منصورة عز الدين: الحلم مفردة أساسية لفهم الواقع

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاورها : خالد بيومي: 

منصورة عز الدين كاتبة مصرية تنتمي إلى جيل التسعينات تكتب عن الهم الإنساني دون تحيز لجنسها أو انغلاق على مجتمع بعينه، وقد حفرت لنفسها مكانة بين بنات جيلها من خلال مجموعة قصصية بعنوان “ضوء مهتز” وروايتين هما: “متاهة مريم” و”وراء الفردوس”. هنا حوار مع منصورة عز الدين:

ـ “وراء الفردوس” هو عنوان روايتك الجديدة.. لماذا اخترت هذا العنوان؟

ـ العنوان يعبر عن حالة من البحث عن السكينة والراحة ومحاولة للفهم ويتمثل هذا المعنى في شخصية “سلمى” بطلة الرواية المشغولة بالوصول إلى إجابات عن أسئلتها والمهمومة بفكرة الفردوس بمعناها الواسع كمكان بلا صراعات أو شرور وبلا طبقات اجتماعية أو ظلم. وهناك نوع من الحلم بالفردوس ويظهر في مستويات مختلفة في الرواية عبر الشخصيات الأخرى، التي يبحث كل منها بطريقته عن فردوسه الخاص، للخروج من مأزقه النفسي والحياتي والوجودي.

ـ الملاحظ أن فضاء الريف هو الفضاء المركزي للرواية، ما الذي دفعك وأنت تسكنين المدينة منذ سنوات إلى هذه العودة إلى الريف؟

 ـ قد يكون فضاء الريف هو الفضاء المركزي للرواية إلا أنه لا يمكن اختصارها في أنهار رواية عن الريف والمدينة بل هناك شخصيات بريطانية في الرواية وثمة أسئلة تجاوز فكرة كتابة الريف بالشكل المتعارف عليه. فالرواية في جزء منها رصد للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها مصر في العقود الثلاثة الأخيرة. كما يمكنني الزعم بأن الريف المقدم في الرواية يختلف تماما عن الريف بشكله المعروف في الرواية المصرية في ما سبق، فنحن هنا أمام قرية صغيرة تنتقل من الزراعة إلى التصنيع بكل ما يمثله هذا الانتقال من تغييرات وتناقضات الأمر الذي يجعلها أقرب إلى المدن الصغيرة، كما أن الطبقة المقدمة بشكل رئيسي في الرواية تعبر عن أثرياء الريف وأعتقد أنها لم تحظ حتى الآن بالاهتمام الكافي من الكتاب ولا علاقة بإقامة كاتب في مكان ما  بالضرورة  بما يكتبه لأنني حيث أقيم في القاهرة يمكنني أن أكتب رواية تدور أحداثها خارج مصر كلها اعتمادا على الخيال والبحث إذ أرى أن التخييل شرط أساسي للكتابة، يمكنه أن يوسع آفاق الكاتب ويجعله يصل إلى أماكن وثقافات بعيدة عن واقعه تماماً.

ـ هل تهدفين من خلال هذه الرواية إلى الخلاص من الريف الذي يسكنك؟

ـ  غير صحيح فمعظم شخصيات العمل تبحث عن فردانيتها وشخصية “سلمى” ترفض هيمنة العائلة على مقدرات الفرد وليس خلاصا من الريف، ولكن هو خلاص بشكل أساسي من فكرة عدم احترام الفردية في المجتمع ككل، فالأمر ليس له أدنى علاقة بثنائية الريف والمدينة، لأن كثيرا من شخصيات العمل ذات وعي مديني وليس معنى ذلك أن الشخصيات التي تنتمي للمدينة في الرواية مقدمة على أنها الأفضل.

ـ البناء السردي للرواية تسيطر عليه أجواء يلتحم فيها الحلم باليقظة بشكل يصعب الفصل بينهما.. لماذا؟

ـ فكرة الامتزاج بين الحلم والواقع هي خصيصة في كتاباتي منذ أن بدأت كتابة قصصي، وقد استفدت من تقنية الحلم في الرواية لأنه جزء أساسي من الواقع الذي نعيش فيه، وأرفض أن يصف البعض كتابة ما بأنها كتابة ليست واقعية لمجرد أنها تستفيد من تقنية الأحلام التي هي لغة اللاوعي، فكيف لا يكون لاوعينا جزءا أساسيا من واقعنا، الحلم عندي ليس وسيلة للفرار من الواقع لكنه بالأساس طريقة لفهمه عبر تفكيكه وإعادة بنائه من جديد، فالأحلام تقود أحيانا حركة السرد وتوجهه كما أنها تكشف بالأساس عن نفسيات الشخصيات ودقائق لا وعيها.

في هذه الرواية تخلصت الأحلام في كتابتي إلى حد ما من بعدها الكابوسي لتقترب أكثر من تفسيراتها في التراث الإسلامي، فثمة استفادة من “تفسير الأحلام الكبير” لابن سيرين على سبيل المثال.

ـ في الحلم حين تعتلي الرواية عرش المتن تسرد بضمير المتكلم فهل هذا تكريس لذروة الاغتراب والوحشة؟

ـ في الرواية يوجد صوتان الأول صوت الراوي الأساسي والآخر هو صوت البطلة سلمى حين تكتب روايتها عن العائلة فهناك ما يشبه الرواية داخل الرواية. وأثناء الكتابة رأيت أن ضمير المتكلم سيضيف كثيرا أو سيقوم بتعريف أكثر لشخصية “سلمى” ويقدمها بشكل أفضل كما أنه قد يساعد على رفع إيقاع العمل ويقدم بعض الشخصيات بعين أخرى من خلال عين الراوي العليم المهيمن على باقي الرواية.

ـ الأسطورة حاضرة بقوة ألا تخافين أن تكون عبئا على العمل؟

ـ  الأسطورة ليست من خارج العالم الذي تقدمه الرواية، لأنها بالأساس جزء من الوعي في الريف، فكرة حكايات الأشباح والخرافات المرتبطة بالانتقال من الزراعة إلى الصناعة.. الخ، وأعتقد أن مثل هذه الأشياء قد أثرت العمل لأنها تقرب القارئ أكثر من روح المكان، بمعنى أنه لا يمكن فهم عالم الريف بمعزل عن هذه المفردات وأعتقد أن الرواية تتصارع مع هذا الوعي الأسطوري ولا تستسلم له بل هي تستفيد منه بشكل فني بالأساس.

ـ قدمت معلومات ثرية عن عادات وتقاليد الشعب الباكستاني من أين استقيت هذه المعلومات؟

ـ جزء أساسي من دور الراوي، إضافة إلى التخييل، أن يقوم ببعض الجهد الشخصي للوصول إلى المادة التي يشتغل عليها، قدمت سمات الشخصية الباكستانية وبعض الأكلات الباكستانية وسجلت بعض أسماء الأشجار والنباتات التي تستخدم كعلاج بالأعشاب كمحاولة لفهم شخصية “ظيا” البريطاني من أصل باكستاني، وأعتقد أن كثيرا من الروايات المصرية تفتقر إلى حد ما إلى هذا الجانب، ولم أضع هذه المعلومات في شكل جامد بل حاولت أن تصب في صالح الشخصيات وخيط السرد.

ـ نلاحظ أنك رسمت شخصيات كثيرة في الرواية فهل هذه الشخصيات محض افتراض أم هي واقعية؟

ـ لا توجد شخصية واقعية بمعنى النقل الحرفي فأنا أقوم في البداية بإبداع الشخصية وعادة ما أبدا كتابة عمل انطلاقا من شخصية تخيلتها في ما بعد وربما أضيف لهذه الشخصية لمسات من شخصيات قابلتها في الحياة، وأحيانا لمسات من نفسي، لكنها بالأساس شخصيات مرسومة من خيالي وأحرص على تنوعها حتى لا تكون متشابهة.

ـ لماذا تبدو نساؤك حزينات؟

ـ شخصيات الرواية تعاني من مأزق وجودي ما، وأعتقد أن العين الموجودة وراء الكتابة ليست ذكورية أو نسوية وهي بالأحرى عين “أندروجينية” (تحمل مواصفات الذكورة والأنوثة).

ـ أيهما يستأثر بكتاباتك: الهم النسائي أم الإنساني؟

ـ الهم الإنساني هو الأساس في كتاباتي لأنها لا تنطلق من وجهة نظر نسوية بالأساس فأنا أرفض أن يكون الراوي ناطقا باسم جنس، أو طبقة أو قبيلة ما، وعلى الروائي ألا يؤمن أكثر من اللازم بقضايا معينة لدرجة تمنعه من رؤيتها بشكل صحيح أو تحوله إلى “دوجما” ويجب أن يكون هناك نوع من المساءلة طوال الوقت والنظرة النقدية حتى لأبسط المسلمات.

ـ  استخدمت لغة تعد مزيجا من الفصحى والعامية لماذا؟

ـ حاولت أن يكون هناك أكثر من مستوى للغة في الرواية، ولغة الحوار جاءت بالعامية لتشي بمكان احداث الرواية في دلتا النيل، وهناك استفادة من فكرة “الحدوتة الشعبية” وأعتقد أنه سيكون من السذاجة أن أعيد كتابة حدوتة شعبية باللغة الفصحى.والمستوى الآخر من اللغة هو لغة الأجانب الذين يتعلمون العربية والمتمثل في الخطاب الذي كتبته كريستينا الألمانية إلى هشام وتعمدت فيه تقليد الركاكة الموجودة والتي لاحظتها عند أصدقاء أجانب يتكلمون العربية.

اقرأ أيضا

* فصل من رواية ” وراء الفردوس “

* «أبطال» يصنعون بالحلم حقائق عالمهم

مقالات من نفس القسم