجديد الذي يهدف منه إلى تخزين جزيئات تلك الطاقة الكهرونفسية وزيادة حجمها بالتكثير الانشطاري لتتوالد جزيئات الطاقة من مليارات الجزيئات في ثوان مما يضمن وجود سلاح متجدد منفصل تمامًا عند الفتاة تكون الاستفادة منها في الفتك بعد ذلك بجيوش فتاكة دون الحاجة إلى الأسلحة التقليدية الموجودة.
ويأتي ملخص فيلم خدعة الجواسيس للشركة الصينية فقد قدمت عدة ضروب تمثل حضورها في الجانب الخطابي من طرق الفعل والتفاعل في مسيرة الأحداث بين الأب والضابط للتبادل المعرفي في السؤال والجواب حيث يشتد الصراع عند علمه بأنهم لم يكونوا في طريقهم للنيابة حيث التركيز على المعلومات وتقديمها فقط دون الإفصاح عن وصف الحال بالاستناد إلى عدد من الوظائف الكلامية الأساسية تبدأ بالعارف الذي يدلي بمعلومات إلى غير العارف في محاولة لتحويل أذهان الناس وانشغالهم عن مظاهرات طلاب الجامعة بسبب تلوث الحدود إلى قضية الفتاة المختطفة حتى يُحدث هزة في ثقة المواطنين في الأجهزة الشرطية.
أما في ملخص نهاية فيلم مهمة سرية للشركة العربية العالمية للإنتاج السينمائي فقد حققت أيضًا بعض جوانب الخطاب النصي على المشهد تداخلاً لأنواع تخييلية متعددة، فقدم الكاتب بأسلوب منتظم ممتلئ بالمعالجات تجسيد معالم حقيقية لهذه الشركة ممثلة في جهاز المخابرات العربية المسؤول الأول عن حماية الأفراد وسلامتهم وأمنهم وقت حدوث الخطر المباشر، ليتسم النص الموازي للواقع بالانقطاعات المفاجئة والمتساوية للأحداث والمنتظمة داخل النص المتعلقة بخوف الأب لاستبطان حالات شعورية له عن طريق رصد كل ما استقر في الوعي بينه وبين رجلي المخابرات العربية في استخدام ابنته دفاعًا عن الوطن ضد الأعداء وفي العمليات الأخرى ضدهم التي تساعد بها الوطن، وهي أيضًا الشركة الوحيدة من بين الثلاث شركات التي اطمأن لها الأب.
واستخدم تقنية أثيرة تقوم على تداخل المستويات الدلالية أدت إلى الحصول على تغيُّر شكل منطوق الخطاب بأن يهدأ بالاً مع هذه الشركة وأن يثق بأن جهاز المخابرات لا يفعل إلا ما هو في مصلحة البلاد وظل يتابع ما تتناقله القنوات الفضائية التي تتهم الفتاة بأنها وراء حدوث هذه الجرائم منتهزين اعتراف الأب لابنته بامتلاكها قوى خارقة منها موت المرشح الرئاسي المحتمل الدكتور عبد المنعم نور الصباح الذي قيل إنه يعمل مدعومًا من قوى خارجية. ومقتل الصحفي عبد الحليم إسماعيل المعادي لبلده ومقتل وزير الدفاع ورفاقه في حادث الطائرة الذي روجت عنه المنظمات الحقوقية أنه ارتكب جرائم حرب بعض القرى ونسفها بغاز سامٍ محرم دوليًّا بحجة التطهير العرقي وغيرها من الجرائم.
ومن هنا يتشكل جزء الحوار الذهني بينه وبين جهة المخابرات فيتساءل بينه وبين نفسه: ألا تكون ابنتي وهي في قلب المخابرات وراء عمليات القتل هذه التي تحدث فعلاً، ولماذا تترك المخابرات كل هذه الشائعات حول الابنة دون دفاع؟ فيرتكز أسلوب تفاعل هذه التساؤلات مع العناصر النصية التي تخضع للتفكير المنطقي، وهذا يوضح طبيعة العلاقة بين هذه التساؤلات وبين قدرة الأب على الإيمان بتصديق هذه الشائعات كما نقلت صورته السؤال الأول.
و”مهمة سرية” هو عنوان الرواية التي صدرت مؤخرًا للكاتب أشرف أبو جليل لليافعين للعام الحالي 2023 عن مؤسسة بتانة الثقافية في 135 صفحة من القطع المتوسط.
