مسرات وأوجاع التكرلي: الذات بمواجهة العالم

مسرات وأوجاع التكرلي: الذات بمواجهة العالم
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 

أمل إدريس هارون

بدأت هذه الرواية غير جادة فعلاً في المضي قدماً في القراءة مثل روايات كثيرة تحدث ضجة أو روايات مشهورة تعتبر مفصلية في ثقافة القاريء لم أستطع المضي فيها بعد الصفحة الأولي ،أما هذه الرواية فاجتمعت لها عناصر كثيرة لنفاذها ؛ رشاقة اللغة وعمق التعبير وتعقيده وتماسه مع النفس وهذا الحزن والخذلان والانكسار سواء بسبب التكوين أو ببساطة بسبب الزمن.

 


بالطبع كل رواية تلمس وتراً في نفس القاريء وهناك روايات تلمس أوتاراً عدة ، في رأيي هذه راوية عظيمة عن الإنسان الفرد بمواجهة الوحشة ؛ وحشة بمواجهة العالم وتراتبيات الثروة والمركز والقوة والنفوذ ووحشة أعمق بمواجهة الذات نفسها تلك التي تسوقنا حسب ايقاعها والتي لا ترتضي بالمتاح من أطر وقوالب بالخارج وتستمر في سرد داخلي وطرح العالم للتساؤل والتفكيك والتركيب في محاولة للفهم ومع الفهم يأتي الإدراك وبالطبع الحزن!
هي راوية عن الغربة؛ غربة الأختلاف ولأي مدى ندفع ثمن ذلك او نرفض دفع الثمن ، غربة بمواجهة الزيف والنفاق والإدعاء ، غربة المعنى في ابرام هدنة مع الحياة والانسحاب منها ثم بها تخوننا في جوهرها ذاته بالداخل، داخلنا ؛ الجوع والجنس لتسحبنا مرة اخرى نحو العالم .
هي راوية عن التجرد ؛ التجرد الجسدي والنفسي من ترهلات الإجابات الحاضرة وما يترتب على ذلك من إدراك حقيقي لما يربطنا بالعالم بشكله البدائي الفج ، فهذ الجسد ومتطلباته زادت او نقصت تؤثر على رؤيتنا في دقائق؛ الطعام والجنس والشراب والبرد او الحر ، والحب والونس وفهم كنه السعادة والألم .
هي راوية عن الهامش المتخفف من جشع المجتمع وايدلوجياته المميتة وترهل أسباب تحالفاته الداخلية ، الهامش الذي لا يعبأ بتاريخ البلد المركب والمحكي على جثث حكايات الأفراد ، فنحن لسنا امام نقد لتاريخ العراق ولا الظلم ولا الطغيان ولا تأريخ لتاريخ مجتمع إلا بقدر ما يتماس ذلك مع الفرد وشبكة علاقاته ، رواية عن كسر البروباجندا الوطنية لصالح الفرد في شكله المطلق الحر والمكبل في آن واحد بهذه الحياة وبهذا العالم، فهي راوية عن الانسان الفرد بمواجهة نفسه والعالم والمعنى.

كان في ذهني بشكل مواز شخصية رام بطل رواية “بيرة في نادي البلياردو” ،هناك اختلافات في الإطار والأحداث ولكن هناك تشابه في هذه الأزمة المستمرة في ايجاد المعنى ودفع العالم عن وجودنا ومحاولة التعايش بأقل قدر من التنازل. كل الروايات الكبرى المذكورة بالرواية تفسر هذا الأزمة الإنسانية الوجودية وتمنح الرواية بُعداً شاملاً يتماس مع الإنسان في صورته المجردة. المثير أن العنوان خادع جداً ولا يعبر عن ادراكنا المستمر لهذه الأوجاع وتطلعنا لتجاوزها ، ربما تأتي المسات اولاً ثم يتبعها الأوجاع بلا هوادة؟ هل الحياة حقاً هي هذه الثنائية غير العادلة بين المسرات والأوجاع؟؟ هل المسرات مطلقة؟ هل الأوجاع مطلقة؟


تبقى المرأة ، صورتها الأعمق كميزان للتوازن ليس فقط الحسي بل النفسي ، رغم عظم الرواية وثقلها الإنساني لم تتقدم المرأة بنفس المستوى من الحوار الداخلي المطلق، تواجدها يمنح التوازن والمعنى في عالم داخلي عدمي ولكن يظل الهوس بها على مستوى عدم التورط في فهم أعمق للأنوثة كمكون إنساني أصيل والحقيقة لم يتحدث أحد بعد عن المرأة وكينونتها الدفينة الغريزية في ترتيب العالم بلا تقعر، لم تكتب بعد المرأة عن المرأة كما ينبغي بلا أطر تخنقها وتموضعها في قالب الجسد أوالتبتل من وجهة نظر الرجل او المجتمع، المرأة تيمة قوية وكبيرة لم يقدمها بعد أحد بشكل يتجاوز الشَعر المسترسل والعين الكحيلة والتردي الأخلاقي في مرآة الأخلاق والكيد المزعوم …

رواية عظيمة فعلاً وتستحق قراءة ثانية على مهل في ركن بعيد من لهاثنا اليومي حول وفي العالم.

 الرواية متاحة الكترونيًا >> من هنا 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 شاعرة وكاتبة مصرية

مقالات من نفس القسم