أمينة الصنهاجي: الكتب لها روح خاصة وتعطيك بقدر ما تريده منها

أمينة الصهناجي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاورها: رضوان بن شيكار

 تقف هذه السلسلة من الحوارات كل أسبوع مع مبدع أو فنان أو فاعل في أحد المجالات الحيوية في أسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد إنتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.

 ضيفة حلقة الأسبوع الشاعرة والكاتبة أمينة الصنهاجي

(1) كيف تعرفين نفسك للقراء في سطرين؟

لا يمكنني تعريف نفسي. أتغير بتغير الدقائق. وأكون حسب ما أجده من نفسي في كل لحظة. رغم أن لي سمات تدوم أكثر من غيرها وربما لا تفارقني مثلا كوني مغربية وليس بالانتساب فقط، لكن روحا و شغفا. وكوني أما، أعيش أمومة طاغية وعميقة فعلا. وكوني امرأة فإحساسي بالتميز شديد وحاضر بقوة، غير هذا متغيرات لا تثبت.

(2) ماذا تقرأين الآن وماهو اجمل كتاب قرأته؟

 لي عادة أكررها كل رمضان. وهي تمضية ما بعد الفجر مع كتاب  روح المعاني” للألوسي. وهو بين يدي هذه الأيام. بالموازاة كما هي عادتي..أحاول الاطلاع على مقالات تخص كتاب بيريس غولت الأخير. لأنه صدر بالانجليزية وانجليزيتي ضعيفة. فصعب علي استيعاب الكتاب رغم حصولي عليه عبر أمازون، يتحدث عن جماليات السينما و الأخلاق والفن عموما، وفلسفة غولت تستهويني مؤخرا في محاولة للخروج من حجرات الفلسفة التقليدية الرائجة.

أما أجمل كتاب قرأته فلا أعتقد أن هناك كتاب جميل، مفهوم الجمال هنا فضفاض. هناك كتب خطيرة و مؤثرة و مفارقة. وهناك كتب عبارة عن تجميع أو تكرار لغيرها. أفضل الأولى رغم صعوبة توفرها، لأنها عادة لا تختار للترجمة. ولأننا بالعالم العربي نتبع ونكرر ما راج واقعا من قبل. غالب المؤلفات تروج باعتبارها موضة سارية. فتجد الأفكار تتشابه و تتكرر كذلك النزاعات و الايديولوجات التابعة.

 هناك إشارة أود الوقوف عندها. أعتبر جازمة أن الكتب التي يصفها الناس ب “المقدسة” كتب فارقة وخطيرة وليس بالضرورة بمعنى سلبي. إذا تعاملنا معها بعقل منفتح ورغبة في المعرفة بلا خلفيات و أفكار مسبقة..سنجدها فعلا غاية في التميز. وكلما فتحناها بأيد ملوثة بالحذر أو التنقيص أو السخرية أو انتظار السيء، تبتعد بروحها عن فهمنا و تغدو فارغة من المعنى.  أعتقد أن الكتب لها روح خاصة وتعطيك بقدر ما تريده منها.

(3) متى بدأت الكتابة ولماذا تكتبين؟

لا أتذكر متى بدأت الكتابة، لكني أتذكر جيدا أول مرة فزت بجائزة عن “قصيدة” في إطار مسابقة مدرسية. وعمري حينها بين 12 و 13 سنة.(مرحلة الاعدادي).

لكني لم ألتزم أبدا بصنف معين. كما لم ٱخذ مسألة الكتابة بالجدية اللازمة. وأعتقد أنه لولا المنتديات من قبل و الفيسبوك حاليا ما وجدتني بين كوكبة ” الكتاب” كما أعتز بذلك الان.

(4) ماهي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين الى التسكع في ازقتها وبين دروبها؟

تسكنني مراكش وقررت أن أسكنها. ولدت و نشأت وأقيم في الدار البيضاء. وأحبها. وأجد ما يكتبه الأغلبية عنها فيه ظلم ومغالاة. فهي مدينة حقا بمفهوم المدينة الحضاري.لكني أجدني بمراكش جدا. و أحس بالانتماء لها بشكل غريب و حميمي. وأحب التسكع بين دروبها القديمة بلا كلل. وأقوم بذلك كثيرا مؤخرا.

(5) هل أنت راضية على إنتاجاتك وماهي أعمالك المقبلة؟

مسألة الرضا نسبية، هناك نصوص أجدني فيها حتى وإن مرت سنوات على كتابتها. وهناك نصوص حين أعيد قراءتها أقول في نفسي : ياللبؤس! ماهذا؟. ليس لدي أعمال سابقة و أخرى لاحقة. أفتح تيمات و اتركها معلقة و أنتقل لتيمة أخرى و هكذا… مرات أجمع النصوص المبعثرة فأفكر في النشر..فأجد أن الفكرة لا تستحق العناء مع مايعيشه واقع الكتاب بعالمنا العربي. ومرات أقول: ما الذي أضيفه حين أطبع ثرثراتي و خواطري وحتى أفكاري؟ لذلك رغم توفري على كم كبير من الكتابات والنصوص.لا ٱخذ مسألة النشر على محمل الأهمية. لكني نشرت سنة 2009 كتاب ترجمة لحوارات جون ماري لوكليزيو حول الكتابة و دورها و الكثير مما يتعلق بها في كتاب ” غابة التناقضات” عن مؤسسة أروقة للترجمة و الدراسات بالقاهرة. وأتبعته بمجموعة نصوص عنوانها ب” يطلي حروفه بالضجر” عن نفس الدار سنة 2010. لي أيضا ضمن منشورات مجلة “نصوص من خارج اللغة” و مؤسسة أطياف كتاب “البطروس الغريب” عبارة عن حوارات مفترضة مع شارل بودلير. كان ذلك سنة 2020 في القادم هناك إصدارات جديدة أتمنى خروجها سالمة هههه قريبا جدا.

(6) متى ستحرقين اوراقك الابداعية وتعتزلين الكتابة بشكل نهائي؟

لم أحدد أبدا وقتا و قررت أن أجعله بداية للكتابة،كما لن أستطيع تحديد وقت للتوقف عن ذلك. هل نملك فعلا القرار؟ لا أظن.

(7) ماهو العمل الذي تتمنين ان تكوني كاتبته وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟

أنبهر بأعمال كثيرة، و أجد كتب الأساطير و الملاحم و الفانتازيا مذهلة بشكل خاص. لكني لم أتمنى أن أكون صاحبة عمل ما.. صدقا المؤلف لا يهم من يكون. المهم و الأهم هو النتاج / العمل في ذاته. ليس لي طقوس سوى أني أعيش حالة تلبس كامل حين الكتابة. أستغرق في اللحظة و أغيب عما حولي، و حين يقاطعني شيء ما أو تواصل ما يتبخر كل شيء كأنه ينتمي لعالم مواز لا يقبل التماهي مع الواقع. يمكنني الكتابة في السيارة أو أثناء كي و طي الملابس.أو أثناء الطبخ. أو جالسة بمقهى،.. لافرق. مرات أحس فعلا أنني مجرد وسيلة وصل. و الكتابة فعل فوقي منفصل و متعال.

 8.هل المبدع والمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها أم هو مجرد مغرد خارج السرب؟

من الواجب على المبدع أن يضطلع بدور فعلي ومؤثر، لكن ماذا عن السرب الذي ينتمي إليه؟ هل يهتم لتغريده؟! المثقف/ الكاتب/ المبدع. بينها انفصال و تقاطع. لذلك بغض النظر عن مفهوم المثقف، أجد أن تقييده بمهام محددة نوع من الارهاب النفسي يجعله يلبس زيا لا يناسبه، المثقف شخص يعيش في هذا العالم و يتفاعل معه بقدر ما يتاح له من وسائل. مسألة الموقف و الالتزام تتغير من شخص إلى شخص نظرا لمحددات كثيرة،تمثل الثقافة والمعرفة و الابداع جزء منها فقط. الأدب عموما أعتبره شاهدا، شاهدا غير محايد بالضرورة، و لكن ليس من شأنه التغيير. الأديب مشاغب مشاكس مزعج. دوره أن يجعل الضجيج يعلو. أن يزرع القلق.. و ليس ملزما بأن يكون الفدائي أو المغير أو التابع لتيار ما.

ثم أي سرب سيغرد خارجه ؟ المجتمع خليط أسراب متجادبة، أينما غرد المبدع سيكون خارج سرب ما بالضرورة.

(9) ماذا يعني لك العيش في عزلة اجبارية وربما حرية اقل؟وهل العزلة قيد ام حرية بالنسبة للكاتب؟

صورة الكاتب المنطوي المنعزل الذي يحب الكتب ولا يختلط الناس، صورة نمطية، الكثيرون يحاولون عيشها لأنها مشبعة برومانسية ساحرة. لكنها ليست بالضرورة صحيحة. العزلة بالنسبة لي حلم. حلم أريد تجربته و لم أستطع لحد الٱن.

العزلة بالنسبة لي مرحلة يتخفف فيها الشخص من التزامات الحياة العادية. كأن يستيقظ في الصباح و ينام بالليل. أو كأن ينتبه لمواعيد الاكل، أو مجاملات الحياة الاجتماعية أو غير ذلك مما نسميه حياة. العزلة هي أن تعتزل العادي والمحدد لتترك كل شيء يسير طواعية بلا قيد من أي نوع. وهذا لا يتأتى إلا في صيغة الوحدانية التامة. هل نستطيع ذلك ؟ لا يمكن الجزم إلا بالتجربة. ولم أ جرب بعد.

(10) شخصية من الماضي ترغبين لقاءها ولماذا ؟

صدقني حاولت استحضار الكثير من الأسماء.. لكني أحس بالرعب كلما توقفت عند اسم ما. ملاقاة من نحب مخاطرة كبرى. الحنين و الشوق يضفي قداسة على الشخص الذي نحبه، و كسر هالة القداسة باللقاء أمر مرعب حقيقة. لا أريد لقاء أي كان هنا..في هذا العالم.

(11) ماذا كنت ستغيرين في حياتك لو اتيحت لك فرصة البدء من جديد ؟

البدء من جديد أمر ممتع. ربما أجرب أن أكون شريرة..أو كسولة. لا أدري صراحة.

(12) الى ماذا تحتاج المرأة في أوطاننا لتصل الى مرحلة المساواة مع الرجل في مجتمعنا الذكوري بامتياز.الى دهاء وحكمة بلقيس ام الى جرأة وشجاعة نوال السعداوي؟

رغم ميلي الشديد لقضايا المرأة و نضالها. إلا أن النسوية بالنسبة لي مثل طفلة عنيدة تحب الصراخ. المرأة كانت و مازالت سيدة الحياة و مسيرتها و المؤثرة الأولى عليها. هي فقط تترك للرجل مساحة ينفش فيها ريشه.لكنها من تحدد المساحة و لون الريش.

يتجبر الرجل و يصبح خطرا عليها إذا أعطته إشارة أنها الأضعف. و هي ليست كذلك.

ليس هناك مجتمع ذكوري. هناك قيم و ثقافة يتواضع الرجال و النساء عليها و يحمونها و غالبا تكون المرأة هي الحامية الأكثر شراسة للمجتمع و قيمه.

بلقيس مربكة لي دوما / لا أجدها حكيمة. ربما ضجرة. أو هاربة من وضع ثقيل عليها فأوهمت الجميع حتى سليمان أنها خضعت.

نوال السعداوي صوت يحاكي و يكرر مقولات نسوانيات يتبرعمن عبر محطات مكانية و زمانية عديدة. و الاعلام يشتغل على ذلك حسب المطلوب.

المرأة كون. لا يهمها الثنائيات السطحية.

(13) صياغة الأدب لا يأتي من فراغ، بل لا بد من وجود محركات مكانية وزمانية. حدثينا عن ديوانك ( يطلي حروفه بالضجر).كيف كتب وفي أي ظرف؟

 “يطلي حروفه بالضجر” مجموعة نصوص كتبت على فترات مختلفة. أغلبها كانت ضمن ” النص المنفلت” و الذي كنا نرتجله عبر منتدى جنون..و نحن أصدقاء نؤمن بالكتابة الجديدة المتجاوزة للتصنيف.

 كان الكتاب ضمن مجموعة منشورات افتتحت بها مؤسسة أروقة للدراسات و الترجمة و النشر مشروعها الرائد لنشر و تثمين الكتابات التي تنحو شكل النص الجديد المتجاوز للكتابة التقليدية. بعد المؤتمر الأول ل” النص الجديد/ مابعد قصيدة النثر” الذي أقيمت نسخته الأولى بالقاهرة سنة 2009.

(14) ماذا يبقى حين نفقد الأشياء؟ الذكريات أم الفراغ؟

الأشياء ننفصل عنها و لا تتبخر أو يصيبها العدم.

لا شيء يختفي. كما ليس هناك فراغ بالمعنى الفيزيائي.

هناك تداول مختلف للأشياء من حولنا و معنا.

الذكريات خائنة، تضع نفسها داخلنا بشكل لا يوافق الحقيقة دائما، ثم هي انتقائية جدا. و لا أعرف بالضبط كيف تختار وقتها ولا مسار تكرارها بالنفس.

 لذلك فما يبقى ذكريات، لكنها مخاتلة و غير حقيقية كما نعتقد. ثم النسيان نعمة وهمية، أنا لا أنسى. لكني أتذكر بشكل مشوه..

(15) كيف تتعايش الشاعرة مع المترجمة تحت سقف واحد في حياة المبدعة أمينة الصنهاجي؟

الترجمة نشاط بدأته هواية ممتعة، وانتهى معي لرهبة حقيقية و عتبة أخاف جدا الوقوف عندها.حين اختبرت خوض غمارها.

شاعرة و مترجمة سمات أحاول بها وضع صورة غير مربكة عني للغير. الانسان عادة خليط من أمور شتى تتدافع داخله و حوله و يعيش في تفاعل مستمر معها. الترجمة تؤثر على الشعر لا محالة. و ما أقرأه أو أترجمه يتسلل بالضرورة و بوعي مني أو غفلة إلى ما أكتبه

(16) هل يعيش الوطن داخل المبدع المغترب أم يعيش هو بأحلامه داخل وطنه؟

.الاغتراب حالة وجدانية غير مرتبطة بمكان أو وطن. أما الغربة فحقيقة لم أختبرها، أسافر كثيرا، يتعمق لدي انتمائي جدا حين أبتعد عن المغرب. و أحس أني أحتاج لأخبر الجميع أنني من المغرب. لكني أعود. فيبقى تواجدي ببلدي هو القاعدة و السفر استثناء لا يجعل مني مغتربة. أما الاغتراب فأظن أنه محرك أساسي للكتابة، إنه ما يجعلنا نريد بقوة أن نشرح للٱخر من نكون. أو أن نفكك شيفرة لغتنا الداخلية لنا أولا و لغيرنا تاليا عن طريق الكتابة.

(17) اجمل واسوأ ذكرى في حياتك؟

أجمل ذكرى / حدث. هناك الكثير الجميل فعلا و المبهج جدا : ما يحضرني الان : خبر أني حامل أخيرا بعد انتظار عشر سنوات. وضع قدمي بالروضة الشريفة أول مرة. أول سفر لي بالطائرة ههههههههههه.

أما أسوأ ذكرى / خبر: مرضي السابق، ووفاة سندي وصديقي أخي مصطفى.

(18) كلمة اخيرة او شئ ترغبين الحديث عنه؟

الحوارات مساحة للبوح ؛ للثرثرة الحميمة الصافية، خصوصا حين تكون بهذه الصيغة الخفيفة و الدقيقة في نفس الوقت. أحسست أنني على طاولة مقهى صغير بزاوية زقاق قديم و قد فتح لي الصديق رضوان بنشيكر المجال للحديث بلا رتوش، و أنا ثرثارة جدا.

.شكرا كثيرا و امتنان كبير.

مقالات من نفس القسم