منتصر .. وإعادة كتابة تاريخ الثورة!

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 

يقدم الكاتب محمد زهران في روايته منتصر ( الدار للنشر و التوزيع 2015 ) ما يُمكن أن نطلق عليه إعادة كتابة الثورة المصرية في 25 يناير 2011 أو إعادة التأريخ بعد أن حاول الكثيرون تشويه الأحداث و تأويلها وفق أهوائهم . فالأدب دائما ً يقول ما لا يقوله التاريخ ، يكشف ما قد لا يكشفه المؤرخون .

منتصر عامل نظافة في محطة مترو أنور السادات ( التحرير)، يعيش في إحدى العشوائيات مع زوجته حفيظة . منتصر الذي رأى تمهيدات الثورة قبلها بأعوام من خلال الاحتجاجات العديدة التي شهدتها الأعوام الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق مبارك . تنتابه الشكوك حول مدى قدرة الشباب على أحداث التغيير . لكنه سرعان ما يثق فيهم و يتمنى لو يشاركهم ، و يتغلب على خوفه من الرصاص الطائش الذي يحصد العيون و القلوب ، فينكمش على ذاته داخل السلالم المؤدية للمترو، في إشارة لتخلي الجيل الذي يمثله منتصر عن دوره في أحداث التغيير . 

لا ترصد الرواية زمن ثورة يناير فقط إنما ترجع للوراء إلى فترة بدايات حكم الرئيس جمال عبد الناصر و العدوان الثلاثي و هزيمة يونيو، لكن أهم مايُطالعهالقارئ فيها هو الحكايات المتناثرة عن والد منتصر الذي ظل يحلم بالولد فرزقه الله بمنتصر، الذي سماه تيمنا ً بزمن ملئ بالانتصارات له و لكل الغلابة ، لكنه يُباغت بالحقيقة أنه لم و لن ينتصر لأي شيء . الأب الحكاء المهووس بتدخين الجوزة، يحكي لولده عن زمن يعم فيه الخير، زمن هلت بشاراته بمولده ، لذا أسماه منتصر ، تبدو الأجزاء المعنية بوالد منتصر و حكاياته التي لا تنضبالأكثر دفئا ً و إنسانية و التي برع الكاتب في وصفها و الغوص فيها .

بداية الرواية مشوقة ، تجذب القارئ لمعرفة المزيد عن التحقيق الذي يجري ولا يظهر منه سوى إجابات منتصر ، مما يجعل القارئ يشحذ الذهن في استكشاف السؤال .

إضافة عناوين الصحف الصادرة في الثورة أو وقت الستينات ، أضافت للرواية جانبا ً توثيقيا ً ، مما يؤكد فكرة أن الكاتب أراد بروايته أن يسجل أحداث الثورة خشية تعرضها للاندثار أو التبدل مع مرور الزمن . و يذكرنا ذلك برواية ذات للكاتب الكبير صنع الله إبراهيم و إن كان صنع الله قدمها بشكل أكبر . على الجانب الأخر جاء المقطع الخاص بتقرير الأمم المتحدة الإنمائي عن مصر وظاهرة التعذيب ثقيلا على النص ، صحيح أنه أضاء المشهد التالي الخاص بالتحقيق مع منتصر، لكنه أفقد القارئ مفاجأة الاكتشاف ، كقارئ أدركت المشهد التالي فور أن قرأت التقرير و قبل أن أقلب الصفحة .

بعين مُلتقطِة للتفاصيل يلتقط الكاتب حياة قطاع كبير من المصريين بعد الثورة ، فنجد جزء يريد أن يستكمل باقي مطالب الثورة مُمثلا ً في شيخ الجامع السلفي الذي يدعو الناس للنزول للميدان ، وقطاع أخر يرفض النزول و غير مقتنع أصلا بفكرة الثورة و نجد هذا الجزء في أغلب رفقاء منتصر المُنتظرين لمقاول يأتي و يلتقط من يصلح منهم للعمل .

يبدو الكاتب مُتحسرا ً على زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر و يتضح ذلك من خُطب الراحل المُتناثرة داخل السرد . يعقد الكاتب مقارنة بين جنازتي الرئيسين ناصر و السادات ، عبد الناصر الذي أتى منتصر خصيصا ً للقاهرة من أجل حضور جنازته . السادات الذيكانت وقتها لقمة العيش و البحث عنها أهم من حضور جنازته . ” عند اغتيال السادات لم يبك ولم يبال .. ربما فرق النضج ، ولكنه كان أكثر مشغولية في البحث عن لقمة العيش التي تأتي بطلوع الروح .. “

تستمر الرواية في قنص عيوب المجتمع التي لم تندثر مع الزمن ، وفي رصد المسكوت عنه في العلاقة بين المسلمين والمسيحيين ، فنجد منتصر ينتفض أثر سماعه اسم صديقه مينا لاكتشافه أنه مسيحي ويود لو كان مسلما ً مثله . و أيضا ً حينما يناوله مينا ساندوتش فول ، ينظر له بريبة ، لكن شهوة الجوع تتغلب على حذره فيأكل الساندوتش بنهم . ”  كنت هتقول ايهدلوقتي يابا لو عرفت إني هتعلم على إيد نصراني ؟ بس والله باين عليه طيب وابن حلال .. مايعيبوش بس غير دقة الصليب دي .. يلا أمر الله .. ربنا يهدي .. ما هو برضه ذنبه ايه ؟ ما هو اتولد لقى نفسه كدة .. ” .

 و على الجانب الآخر نجد منتصر يطيل من لحيته و يحاول باستمرار أن يستجلب زبيبة الصلاة على جبهته ، للمنظرة و ليس أكثر ، و بذلك بهيئته الدينية يعوض ما ينقص عنده من مال أو ترقي في المراكز أو التعليم . لذا يقف في الصفوف الأولى أو يكون هو الإمام ليسبق الأطباء و المهندسين ، ويحقق حلم والده بأن بكون من علية القوم ، لكن هذا الحلم يُحققه لوقت معلوم و في مكان محدد وقت الصلاة و على سجادة الصلاة ، وفورأدائهالفريضةيرجع لمكانه الطبيعي .

حَلم منتصر أن يُرزق بولد ، وتمر السنوات ولا يمن الله عليه به ، ولا يتبقى له سوى صورة الطفل الصغير داخل البرواز المُعلق في المحطة ، يتأمله بحب و يتمنى لو يرزق بمثله ، الإشارة هنا واضحة ، فالأب أيضا ً رزق بالولد منتصر أثناء رئاسة ناصر في رمزية للعهد الجديد المرجو منه الخير . و بالتالي تتكرر الرمزية ولكن في عصر مُغاير أثناء ثورة يناير ، منتصر يتمنى أن يرزق بطفل في أشارة لجيل تالي يتولي المسئولية ، لكنه لا يُرزق به في إشارة إلى استمرار جدب الزمن و تعنته في الجود بمن يرث الخير .

أيضا ً حلم منتصر في استكمال تعليمه الذي هرب منه في صغره ، نجده يسعى لاستكمال حلمه بتعلم القراءة و الكتابة ، تلك المرة على يد مينا الذي بُوغت بالموت ، يسعى لبداية جديدة بمعونة الشباب ، لكن الشباب يموت ولا يبقى سوى الكهول .

يرتبط منتصر بمينا ، وتتولد لديه مشاعر أبوة ، لا يعبر عنها الكاتب صراحة إنما يستنبطها القارئ من خلال علاقة الصداقة بينهما . كأن منتصر يستكمل شعور الأبوة المنقوص عنده بمعرفته بمينا .

المشكلة الوحيدة في الرواية فيما أرى هي استخدام اللهجة العامية ، أتفهم تماما ً أن الحوار يجب أن يكون على نفس مستوى إدراك الشخصيات ، لكن هنا السرد أيضا ً بالعامية ، بالتأكيد سهل التلقي وجعل القراءة أسهل، لكن لو كان السرد بالفصحىكانسيضيف أكثر للنص.

منتصر الرواية الرابعة للروائي محمد زهران ، قدم فيها حالة يغوص القارئ فيها مُستمتعا ً بتفاصيلها ، ويسترجع فيها أزمانًا ولت نتمنى عودتها و استكشاف بواعث توهجها الدائم

مقالات من نفس القسم