عن “دار التنوير” للنشر بالقاهرة، صدرت روايتها الأحدث “جبل الزمرد” التي تلقفها الوسط الأدبي والثقافي بكثير من القبول والرضا، وهي الرواية التي سعت صاحبتها إلى الاشتباك مع النص السردي الأكبر “ألف ليلة وليلة” اشتباكا يتجاوز العنوان لتقدم منصورة عز الدين عملا يلعب مع “الليالي” ويحاورها متبنيا بعض أساليب السرد المستلهمة منها، عملا يتفحص بحساسية علاقة “الكتابي بالشفاهي”، ويشتغل على فكرة “رواية الرواية” أي الوعي بفعل الكتابة، رواية منبثقة من قلب “ألف ليلة وليلة” ومتماشية مع الموروث الديني في آن.
منصورة عز الدين، روائية وقاصة وصحافية مصرية، من مواليد محافظة الغربية عام 1976. درست الصحافة في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، نشرت قصصها القصيرة في المجلات والجرائد المصرية والعربية. صدرت لها مجموعة قصصية بعنوان “ضوء مهتزّ” في 2001، وصدرت أحدث مجموعاتها القصصية “نحو الجنون” 2014.
كما صدر لها قبلا روايتان هما “متاهة مريم” 2004، و”وراء الفردوس” 2009 التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية “بوكر” عام 2010. وترجمت أعمالها إلى لغات أجنبية عدّة بما في ذلك ترجمة إنجليزية لروايتها “متاهة مريم” (طباعة الجامعة الأمريكية في القاهرة)، واختيرت ضمن أفضل 39 كاتبا عربيا تحت سن الأربعين في مشروع “بيروت 39” كما شاركت في ندوة للكتّاب انعقدت للمرّة الأولى من قبل الجائزة العالمية للرواية العربية في أبو ظبي، عام 2009 وأشرفت على الندوة الثانية في أكتوبر 2010.
في الحوار التالي، استعادة لمعاناة الكتابة ومخاضها والسياق الذي تولدت فيه وعنه “جبل الزمرد” مع لمحة عن مفهوم الفن الذي تراه الكاتبة الشابة حاكما لكتابتها السردية وتجربتها الإبداعية في آن.. مع الإشارة إلى أن الرواية قد حازت جائزة أفضل عمل روائي عربي في معرض الشارقة الدولي للكتاب الشهر الحالي..
**“جبل الزمرد” تمثل نقطة فارقة وعلامة تحول في مشوارك الروائي.. كيف تحضرت لهذا العمل المركب؟ وكم استغرق من وقت؟
بدأت كتابة الرواية في 2010 وفي هذا الوقت كتبت مادة كثيرة عن “هدير” وجدتها “شيرويت قنديل” وأمها “نادية”، وحين قامت ثورة يناير ابتعدت عن الرواية وانغمست تماماً في ما يجري حولي، وباستثناء نصين إبداعيين قصيرين، لم أكتب سوى مقالات عن 25 يناير وما تبعها من تحولات، نُشرت في ملحق نوافذ بجريدة المستقبل اللبنانية وفي جريدتي زود دويتشه تسايتونج الألمانية ونيويه زيوريشر تسايتونج السويسرية.
في سبتمبر 2011 عدت للرواية مرة أخرى، كانت قد تبلورت في ذهني بدرجة أكبر وبدأت خطوطها العامة في التشكل، لكن العمل الجدي فيها بدأ مع بداية 2012، إذ انغمست في الكتابة بشكل يومي، وغرقت في إعادة قراءة “ألف ليلة وليلة” والكثير من الكتب التراثية التي تتناول ما يمكن تسميته “جغرافيا الوهم”، نقاط التلاقي بين الخيال الكامن خلف “ألف ليلة وليلة” وذلك الكامن بين كتب الرحلات والجغرافيا القديمة كان مدهشاً جداً بالنسبة لي.
كنت محبطة بسبب تطورات الأحداث على أرض الواقع وممنوعة من الحركة إلاّ في أضيق الحدود بأمر الطبيب، ومثلت لي القراءة والكتابة اليومية متنفساً ملائماً. في سبتمبر 2012 كنت قد انتهيت من المخطوط الأول للعمل، وفي 9 نوفمبر 2012 أرسلت مخطوط الرواية لثلاثة أصدقاء مقربين أثق في رأيهم، في أبريل 2013 انتهت الفنانة اللبنانية نجاح طاهر من تصميم الغلاف وكان من المفترض أن تصدر الرواية خلال شهر أو شهرين على الأكثر، غير أني طلبت تأجيل النشر لترددي ورغبتي في إلقاء نظرة أخيرة على المخطوط، وبهذا صدرت “جبل الزمرد” عن دار التنوير في يناير 2014.
** البعض رأى أن “جبل الزمرد” محاولة طموح لإيجاد سردية عربية مصرية محلية تواجه بل تناطح السرديات الكبرى.. هل كان ذلك مسعى أصيلا لك خلال كتابة الرواية؟ أم من منطلق “التشكيك” في هذه السرديات الكبرى؟
ممتنة لمن رأوا في الرواية “محاولة طموح لإيجاد سردية عربية مصرية تواجه بل تناطح السرديات الكبرى”، لكن حين أبدأ كتابة رواية ما لا أفكر على هذا النحو، ولأصارحك القول إني لو فكرت هكذا أو سعيت لمسعى مشابه، لما كتبت حرفاً واحداً. يبدأ العمل عندي بمناوشات مرتبكة ومتلعثمة، قد يخايلني مشهد غامض، أو شخصية تتكون على مهل في ذهني، وأبدأ في وضعها في سياقات متخيلة على الورق، في البداية أشعر بأني أجد طريقي بصعوبة وسط ضباب كثيف، لكن هناك لحظة سحرية تلتئم فيها الخيوط فأعرف أن تخطيطاتي الأولية تتجه صوب أن تكون مخطط رواية في طور الكتابة، أثناء الكتابة، تتشكل الأسئلة التي ينشغل بها العمل أو بمعنى أصح التي يقترحها عليّ العمل، وقد أعيد الكتابة أكثر من مرة انطلاقاً من مشهد كتبته وأعجبني، أو شخصية بدأت هامشية واكتشفت أن التوسع فيها قد ينقل العمل نقلة أبعد.
هذا تحديداً ما أحبه في كتابة الرواية، أي المزج بين التخطيط المسبق والمرونة التي قد تدفعني لهدم ما سبق وخططته والبدء من جديد سعياً خلف وعد مبهم تراءى لي أثناء الكتابة. مخطوطي الأول عادة ما يختلف عن المخطوط النهائي لأني لا أعمل على بناء العمل إلاّ بعد الانتهاء من كتابة المخطوط الأول، في المرحلة النهائية قد تبدأ الرواية من جملة ينتهي بها أول مخطوط، أو بمشهد كان متوراياً في وسطها من قبل.
بالنسبة للجزئية الثانية من سؤالك، “جبل الزمرد” قائمة على التشكيك في ما تم توارثه، رغم أنها ظاهرياً تبدو كأنما تقوم على العكس، بستان البحر المؤتمنة على تنقية حكاية الأميرة زمردة من التحريف مشتتة بين الإيمان بهذه الحكاية والكفر بها. ظاهر الرواية أنها ضد التحريف لكن بين سطورها يبدو التحريف كأنما قدر لا فرار منه، وباطنها لا يدينه ولا يحض عليه، بل يتأمل طرقه ووسائله. كما أن الرواية لا تنتصر للشفاهة على حساب التدوين أو العكس، بل تتفحص العلاقة بينهما انطلاقاً من كتابات أفلاطون ودريدا.
وفقاً لخورخي لويس بورخيس، “تتمثل وظيفة من وظائف الفن في توريث أمس وهمي لذاكرة البشر”، في ضوء هذه المقولة تبدو “جبل الزمرد” كما لو كانت تسعى لاختلاق أمس وهمي، وأسلاف وهميين وأقصد بهذا الأمس تاريخ “جبل قاف” وسكانه والمتحدرين منه، ومحاولة لضم هذا التاريخ الوهمي مع الواقع المعيش في بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة.
** هل تمثل “جبل الزمرد” قطيعة ما أو ما يشبهها مع أعمالك السابقة.. خاصة أنها فارقت مجالها السيري “هل يمكن أن نقول ذلك؟!” وطمحت إلى إيجاد سردية مغايرة نوعا وكيفا؟
أرى “جبل الزمرد” بداية مرحلة جديدة بالنسبة لي، أو ربما إرهاصة بمرحلة قادمة، لكنها لا تمثل قطيعة مع ما سبقها، إذ لا يزال هناك الولع بالغرائبي في امتزاجه مع الواقعي وإن بصورة مختلفة، كما تجد تلك الشخصيات الحائرة والمحكومة في معظمها بالسعي خلف ما لا يُدرك ولا يُلمَس كل على طريقته. لي تحفظ على ما ذكرته بخصوص أن أعمالي السابقة “سيرية”، لأنها ليست كذلك، “متاهة مريم” على سبيل المثال، رواية كابوسية، وحتى في مستواها الواقعي، لا تشابهات بيني وبين شخصية مريم، و”وراء الفردوس” ليست كذلك أيضاً رغم أن المحيط الذي نشأت فيه يقترب كثيراً من الموجود في الرواية، لكن في كل الأحوال هذه نقطة هامشية بمعنى أن كل الشخصيات التي كتبتها فيها جزء مني، أو بالأحرى أني أثناء الكتابة أتقمص شخصياتي الفنية وأحاول أن أكونها وأن أضع نفسي مكانها.
لكن بعيداً عن هذه النقطة، ربما يكون الطموح الفني لـ”جبل الزمرد” أكبر، كما أن عالمها أوسع من عالم روايتيّ السابقتين. هذا بخلاف أنها العمل الذي استمتعت بكتابته أكثر من سواه.
** في الندوة التي عقدت في القاهرة لمناقشة الرواية.. طرحت ناقدة رأيا مفاده أن الرواية “صعبة” وتستدعي “قارئا نوعيا” مؤهلا ومجهزا لقراءة مثل هذه النوعية من الروايات.. ما رأيك في هذا الطرح؟ وهل ثمة روايات تصلح لقراء دون غيرهم؟
لا أرى أن الرواية صعبة القراءة، وأندهش إذا صدر رأي مماثل من ناقد أو كاتب، لأن في هذا الحالة يكون المطلوب ضمنياً من الكاتب أن يكتب “حواديت قبل النوم” أو حكايات لتزجية أوقات الفراغ. الرواية لها أكثر من مستوى، بحيث يمكن أن يكتفي قارئ ما بالحكاية، في حين يصل قارئ آخر إلى ما خلفها، أو يتوغل قارئ ثالث للمخفي بين سطور العمل. الملاحظ أنه من السهل وصف أي رواية بالصعوبة إذا لم يلتزم كاتبها بالزمن الخطي، أو إذا لجأ إلى خيطين سرديين متوازيين، والغريب أن هذه الأوصاف تصدر من نقاد وكُتَّاب أكثر مما تصدر من قراء.
غنيّ عن القول، أن من حق كل قارئ أن يحكم على أي عمل فني وفقاً لذائقته ورؤيته، لكن لا يعني هذا بالضرورة أن حكمه دقيق أو صائب. وبطبيعة الحال توجد روايات تتطلب قراء مدربين، وهناك روائيون يمكن تصنيفهم بأن يكتبون لنخبة منتقاة من القراء، أو كما يقال: (writers’ writer).
** ثمة كتابة تتململ من وطأة مفهوم الواقع، وتحاول الإفلات من الكتابة الواقعية إلى الشطح والفانتازيا والتهكم والسخرية.. لماذا يبدو أن هذه الكتابة هي “الغالبة” على عدد كبير من كتاب وروائيي التسعينيات وما تليها؟
الغالب على كتابة التسعينيات كان كتابة السيرة الذاتية، ومن استمروا من كُتَّاب التسعينيات هم من تمردوا على المقولات الثابتة التي بدأوا بها، أو من عمقوا تلك المقولات ووضعوها موضع المساءلة. التململ من الواقع بمفهومه الضيق كان عاملاً مشتركاً بين كثير من الكتاب الجدد، وكان ثمة طرق مختلفة من التمرد على الواقع المقدم على هذا النحو، سواء بمزجه بالفانتازيا أو تحويله إلى مسخرة كاملة أو تشريحه بمنتهى القسوة والعنف، لكنني أرى أن الملمح الأبرز الجامع بين كثير من الكتاب الذين بدأوا الكتاب في بدايات التسعينات ومن تليهم، هو الكتابة من موقع اللا منتمي، حيث ثمة مسافة ما بين الكاتب وما يكتب عنه تحميه من التورط في أن يكون ناطقاً بلسان جماعة ما. لكن حتى هذا لا يمكن أن يكون دقيقاً أو شاملاً، فالمشهد الروائي المصري حالياً ثري وفوضوي في آن، ومن الصعب حصره في توصيفات محددة.
** يتداول البعض مقولة “انتهاء الوظيفة الاجتماعية للأدب” أو على الأقل تواريها لحساب إيجاد سرديات مضادة للسرديات الكبرى.. في ظل صعود الكتابة التي تمتح من معين السيرة الذاتية وحضور الشخصيات المهمشة والمغتربة.. ما رأيك في هذا القول؟
أتحسس من أي كلام يتعلق بوظيفة ما مقترحة للأدب أو للفن عموماً، إذ في ظني أن الغاية الأمثل للفن الإمتاع والإخلاص الأول للفنان يُفترَض أن يكون لجماليات الفن الذي ينتجه أو يمارسه، غير أن الإمتاع والإعلاء من شأن القيم الفنية لا ينفيان ما عداهما. بمعنى أن رواية هدفها الأول المتعة وغاية كاتبها الأهم جماليات فنه الروائي، قد تحمل بين ثناياها هماً اجتماعياً أو سياسياً، لكن العبرة في أن يكون هذا الهم الاجتماعي أو السياسي مروَّضاً للتخديم على جماليات الرواية والإضافة إليها لا أن تكون الرواية خادمة لرسالة سياسية أو اجتماعية ما لدرجة تجاهل كونها رواية والتحول إلى مقال مباشر وممل.
فيما يخص دور الأدب في إيجاد سرديات مضادة للسرديات الكبرى، أعتقد أن هذا دور أساسي للأدب – إن جاز لنا أن نتحدث عن دور ما له – ولا يرتبط هذا فقط بالكتابة التي تمتح من معين السيرة الذاتية، بمعنى أن الأعمال الجيدة أياً كان زمن كتابتها أو طريقة كتابتها، تشترك في الغالب في طرحها سردية مغايرة للسرديات السائدة، واقتراحها قراءة أخرى جرى تغييبها طويلاً أو لم يتم الانتباه لها قبلاً.
ما يلفت نظري في كتابة ما بعد الحداثة، هو تشكيكها في قدرة العقل البشري على كشف الواقع بشكل كامل، وتسليمها بأن الواقع ليس فقط ما تراه العين وما تلمسه اليد، بل هو أيضاً نتاج للهواجس والخيالات والأحلام، فالفن وفقاً لهذا المعنى ليس مجرد مرآة للواقع أو محاكاة له بل إعادة اختراع لهذا الواقع وتقديمه متشابكاً ومتعالقاً مع ما سواه، أو في مستوى آخر هو خلخلة الحياة التي تبدو راسخة ومتماسكة وإعادة تركيبها برؤية مختلفة.
وفق هذا المعنى، تكون كل سردية مقدمة مجرد اقتراح ضمن اقتراحات أخرى، وبالتالي فتأويل هذا الاقتراح يبقى مجرد تأويل ضمن تأويلات كثيرة.
** هل تحولات السرد الروائي تحدث في الموضوعات والأشكال أم في التقنيات والأساليب؟ هل الأساليب عابرة للحدود أم أن الروائي العربي مرغم على استخدام المحلي منها؟
تحولات السرد الروائي تحدث في كل ما سبق، وإن كانت الموضوعات والأفكار التي يشتغل عليها الفن عموماً منذ القدم “محدودة”، لذا فالفيصل عادةً لا يكون في الفكرة نفسها بقدر ما يكون في كيفية تناولها وتقديمها. مساحة التجديد أوسع في ما يخص التقنيات والأساليب والأشكال، غير أن التجريب على مستوى الشكل لا يضمن بالضرورة التجديد على مستوى رؤية العالم.
ثمة أعمال روائية تبدو ظاهرياً “بسيطة جداً” وغير منشغلة بالتجريب، لكنها تذهلك كقارئ بجدة الرؤية المقدمة بين ثناياها، قد يكون هذا على مستوى رسم الشخصيات أو التقاط تفاصيل دقيقة جداً لا تنتبه إليها العين لفرط عاديتها وتكرارها، ويأتي كاتب يقظ ليعيد تشكيلها وتقديمها في سياق جديد مدهش. بشكل عام، أرى أن الأعمال الجيدة تنطوي على سر يصعب الإمساك به أو تحديده، وأجازف بقول إن هذا السر قد يكون خافياً على كُتَّابها أنفسهم، أو كما يقال إن العمل العظيم أذكى من كاتبه.
بالنسبة للجزئية الثانية في سؤالك، أؤمن بأن الفن مرادف للحرية، هو مساحة لا مجال للإرغام فيها، بل حتى لا مجال في الفن للقيود أو القواعد المسبقة التي يضعها كاتب أو فنان ما على عمله، لا أحب الانطلاق من مانفيستو ما والكتابة وفقاً له، متعة الفن تكمن – من وجهة نظري – في اختبار أفكارك المسبقة عن الكتابة مع كل عمل جديد، خيانتها وإعادة النظر فيها، والمواءمة بينها وبين ما يهمس لك العمل وشخصياته به أثناء مشوار الكتابة.
متعته تكمن أيضاً في اعتبار التراث الإنساني كله ملكاً للفنان، الانفتاح على الثقافات الأخرى والتكامل بينها مسألة بديهية. بشكل شخصي تستهويني الهجنة “بمعناها الإيجابي” وأنجذب للأعمال الكوزموبوليتية..
أتذكر أني حين زرت مدينة إشبيلية قبل أعوام فُتِنت بنمط عمارة “المدخر” الأندلسية، وتوقفت طويلاً أمام كاتدرائية إشبيلية والخيرالدا، في بناء واحد (الكاتدرائية) تتجاور وتتحاور العمارة الإسلامية مع الباروك والعمارة القوطية، لتنتج تأثيراً مدهشاً على من يتأملها، قيل لي إن من أسسوا إشبيلية من المسلمين كان في ذهنهم مدينة حلب تحديداً، بعدها بشهور سافرت إلى مدينة ثاكاتيكاس المكسيكية المبنية على النمط الكولونيالي الأسباني، وعرفت هناك أن من بنوا ثاكاتيكاس كان في ذهنهم مدينة إشبيلية، وكان واضحاً في عمارة المدينة التأثيرات الأسبانية الواضحة، والتأثيرات الموريسيكية الإسلامية المتوارية ضمنها، وكل هذا ممزوج بتأثيرات حضارات المكسيك القديمة، لنجد أنفسنا أمام الباروك المكسيكي بتفاصيله الفطرية المدهشة في حوار مع طرز معمارية إسلامية وأوروبية. شعرت حينها أني رأيت حلب في مرآة إشبيلية، ثم إشبيلية في مرآة ثاكاتيكاس، في تجربة تلاقح معماري فريدة من نوعها، لا يوجد فيها أصل وصورة بالمعنى السطحي، حيث تخلو المسألة من فكرة التقليد، إنما التمازج الابتكاري بين الأساليب والأنماط المختلفة لينتج في كل مرة نموذج فريد. ما يجري على العمارة في المثال السابق يجري على الإبداع بشكل عام.